رام الله / غزة 31 يناير 2023 (شينخوا) عقد الرئيس الفلسطيني محمود عباس ووزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن مباحثات في قصر الرئاسة بمدينة رام الله وسط الضفة الغربية اليوم (الثلاثاء) في ظل تصعيد ميداني مع إسرائيل، وسط رفض فلسطيني للزيارة.
واعتبر عباس خلال مؤتمر صحفي مع بلينكن عقب اللقاء الذي شارك فيه عدد من المسؤولين من كلا الجانبين أن الوقف الكامل للأعمال الإسرائيلية أحادية الجانب التي "تنتهك الاتفاقيات الموقعة والقانون الدولي هو المدخل الأساس لعودة الأفق السياسي وإنهاء الاحتلال وفقا للمرجعيات الدولية ومبادرة السلام العربية، من أجل صنع السلام والاستقرار والأمن للجميع في منطقتنا والعالم".
وقال عباس إن ما يحدث اليوم تتحمل مسؤوليته الحكومة الإسرائيلية بسبب ممارساتها التي تقوض حل الدولتين وتخالف الاتفاقيات الموقعة وبسبب عدم بذل الجهود الدولية لتفكيك الاحتلال وإنهاء منظومة الاستيطان وعدم الاعتراف بالدولة الفلسطينية وحصولها على عضويتها الكاملة في الأمم المتحدة.
وأضاف أن مواصلة معارضة جهود الشعب الفلسطيني للدفاع عن وجوده وحقوقه المشروعة في المحافل والمحاكم الدولية، وتوفير الحماية الدولية له، هي سياسة تشجع إسرائيل على المزيد من ارتكاب "الجرائم وانتهاك القانون الدولي".
وأشار إلى أن ذلك يأتي في الوقت الذي يتم التغاضي فيه "دون رادع أو محاسبة لإسرائيل التي تواصل عملياتها أحادية الجانب بما يشمل الاستيطان والضم الفعلي للأراضي وإرهاب المستوطنين واقتحام المناطق الفلسطينية وجرائم القتل وهدم المنازل وتهجير الفلسطينيين وتغيير هوية القدس وانتهاك الوضع التاريخي واستباحة المسجد الأقصى وحجز الأموال وما يرافق ذلك من عمليات التطهير العرقي".
وأوضح أن القيادة الفلسطينية قامت باتخاذ جملة من القرارات بدأت في تنفيذها حماية لمصالح الشعب الفلسطيني بعد أن "استنفذت كل الوسائل مع إسرائيل لوقف انتهاكاتها والتحلل من الاتفاقيات الموقعة وعدم الالتزام بوقف أعمالها أحادية الجانب".
وأعلنت القيادة الفلسطينية يوم الخميس الماضي عقب اجتماع لها في رام الله وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل والتوجه للمؤسسات الدولية، ردا على مقتل تسعة فلسطينيين، بينهم سيدة خلال عملية للجيش الإسرائيلي في مدينة جنين ومخيمها بشمال الضفة الغربية.
وقال عباس "لقد أبدينا على الدوام الالتزام بقرارات الشرعية الدولية ونبذ العنف والإرهاب واحترام الاتفاقيات الموقعة ونبدي الآن الاستعداد للعمل مع الإدارة الأمريكية والمجتمع الدولي لعودة الحوار السياسي من أجل إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأرض دولة فلسطين على حدود 1967 بعاصمتها القدس الشرقية".
وأكد أن الشعب الفلسطيني "لن يقبل باستمرار الاحتلال للأبد ولن يتعزز الأمن الإقليمي باستباحة المقدسات ودهس كرامته وتجاهل حقوقه المشروعة في الحرية والكرامة والاستقلال".
وتزامنت جولة بلينكن القصيرة إلى منطقة الشرق الأوسط وشملت مصر وإسرائيل مع تصاعد أعمال العنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين، حيث قتل منذ بداية العام الجاري 34 فلسطينيا برصاص إسرائيلي في الضفة الغربية بينهم 8 أطفال وسيدة مسنة، بحسب إحصائيات فلسطينية رسمية.
ويوم الجمعة الماضي قتل 7 أشخاص في عملية إطلاق نار نفذها فلسطيني خارج كنيس يهودي في حي "نيفي يعقوب" في القدس، ووفقا للشرطة الإسرائيلية فإن منفذ الهجوم توفى متأثرا بجروحه ويدعى خيري علقم من قرية "الطور" شرق القدس.
وفي الصدد قال بلينكن إن الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء "يعانون من الحزن بسبب خسارة أحبائهم ومن الخوف على سلامتهم وأمنهم في بيوتهم ومجتمعاتهم وأماكن عبادتهم، مؤكدا ضرورة "أخذ خطوات سريعة لتخفيف حدة العنف وخلق مساحة تسمح لنا باستعادة الشعور بأمن الجانبين".
وأضاف بلينكن أن هذه "خطوات أولى مهمة ولكنها ليست كافية ومن الضروري أن نستمر في العمل للتأكد من تمتع الفلسطينيين والإسرائيليين بنفس الحقوق والفرص ولكن ما نراه اليوم أن الفلسطينيين لا يرون أفقا وتنقطع الفرص مع مرور الوقت".
وأشار إلى أن الإدارة الأمريكية تعمل على تعزيز العلاقات مع الشعب الفلسطيني ومساعدته أيضا على تحسين حياته المعيشية، ونقوم بذلك من خلال دعم وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) بـ 890 مليون دولار للغذاء وللاجئين، واليوم أعلن تقديم 50 مليون دولار للوكالة الأممية.
وتابع أن الإدارة الأمريكية ستستمر بالعمل لإعادة افتتاح القنصلية في القدس الشرقية، مشيرا إلى أن كافة الخطوات هى جزء من طموحاتنا على المدى الطويل لتوثيق العلاقات مع الشعب الفلسطيني والسلطة الفلسطينية.
وأضاف بلينكن أن كافة الخطوات تسمح "لنا بتحقيق هدفنا أن يتمتع الفلسطينيون والإسرائيليون بقسط متساو من الديمقراطية والحرية والكرامة"، مؤكدا التزام بلاده بحل الدولتين ومعارضة أي إجراء أحادي الجانب يجعل هذا الهدف "صعب التحقيق و المنال".
وأشار وزير الخارجية الأمريكي إلى أن الإجراءات أحادية الجانب تشمل "توسيع الاستيطان وإضفاء الشرعية على البؤر الاستيطانية وأعمال هدم البيوت وإخلاء المنازل من سكانها وتغيير الوضع القائم في الأماكن المقدسة والدعوة للعنف والتغاضي عن اللجوء إليه"، مشيرا إلى أن واشنطن تدين أعمال العنف أينما كانت.
واحتلت إسرائيل الضفة الغربية في عام 1967 وأقامت عليها المستوطنات، التي تعتبر مخالفة للقانون الدولي، ويعد ملف الاستيطان أحد أبرز أوجه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ومن الأسباب الرئيسية لتوقف آخر مفاوضات للسلام بين الجانبين.
وتوقفت آخر مفاوضات للسلام بين الفلسطينيين وإسرائيل في نهاية مارس عام 2014، ويطالب الفلسطينيون بتحقيق دولة مستقلة إلى جانب إسرائيل على كامل الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل عام 1967 بما يشمل الضفة الغربية كاملة وقطاع غزة وأن تكون عاصمتها القدس الشرقية.
إلى ذلك تظاهر عشرات الفلسطينيين في مدينتي رام الله وغزة بشكل متزامن احتجاجا على زيارة بلينكن إلى الضفة الغربية ولقاء الرئيس عباس.
ورفع المشاركون في التظاهرتين في غزة ودوار (المنارة) وسط رام الله، الأعلام الفلسطينية ولافتات كتب عليها "لا للسياسة الأمريكية راعية إرهاب الاحتلال الإسرائيلي".
وجاءت التظاهرتان التي دعت لهما فصائل وفعاليات ومؤسسات فلسطينية تزامنا مع وصول بلينكن إلى مقر الرئاسة في مدينة رام الله بالضفة الغربية.
وقال منسق القوى الوطنية والإسلامية في رام الله عصام بكر لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن التظاهرة حملت رسائل واضحة أن بلينكن "غير مرحب به" في ظل انحياز إدارته الكامل لإسرائيل وممارساتها بحق الشعب الفلسطيني.
وأضاف بكر أن زيارة بلينكن للضفة الغربية جاءت في إطار الضغط على القيادة الفلسطينية للتراجع عن موقفها الأخير بوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، وفي المقابل تغض الإدارة الأمريكية الطرف عن كافة الممارسات الإسرائيلية.
وانتقد بكر "ازدواجية المعايير التي تمارسها الإدارة الأمريكية في التعامل مع الملف الفلسطيني من خلال تحسين الظروف المعيشية بديلا عن الحقوق الأساسية المشروعة بإقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس على حدود عام 1967".
واعتبر بكر أن الموقف الأمريكي "المنحاز بشكل كامل لإسرائيل لن يؤدي إلا لمزيد من استمرار دوامة العنف"، مشددا على حق الشعب الفلسطيني في ممارسة كفاحه ونضاله وصولا لتحقيق أهدافه بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة دولته المستقلة.
وفي غزة، خرج عشرات الفلسطينيين إلى ساحة "الجندي المجهول" غرب المدينة بدعوة من القوى الوطنية والإسلامية رافعين الأعلام الفلسطينية، ورددوا هتافات منددة بالزيارة وأخرى ترفض الدعم الأمريكي لإسرائيل.
وقال مازن زقوت القيادي في حركة المبادرة الوطنية في كلمة باسم القوى الوطنية والإسلامية "أتينا اليوم لنعبر عن رفضنا للضغوط الأمريكية التي تمعن في رعاية إرهاب الاحتلال وقطعان مستوطنيه".
وأضاف زقوت أن التظاهرة تأتي رفضا لزيارة بلينكن للأراضي الفلسطينية، وللتأكيد على أن هذه الزيارة "لن تجدي نفعا للشعب الفلسطيني لأن هذه الحكومة منحازة بشكل كامل للاحتلال الإسرائيلي ولا يمكن لها أن تقوم بدور الوسيط النزيه".
وأدان "الانحياز الأمريكي للحكومة الإسرائيلية من خلال التنصل عن أبسط وعودها بإعادة فتح القنصلية الأمريكية في شرق القدس، وعدم فرض أية إجراءات لردعها عن توسيع الاستيطان أو العدول عن مخططاتها بضم الضفة الغربية".
وقال إن الإدارة الأمريكية بالمقابل تمارس "ضغوطا" على السلطة الفلسطينية من أجل العودة إلى التنسيق الأمني، داعيا السلطة الفلسطينية إلى عدم التراجع عن "وقف التنسيق الأمني وعقيدته".
وأضاف زقوت أن الإدارة الأمريكية "تعجز عن فرض أية عقوبة على أطول احتلال عنصري إحلالي عبر 75 عاما مضت منذ نكبة الشعب الفلسطيني"، مطالبا بتشكيل قيادة وطنية موحدة وبناء شراكة سياسية حقيقية لمواجهة التحديات التي تعترض القضية الفلسطينية.
وفي الصدد اعتبرت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أن زيارة بلينكن "تكرس حالة الشراكة والدعم المتواصل للاحتلال الإسرائيلي وتمثل غطاء لحكومته لتمرير سياستها الإجرامية وعدوانها" بحق الشعب الفلسطيني.
وحذرت الحركة على لسان المتحدث باسمها عبد اللطيف القانوع في بيان، من مواصلة "تصعيد الحكومة الإسرائيلية لعدوانها على الأرض والشعب الفلسطيني وتداعيات ذلك على المنطقة".