رام الله 9 سبتمبر 2022 (شينخوا) يرى مراقبون فلسطينيون أن تكثيف إسرائيل نشاطها الميداني في بلدات وقرى ومدن الضفة الغربية شبه اليومي في الضفة الغربية يضعف من سيطرة السلطة الفلسطينية الأمنية في تلك المناطق.
وصعدت إسرائيل مداهماتها في الضفة الغربية منذ مارس الماضي ضمن عملية أطلقت عليها "كاسر الأمواج" ردا على هجمات دموية نفذها فلسطينيون في مدن إسرائيلية وفلسطينية أدت إلى مقتل 18 إسرائيليا.
وأسفرت تلك المداهمات الإسرائيلية منذ مارس الماضي عن مقتل 77 فلسطينيا، بينهم مسلحون شاركوا في اشتباكات مسلحة مع القوات الإسرائيلية، بحسب ما أعلنت عنه وزارة الصحة الفلسطينية في بيان لها.
إلى جانب ذلك، اعتقل الجيش الإسرائيلي 1500 فلسطيني على الأقل بدعوى أنهم مطلوبين لتورطهم بنشاطات ضد الإسرائيليين، فيما نجح الجيش بإحباط مئات العمليات "الإرهابية" حتى الآن، على حد قول رئيس الأركان العامة في الجيش أفيف كوخافي في بيان صدر عنه أخيرا.
وأضاف كوخافي أن المؤسسة الأمنية "تحتكم لاختبار واحد يتمثل بحماية مواطني دولة إسرائيل، ومهمتنا إحباط الإرهاب وسنصل إلى كل مدينة أو حي أو زقاق أو منزل أو سرداب، لهذا الغرض".
وأوضح أن أسباب الزيادة في "الإرهاب الفلسطيني يتصاعد ويتزايد بسبب عدم سيطرة الأمن الفلسطيني على عدة مناطق بالضفة الغربية وهي ما جعلها أرضا خصبة لنموه (الإرهاب)".
إسرائيل تنتقم ولكنها لا تحقق الردع
ويقول المحلل السياسي أشرف العجرمي من رام الله إنه لا يكاد يمر يوما دون أن يفقد الفلسطينيون قتيلا في عمليات اجتياح إسرائيلية شبه يومية للمناطق الفلسطينية المحتلة دون تفريق بين مناطق (أ) أو (ب) أو (ج)، وهذا عدا الإصابات والاعتقالات اليومية، مع تركيز خاص على جنين.
وتقسم الضفة الغربية حسب اتفاق (أوسلو) للسلام المرحلي الموقع بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية العام 1993 إلى ثلاث مناطق الأولى (أ) وتخضع لسيطرة فلسطينية كاملة، والثانية (ب) وتخضع لسيطرة أمنية إسرائيلية وإدارية فلسطينية، والثالثة (ج) وتخضع لسيطرة أمنية وإدارية إسرائيلية.
وذكر العجرمي لوكالة أنباء ((شينخوا)) أن عمليات الاجتياح والاعتقال والقتل بدم بارد وهدم البيوت والاستيطان واعتداءات المستوطنين المتكررة على الفلسطينيين وممتلكاتهم لم تحقق لإسرائيل أي مستوى من الأمن.
وأضاف العجرمي أن عمليات القتل وانتهاك حقوق الفلسطينيين تزيد من حدة التوتر، وتشكل دافعا لمواجهة الاحتلال، معتبرا ما يحدث في الضفة الغربية فعل ورد فعل متدحرج ربما يقود إلى انفجار شامل إذا بقيت إسرائيل تدفن رأسها في الرمال، وتعول على السلطة الفلسطينية في تحقيق الأمن لها.
وأوضح أن الفعل الميداني "يشل يد السلطة ويضعفها إلى أبعد الحدود ولا يفهم القادة الإسرائيليون أن الادعاءات المتكررة بسعي إسرائيل لتقوية السلطة تتناقض مع ما تقوم به بشكل يومي وعلى مدار الساعة".
أي دور للسلطة يمكن أن يكون عندما تجتاح إسرائيل مناطق (أ) التي هي من المفروض أن تكون تحت السيطرة المدنية والأمنية للسلطة، ولا يجوز لها اقتحامها وتنفيذ عمليات قتل واعتقال وهدم بيوت فيها، لافتا إلى أن ما تقوم به إسرائيل أكبر عامل في إضعاف السلطة وتقويض دورها، بحسب العجرمي.
وأشار إلى أن تلاشى الأمل في إمكانية تحقيق السلام على أساس مبدأ حل الدولتين على حدود العام 1967 وحل كافة قضايا الصراع، لا أحد يمكنه أن يتوقع أن يسلم الفلسطينيون بهذا الواقع، وأن تكون لدى السلطة الفلسطينية القوة المادية والمعنوية لفرض الأمن بما لا يمسّ مصالح الإسرائيليين.
ونفذ شبان فلسطينيون في أغسطس الماضي 172 هجوما في الضفة الغربية منها 23 عملية إطلاق نار و135 حادث إلقاء زجاجات حارقة وعبوات محلية الصنع في شهر هو الأعنف من مارس 2022 بحسب معطيات نشرها جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك).
وحذر وزير الاتصالات يوعاز هاندل في تصريحات للإذاعة العبرية العامة يوم أمس (الخميس) من فقدان إسرائيل السيطرة على أجزاء كبيرة من مناطق (ج)، معربا عن انزعاجه من ارتفاع حالة التوتر في الضفة الغربية.
الضفة تشهد انتفاضة من نوع جديد
ويقول مدير مركز (مسارات) للأبحاث والدراسات في رام الله هاني المصري إن الانتفاضة الحالية التي تشهدها الضفة الغربية تتميز بأنها من نوع جديد يغلب عليها العفوية والفردية والعمل المسلح والجمع مع المقاومة الشعبية.
ورأى المصري في حديث مع وكالة أنباء ((شينخوا)) أن الأحداث في الضفة الغربية تأتي لسد الفراغ الناجم عن غياب فصائل المقاومة الفلسطينية، وكردود أفعال طبيعية على ما تقوم به إسرائيل من "تصعيد عدواني بكل الأشكال لتكريس وقائع وحقائق تجعل الحل الإسرائيلي أكثر وأكثر هو الوحيد المطروح".
وتابع أن الحكومة الإسرائيلية تريد إثبات أنها "لا تقل تطرفا ولا دموية عن سابقاتها، نظرا إلى خلفية رئيسها يائير لابيد غير العسكرية، وذلك للحصول على أصوات أكثر في الانتخابات الإسرائيلية القادمة، وهذا لم يجد نفعا حتى الآن على الأقل".
وأشار إلى أن الناخب الإسرائيلي اليميني في غالبيته الساحقة يفضل انتخاب المتطرف الأصلي وليس الذي يقلده، وهذا ليس أهم الأسباب لأن السياسة الإسرائيلية إزاء الفلسطينيين من حيث الجوهر ثابتة، ولا تتغير بتغير الحكومات، لافتا إلى أن التغيير يبقى شكليا وثانويا وفي الدرجة وليس في النوع، على حد قوله.
ورأى المصري أن الانتفاضة الشاملة بحاجة لعدة عوامل أبرزها إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية لتكون جبهة وطنية عريضة، وظرف عربي وإقليمي ودولي ملائم وهذا شرط في منتهى الأهمية لأنه يساعد على توفير الأمل بالانتصار.
جنين هدف رئيسي للعمليات الإسرائيلية
وترتكز العمليات الإسرائيلية منذ أشهر على مدينة جنين ومخيمها في شمال الضفة الغربية التي تعد معقلا للنشطاء حيث تشهد اشتباكات شبه يومية سقط فيها العديد من القتلى الفلسطينيين وقتل جندي إسرائيلي.
وشكلت فصائل فلسطينية مجموعة مسلحة مشتركة تضم العشرات من المسلحين حملت اسم (كتيبة جنين) مهمتها الاشتباك مع القوات الإسرائيلية التي تشن حملات مداهمة في المدينة ومخيمها وقراها وبلداتها لاعتقال مطلوبين لديها.
وعلى مدخل المدينة ومخيمها الذي يقطنه قرابة 16 ألف نسمة وضع السكان المحليون لافتة كتب عليها (عش الدبابير) في إشارة إلى صعوبة دخول المكان الذي تنتشر فيه المجموعات المسلحة طيلة ساعات الليل.
وتقول السلطات الإسرائيلية إن عددا من المهاجمين الفلسطينيين المسؤولين عن مقتل إسرائيليين سواء بإطلاق النار أو عمليات طعن خلال الأشهر الماضية في مدنها خرجوا من جنين.
ويرى سكان المخيم وهم من اللاجئين الفلسطينيين أن عمليات المداهمة اليومية للقوات الإسرائيلية لا تختلف كثيرا عن الاجتياح، في إشارة لما جرى في ذات المكان قبل نحو 20 عاما.
وشهد المخيم في العام 2002 قتال دام بين مسلحين فلسطينيين والجيش الإسرائيلي استمر لمدة 10 أيام أدى لمقتل 52 فلسطينيا نصفهم من المدنيين و23 جنديا إسرائيليا، بالإضافة إلى تدمير عشرات المباني الفلسطينية جرى إعادة بنائها لاحقا بتمويل عربي، بحسب إحصائيات أممية.
واستبعد عصمت منصور الخبير في الشأن الإسرائيلي، قيام القوات الإسرائيلية بتنفيذ عملية عسكرية كبيرة في جنين، لأن الأولوية لديها البحث عن المعلومات وجمعها لأن النجاح في الوصول للمهاجمين ومنع العمليات يعتمد على توفر المعلومات.
وقال منصور لـ((شينخوا)) إن السياسة الإسرائيلية هدفها الأساسي إبقاء المواجهة في الضفة، وعدم وصول العمليات إلى داخل إسرائيل، مشيرا إلى أن ما يجري من اعتقال واغتيال الشبان وهدم المنازل هو لإبقاء حالة الضغط المستمرة على النشطاء الفلسطينيين والتقليل من ظاهرة العمليات.
واعتبر منصور أن ضعف السلطة الفلسطينية نتيجة للممارسات الإسرائيلية وليس سببا في العمليات وتصاعدها، محذرا من أن ضعف السلطة سيكون له تداعيات على الوضع بشكل عام في الضفة سياسيا واقتصاديا وأمنيا.
في المقابل، أدانت وزارة الخارجية والمغتربين في السلطة الفلسطينية المداهمات الإسرائيلية.
وقالت الوزارة في بيان إن الحكومة الإسرائيلية "تتحمل كامل المسؤولية عن حملة التصعيد الراهنة في الأوضاع والتي تهدد بتفجير ساحة الصراع وإغراقها في دوامة من العنف، وتدق ناقوس الخطر الشديد أمام أية جهود مبذولة لتحقيق التهدئة واستعادة الأفق السياسي لحل الصراع".