بقلم/ شو تشنغ تشا ، قسم اللغة العربية في كلية اللغات الأجنبية بجامعة بكين.
حاصل على جائزة التفوق في المسابقة الوطنية لكتابة المقالات حول مبادرة " الحزام والطريق"
اسمي جميل. بعد تخرجي من الجامعة، قُبلت بإدارة غربي آسيا وشمالي أفريقيا في وزارة الخارجية وقد مرت على عملي فيها عقود. لقد شهدت هذه السنوات نجاح كل من سوريا وليبيا واليمن في إعادة التعمير وتم التوصل إلى حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. أما الصين فقد حققت أهداف الكفاح بمناسبة حلول ثاني ذكرى مئوية أي إنجاز بناء دولة اشتراكية حديثة قوية بشكل شامل. لذا جاء الوقت المناسب لإقامة الدورة الأولى للقمة الصينية العربية. يشرفني أن أحضرها من البداية إلى النهاية بصفتي موظفا في وزارة الخارجية الصينية. استمرت القمة لمدة يومين وما يلي هو ما رأيته وسمعته خلالها.
يوم الاثنين: الترحيب الحار بالأصدقاء العرب الأعزاء والتمتع المشترك بالوليمة الثقافية الرائعة
بعد ظهر الاثنين، وصل الرؤساء والملوك والأمراء والزعماء من العالم العربي إلى الصين على التوالي. ما إن نزلوا من الطائرات حتى رحب بهم أبناء الشعب الصيني ترحيبا حارا ثم صاحبهم نظيرهم الصيني لتفقد حرس الشرف للقوات المسلحة الثلاثة لجيش التحرير الشعبي الصيني. على ضوء الشمس الساطع، رفرف العلم الصيني وأعلام ٢٢ دولة عربية في الهواء الحافل بصوت الأبواق العالي.
بعد أن اجتمع المسؤولون في قاعة الشعب الكبرى يتحدثون عن إنجازات التعاون الماضية وآفاق التعاون المشرقة، دعا رئيس الصين زعماء العرب إلى المأدبة الرسمية حيث صادفت صحفيا عربيا معجبا بالأطعمة الصينية فدار بيني وبينه الحديث التالي:
الصحفي: ما أجمل الأطعمة في المأدبة الرسمية الصينية!
أنا: حقا إن الصين مشهورة باسم "دولة الطبخ".
الصحفي: نعم... لو سمحت، اسمي حسن بن محمود، ما اسم حضرتك؟
أنا: اسمي جميل. أهلا وسهلا يا حسن!
حسن: مرحبا بكم! تسرني معرفتكم. على فكرة، هل ذقت الأطعمة العربية؟
أنا: نعم. أتاحت سياسة الانفتاح الصينية على الخارج الأجانب الفرصة للاستثمار في الصين ومن بين المستثمرين من فتح المطاعم هنا من التجار العرب. هنا بكين عاصمة الصين كثير من المطاعم العربية مثل "ألف ليلة وليلة" و"بربر" وأعتقد أن الطعام فيها شهي جدًا مثل الحمص والكباب... ولكن أحب الأطعمة العربية وعلى رأسها الكشري.
حسن: لماذا؟
أنا: ليس بسبب طعمه اللذيذ فقط بل بسبب الذكرى الحلوة التى أتذكر بها هذا الطعام. عندما كنت أدرس في الجامعة، تصادقت مع طالبة مصرية كانت تتعلم اللغة الصينية في جامعة القاهرة واسمها تسنيم. ذات يوم، قلت لها إنني أريد أن أتعلم كيفية طبخ طعام عربي فعلمتني طبخ الكشري عبر الإنترنت. بعد ذلك، أعددت فيديو عن الكشري باللغة العربية واشتركت في مسابقة الفيديوهات القصيرة للصينية العربية به وفزت بالجائزة الأولى فيها.
حسن: ما شاء الله! أنت كنت تعمل على التبادل العربي الصيني منذ الشباب!
أنا: شكرا على هذا التقدير. إن الحفلة الثقافية الفنية للقمة الصينية العربية على وشك البدء فهيا بنا نذهب إلى المسرح. نلتقي قريبا.
حسن: إلى اللقاء. مع السلامة.
بدأت الحفلة الثقافية الفنية في الموعد في تمام الساعة السابعة مساء وحضرها رئيس الصين مع زعماء الدول العربية. بالإضافة إلى البرامج التي أظهرت جمال وعظمة الحضارة الصينية، تلبية لدعوة الحكومة الصينية، جاء العديد من الفنانين العرب إلى الصين لعرض البرامج العربية الرائعة. هناك برنامج ترك انطباعا عميقا في ذهني وهو أغنية "دقة قلب" من قبل المغنية الشابة السورية. أثرت هذه الأغنية في ذهني تأثيرا شديدا لن يمحى لأنها أعادت لذهني أيام الجامعة السابقة: عام ٢٠٢١، في الذكرى العاشرة للأزمة السورية، أعد فصلنا فيديو موسيقى يحمل اسم "دقة قلب" تعبيرا عن أمنياتنا الطيبة نحو الشعب السوري وأصدرته وكالة شينخوا... ما أعجبني أكثر أنه عندما انتهت المغنية من الغناء، ظهر فيديو فصلنا على شاشة المسرح فقالت المغنية:" قبل عشرات السنين، هناك مجموعة من الطلبة الصينيين غنت نفس الأغنية لتأييد السوريا. اليوم، إن سوريا قد خرجت من براثن أزمة الحرب وأنجزت إعادة التعمير كما كان هؤلاء الطلاب وكما كان يريد الشعب السوري، وكما كانت شعوب العالم تأمل. ألف شكر لكم!"
يوم الثلاثاء: الذكريات القيمة عن التعاون الماضي والتقدير العالي للإنجازات الحاضرة
صباح اليوم، على كتفي مهمة جليلة.
حسب جدول الأعمال للقمة، زار رئيس الصين وزعماء العالم العربي جامعة بكين صباحا. هذا ليس لأنها أشهر جامعة على الصعيد العلمي والتكنولوجي في الصين فقط بل لأنها شاهدة على التعاون والتضامن بين الصين والدول العربية خلال مكافحة وباء كورونا المستجد (كوفيد-١٩) الذي انتشر في العالم في عام ٢٠٢٠ واستمر لمدة سنتين وأكثر. بعد وصول الرؤساء إلى الجامعة، عرّفهم رئيس الصين أن:" جامعة بكين من أهم الجامعات التي ساهمت في تبادل خبرات مكافحة الوباء. اليوم بيننا طالب أكمل دراسته في هذه الجامعة يعمل في وزارة الخارجية الصينية منذ تخرجه. واسمه جميل. تفضل يا جميل وقدم لنا قصصا عن جامعة بكين مكافحة وباء كورونا المستجد." فبدأت حكايتي:
" في مطلع عام ٢٠٢٠، ظهر وباء كوفيد-١٩ في الصين. بجهود أبناء الشعب جميعًا، تمت السيطرة الفعالة على الوباء شيئا فشيئا ولكن في نفس الوقت اكتسح الوباء كل العالم. كدولة لديها خبرات قوية في مكافحة الوباء، تحملت الصين المسؤولية في مساعدة العالم على مكافحة الوباء. في ١٩ مارس عام ٢٠٢٠، نظمت كلية اللغات الأجنبية في جامعة بكين فريقًا من المترجمين المتطوعين لإكمال ترجمة وثائق طبية إجمالي كلماتها ١١٨،٠٠٠ خلال شهرين. ساعدت الترجمات ٤٠٠ مليون شخص في ٢٢ دولة في العالم العربي على معرفة الفيروس والتغلب عليه.
بالإضافة إلى ذلك، نظمت الكلية فريق البحوث العلمية لدراسة صعوبات الترجمة وتقديم اقتراحات لحلها. وتشرفت أن أكون عضوا من أعضاء هذا الفريق. لقد حوّلنا نتيجة بحثنا إلى اقتراح رسمي وقدمناه بواسطة مندوب من اللجنة الوطنية للمؤتمر الاستشاري السياسي في الدورتين لعام ٢٠٢١. كنا نرجو بعد بناء قاعدة البيانات لللغات المختلفة أن نبني جسر التبادل والتعاون ليتجنب المرضى من أمراضهم ونسعى إلى بناء مجتمع الصحة المشتركة للبشرية. وكنا نتمنى أيضا من بحثنا أن يقص قصص وقاية الصين من الأمراض الوبائية على العالم، وينشر حكمة الصين بصفتها دولة عظيمة في منصة العالم بصورة أفضل. الآن، قد تم بناء القاعدة وبياناتها لا تقتصر على كوفيد-١٩ بل تمتد إلى غيره من الأمراض الوبائية."
تلقت حكايتي تصفيقا حارا وقدّر الرؤساء التضامن الصيني العربي ومساعدة بعضهما البعض تقديرا عاليا. بعد ذلك، زار رئيس الصين مع الرؤساء العرب شركة طاقة نظيفة وطنية في بكين حيث قدم لهم مدير الشركة حالة تطور الطاقة النظيفة كالطاقة النووية والطاقة الشمسية في الصين والدور المهم لدعم الحكومة الصينية في تنميتها. بالمناسبة، رؤساء الدول العربية شكروا الصين على مساعداتها للعالم العربي في مجال الطاقة النظيفة. رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة شكر شركة هاربين إلكتريك الدولية الصينية التي أنجزت بناء الوحدة الثانية لمشروع مجمع حصيان، أول محطة طاقة تعمل في توليد الطاقة بتقنية الفحم النظيف في الدول العربية، في دبي عام ٢٠٢١. ورئيس المغرب شكر الشركة الصينية شاندونغ إليكتريك باور المحدودة على إنجاز المشروعين الثاني والثالث لمجمع نور للطاقة الشمسية المركزة في ورزازات. من أجل الحفاظ على أمن الطاقة الوطني ودفع التنويع الاقتصادي وتحقيق ذروة انبعاثات الكربون والحياد الكربوني، توافق الرؤساء في تعزيز التعاون والتبادلات في إطار "طريق الحرير الأخضر".
أخيرا انتهى اليومان الحافلان وغادر الرؤساء العرب الصين بالطائرات. رقدت على سريري أشعر بسرور وقناعة لا مثيل لهما بعد ما رأيته وسمعته وذكرته في هذين اليومين من التعاون والتبادل الصيني العربي في كل من المجالات الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي والإيكولوجي.
في صباح اليوم التالي، قرأت الجريدة اليومية ووجدت ما كُتب عن هذه الزيارة "الدورة الأولى للقمة الصينية العربية أقيمت بنجاح وقدّرها الرؤساء العرب تقديرا عاليا... الدورة الثانية ستقام في العالم العربي في العام القادم." نظرت من النافذة وكان الجو صافيا، معتدلا وجميلا...