يصادف عام 2021 الذكرى العشرين لاندلاع الحرب في أفغانستان، والذكرى العاشرة لاندلاع الحرب في ليبيا وسوريا. وترتبط سلسلة الحروب هذه بإساءة استغلال الولايات المتحدة للقوة والعنف العسكري، وهي المحرك الأكبر لتصعيد النزاعات وتتحمل مسؤولية لا مفر منها عن الكوارث الإنسانية التي سببتها الحروب. وقد أثبتت الحقائق تمامًا أن الولايات المتحدة دولة مهيمنة تعاني من "إدمان الحرب" وهي أكبر مصدر للمخاطر على السلام والاستقرار العالميين، بالرغم من أنها تستخدم دائمًا جميع أنواع الأعذار لتبرير حروبها الخارجية.
وأشار المؤرخ الأمريكي بول أتوود إلى أن "تاريخ الولايات المتحدة هو تاريخ حرب وتوسع .. الحرب هي أسلوب حياة الأمريكيين." وخلال 240 عامًا من تاريخ تأسيس الولايات المتحدة، لم تحارب سوى 16 عامًا. وبعد الحرب العالمية الثانية، أصبحت الولايات المتحدة قوة عظمى، وبات من الصعب قمع رغبتها في شن الحروب. ووفقًا لإحصاءات غير مكتملة، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في عام 1945 حتى عام 2001، وقع 248 نزاعًا مسلحًا في 153 منطقة من العالم، منها 201 صراع بدأت في شنه الولايات المتحدة، وهو ما يمثل حوالي 81٪. ويعتقد توم فوداي محلل للسياسة البريطانية والعلاقات الدولية، أن الولايات المتحدة هي الجاني الرئيسي في تهديد السلام العالمي من خلال شن حروب تحت رايات مختلفة. وحتى لو تلاشى دخان بعض الحروب منذ فترة طويلة، لكنها تسببت في تدمير دول وعواقب وخيمة على البنية الأمنية الإقليمية، والتي لا يزال من المستحيل ردمها أو إصلاحها. وتشير التقديرات إلى أن الولايات المتحدة لا يزال لديها 800 ألف طن على الأقل من المتفجرات من مخلفات الحرب في فيتنام، وبالمعدل الحالي، سيستغرق تنظيفها 300 عام.
شهد الوضع الدولي تغيرات عميقة منذ بداية القرن الجديد، وأصبحت دعوة المجتمع الدولي للسلام أقوى، لكن الولايات المتحدة لم تتوقف أبدًا عن شن الحروب في الخارج، حيث كانت آلة الحرب تعمل بسرعة عالية من أفغانستان والعراق إلى الحروب في ليبيا وسوريا. وذكر عمود في صحيفة "نيويورك تايمز" في أكتوبر من العام الماضي، أنه إذا كان هناك أي بلد يسعى للهيمنة على العالم، وترهيب دول أخرى، وانتهاك القواعد في أوائل القرن الحادي والعشرين، فهي الولايات المتحدة. ووفقًا لإحصائيات مجلة "سميثسونيان " الأمريكية، فمنذ عام 2001، ضمت الحروب والعمليات العسكرية التي شنتها الولايات المتحدة باسم "مكافحة الإرهاب" "ما يقرب من 40٪ من الدول على هذا الكوكب. ووفقًا لبيانات مشروع "تكلفة الحرب" التابع لجامعة براون، فقد أودت هذه الحروب المسماة بـ "مكافحة الإرهاب" بحياة أكثر من 800 ألف شخص، وتشريد أكثر من 38 مليون شخص، وكلفت أكثر من 8 تريليونات دولار أمريكي. وخلال هذا الصيف، صدمت الفوضى التي سببها الانسحاب المتسرع للقوات الأمريكية من أفغانستان العالم، ولقد جلبت هذه الحرب التي استمرت 20 عاما كوارث خطيرة للشعب الأفغاني، حيث قتل أو جرح أكثر من 100 ألف مدني تحت نيران الجيش الأمريكي وحلفائه، ونزح أكثر من 10 ملايين شخص. أخيراً، غادر الجيش الأمريكي بشكل غير مسؤول، لكن على الشعب الأفغاني أن يواجه صدمة الحرب لفترة طويلة.
كان يجب أن تصبح الكوارث الكبرى التي سببتها الحروب والصراعات الخارجية للولايات المتحدة عاملاً يقظًا لها، لكن هذه القوة العظمى المدمنة على الحروب في الخارج لم تفكر بشكل جدي بعد، ناهيك عن الشجاعة لتغيير مسارها. "السلام في ظل الولايات المتحدة"، "حقوق الإنسان فوق السيادة"، "مسؤولية التدخل"، و "النظام الدولي القائم على القواعد" ... لقد بذلت الولايات المتحدة قصارى جهدها لإيجاد "شرعية" لأعمالها الحربية، بهدف تجنب مساءلة المجتمع الدولي. ومع ذلك، بغض النظر عن أسلوب التلاعب بالكلمات الذي تتخذه الولايات المتحدة، فإنها لا تستطيع تعويض الخسائر الفادحة في الأرواح التي سببتها الحرب، ولا يمكنها محو الجروح العميقة التي خلفتها الحروب على عدد لا يحصى من العائلات، ولا يمكنها تغيير الاضطرابات التي تسببت فيها الحروب في دول أخرى، ولا يمكنها إخفاء نمط الأمن الإقليمي الذي سببته الحروب، المعضلة طويلة المدى التي سببتها. وأشارت جريدة " الوطن " البحرينية في مقال نشرته مؤخراً، إلى ضرورة تفكير الولايات المتحدة في التأثير السلبي لآلة الحرب الخاصة بها.
في عالم اليوم، أصبح السلام والتنمية والتعاون والفوز المشترك الاتجاه السائد في العصر. ولقد تحركت الولايات المتحدة ضد هذا الاتجاه، وكثيرا ما استخدمت اسم "الديمقراطية" و "حقوق الإنسان" للتدخل في شؤون الدول الأجنبية، ولا تزال حريصة على ممارسة سياسة الهيمنة والقوة. ويجب على المجتمع الدولي تتبع أصل الحروب التي شنتها الولايات المتحدة ضد الدول الأجنبية، والتحقق في العواقب الوخيمة ومحاسبتها وراء كواليس الحرب التي شنتها، وهذا مطلب للعدالة الدولية، وهو أيضًا عمل من أعمال المسؤولية عن التاريخ والمستقبل.