بدأت جولة جديدة من مفاوضات فيينا بشأن اتفاق شامل للملف النووي الإيراني في 29 نوفمبر بالتوقيت المحلي. وتعتبر إمكانية رفع الولايات المتحدة للعقوبات الأحادية الجانب عن إيران عاملاً رئيسياً في تحديد نجاح أو فشل المحادثات.
شددت الأطراف المعنية في المحادثات مرارًا وتكرارًا على أن الولايات المتحدة، بصفتها البادئ في الأزمة النووية الإيرانية الحالية، يجب أن تصحح تمامًا سياستها الخاطئة المتمثلة في "الضغط الأقصى" على إيران وإزالة العقبات أمام عودة الاتفاق النووي الإيراني إلى المسار الصحيح. كما ذكرت إيران أكثر من مرة أن الهدف الوحيد من الجولة الجديدة من المحادثات هو "رفع العقوبات القاسية وغير القانونية التي تفرضها الولايات المتحدة على إيران". غير أن الإدارة الأمريكية الحالية التي تدعي "العودة إلى الاتفاق" شفويا كانت ترد بشكل سلبي على قضية رفع العقوبات عن إيران.
التقى قادة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا خلال قمة مجموعة العشرين في روما في نهاية الشهر الماضي، وصرح الرئيس الأمريكي بايدن مرة أخرى أن الولايات المتحدة ستعود إلى الاتفاق النووي الإيراني "بشروط"، أي أن مقدمة الولايات المتحدة للعودة إلى الاتفاقية هي استئناف إيران أداءها أولاً.
وانطلاقا من هذا، فإن آفاق الجولة الجديدة من المحادثات ليست متفائلة، وما يقلق العالم الخارجي أكثر هي الحيلة الجديدة التي قد تستخدمها الولايات المتحدة إذا ما فشلت الجولة الجديدة من المحادثات.
السلوك "المتناقض تمامًا" يثبت " عدم مصداقية" الولايات المتحدة
وبحسب "تقرير تقييم عقوبات 2021" الصادر عن وزارة الخزانة الأمريكية، زادت العقوبات الاقتصادية والمالية التي فرضتها الولايات المتحدة على دول أخرى بشكل متفجر منذ حادثة "9.11"، وزادت أهداف العقوبات بمقدار 9 مرات في 20 سنة. ومنذ اندلاع وباء التاج الجديد للالتهاب الرئوي، شهدت الدول التي فرضت الولايات المتحدة عقوبات عليها لفترة طويلة تدهورا في الظروف الاقتصادية والحالات الطبية، حتى تنتج أزمة إنسانية. من بينها، عانت إيران بشكل خاص من أضرار جسيمة.
لذلك، لطالما كان "رفع العقوبات أولاً ثم مناقشة الآخرين" هو الخط الأدنى للمحادثات التي أكدت عليه إيران. ومع ذلك، لم يتم رفع العقوبات القديمة، ولا تزال تظهر عقوبات جديدة.
وقبل بدء الجولة الجديدة من محادثات فيينا، أعلنت الولايات المتحدة في نهاية أكتوبر أنها ستفرض سلسلة من العقوبات الجديدة على بعض الكيانات والأفراد المشاركين في مشروع الطائرات بدون طيار الإيرانية. وفي 18 من الشهر الجاري، أعلنت الولايات المتحدة فرض عقوبات على ستة أفراد وكيان واحد في إيران بتهمة "محاولة التدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2020 ".
وفي هذا الصدد، أشار سعيد خطيب زاده، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إلى أن فرض عقوبات جديدة لأميركا ضد الجمهورية الإسلامية يظهر السلوك المتناقض تمامًا للبيت الأبيض، اذ تتحدث عن نيتها العودة إلى الاتفاق النووي فيما تواصل اتباع نهج ترامب في فرض العقوبات، ترسل رسالة مفادها أنها ليست ذات مصداقية حقًا.
كما شدد علي باقري كني نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية، كبير المفاوضين النوويين في مقابلة مع صحيفة "إندبندنت" البريطانية، نُشرت مؤخراً، أن أي تقدّم في المفاوضات رهين بإلغاء جميع العقوبات وتقديم ضمانات بعدم خروج الإدارات الأميركية المقبلة من الاتفاق كما فعل ترامب ذلك بشكل أحادي.
وصرح وانغ ون بين المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية في وقت سابق أنه من المصلحة المشتركة للمجتمع الدولي إعادة الاتفاق النووي الإيراني إلى مساره وتعزيز السلام والاستقرار الإقليميين. ويجب على الولايات المتحدة أن تصحح تمامًا سياستها الخاطئة المتمثلة في "الضغط الأقصى" على إيران، وستستأنف إيران الامتثال الكامل على هذا الأساس.
هل تتجه الولايات المتحدة نحو "خيارات أخرى"؟
في الواقع، فيما يتعلق بإيران، أكبر "شوكة العين" للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، و "الضغط الأقصى" الذي تمارسه الحكومة الأمريكية يتجاوز بكثير العقوبات الأحادية. ومن التخويف العسكري البحري إلى "التصفية المستهدف" على الجنرالات الايرانيين، ومن اغتيال علماء نوويين إيرانيين إلى مهاجمة منشآت نووية إيرانية، أدت سلسلة من الحوادث غير العادية، سواء من جانب الولايات المتحدة نفسها أو من وراء الكواليس، إلى تكثيف المواجهة الإيرانية الأمريكية. ونتيجة لذلك، رفضت إيران حتى الآن المواجهة وجهاً لوجه مع ممثلي الولايات المتحدة خلال المحادثات النووية الإيرانية.
وما أثار اهتمام العالم الخارجي هو أنه مع استئناف الجولة الجديدة من محادثات فيينا بشأن الاتفاق النووي الإيراني، بدأت الولايات المتحدة وحلفاؤها مناقشة ما يسمى بـ "الخطة ب" التي تستثني الخيارات الدبلوماسية للمسألة النووية الإيرانية.
وفقًا لدبلوماسيين أوروبيين ومسؤولين وخبراء أمريكيين سابقين، فإن "الخيارات غير الدبلوماسية" تغطي نطاقًا واسعًا، بدءًا من العقوبات المتزايدة إلى الأعمال العسكرية. وكررت إسرائيل في تصريحاتها وبشدة إنه من أجل "منع إيران من امتلاك أسلحة نووية"، إن "إسرائيل لها الحق في مهاجمة إيران في أي وقت".
ويعتقد المحللون الامريكيون أنه بمجرد مهاجمة إسرائيل للمنشآت النووية الإيرانية بالقوة، فإن الولايات المتحدة لا تستطيع "التراجع"، لأن إدارة بايدن يجب أن تقرر ما إذا كانت ستنضم أو تقود مثل هذه العمليات، على أقل تقدير، يجب تقديم الدعم للجيش الإسرائيلي لمنع الانتقام الإيراني.
وأشارت هوا لي مينغ، السفير الصيني السابق لدى إيران، إلى ظهور تناقضات سياسية لإدارة بايدن بشأن الملف النووي الإيراني. من ناحية، بعد الحرب في أفغانستان، الولايات المتحدة غير مستعدة لإثارة حرب في الشرق الأوسط. من ناحية أخرى، في ظل الاستراتيجية العالمية للولايات المتحدة، لا يمكن التخلي عن الضغط على إيران، كما أن البيئة السياسية المستقطبة في واشنطن تجعل من الصعب على المفاوضين الأمريكيين تقديم حلول عملية.
كما ان هناك آراء تقول إن المفاوضات النووية الإيرانية قد تصبح روتينية. وبحسب مصادر أوروبية، فإنهم يتوقعون أن تكون هذه المفاوضات بداية لسلسلة من مفاوضات المتابعة.
قال سون ديه قانغ الأستاذ بمعهد الدراسات الدولية بجامعة فودان الصينية، إنه على الرغم من ممارسة كل من الولايات المتحدة وإيران ضبط النفس لتجنب المزيد من التصعيد، لكنهم يقومون أيضًا بـ "الاستعدادات الثنائية" -التفاوض والوسائل العسكرية، وهذا يجعل الوضع المستقبلي في المنطقة غير مؤكد بعد.