قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي الناتو ينس ستولتنبرغ مؤخرا في مقابلة مع صحيفة "الفاينانشيال تايمز" إن الصين قد أصبح لها تأثير فعلى على الأمن الأوروبي من خلال القدرات السيبرانية والتقنيات الجديدة والصواريخ بعيدة المدى. وأضاف ستولتنبرغ بأن الناتو سيركز خلال السنوات العشر القادمة على قضايا حماية الحلفاء من "التهديدات الأمنية" الناجمة عن صعود الصين.
وتعليقا على هذا التصريح، قال بروس جونس، مدير برنامج السياسة الخارجية في معهد بروكينغز، إن وصف ستولتنبرغ الصين على أنها "تهديدا استراتيجيا يتوسع باستمرار"، يعكس تغيّرًا كبيرًا في استراتيجية الناتو الداخلية تجاه الصين.
وكانت بعض الدول الأعضاء في الناتو، قد شرعت خلال السنوات الأخيرة في إرسال سفن حربية وطائرات لإجراء أنشطة استطلاعية على الحدود الصينية. وفي هذا الصدد، أشار كيشوري محبوباني، الأكاديمي في معهد آسيا التابع لجامعة سنغافورة الوطنية في مقال نشره على موقع صحيفة "ذي سترايتس تايمز"، إلى أن الناتو يطمح إلى مدّ "مخالبه" من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادئ، معتبرا ذلك خطوة تستحق الانتباه والمتابعة من دول المنطقة، وخاصة دول شرق آسيا.
في ذات السياق، قال يوان تشنغ، نائب مدير معهد الدراسات الأمريكية التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية في مقابلة مع صحيفة الشعب اليومية، أن هذا التغير في السياسات تجاه الصين يعكس بأن الناتو قد بات يولي أهمية أكبر لصعود الصين، وأن موقفه يزداد صرامة. مشيرا إلى إن صعود الدول الناشئة ممثلة في الصين، بصدد تغيير موازين القوى العالمية ووضع الهيمنة الغربية.
من ناحية أخرى، أكّد جو بايدن بعد تسلّمه السلطة على "دبلوماسية القيم"، التي تلتزم بتعزيز التحالف العسكري بين الولايات المتحدة وأوروبا وتحسين العلاقات عبر الأطلسي، وهو الأمر الذي شجّع على تحول الناتو.
وقد اتبعت بعض الدول الأوروبية الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة سياسات متشابهة في القضايا المتعلقة بشينجيانغ وهونغ كونغ وحتى تايوان. مما جعل بعض الدول الأعضاء في الناتو تصبح أكثر حدّية في القضايا المتعلقة بالصين. أما عن تصريح ستولتنبرغ، فقال يوان تشنغ بأنه ليس من الغريب أن يدلي بتصريحات متوددة إلى أمريكا إذا كانت الأخيرة هي من تمتلك سلطة تعيين منصب الأمين العام.
وقال دينغ تشون، مدير مركز الدراسات الأوروبية بجامعة فودان، إن التغيير في سياسات الناتو من الصين يعود إلى موقف الناتو تجاه الصين قد تحول نحو" المنافسة"، كما يعبر أيضا عن الاهتمام الذي باتت توليه أوروبا إلى منطقة آسيا المحيط الهادي.
وأضاف يوان تشنغ، انه ليس غريبا أن يقف الناتو إلى جانب الولايات المتحدة. فهذا الحلف الذي يضم حاليًا 30 دولة عضو، ظل الركيزة الرئيسية للدفاع الأوروبي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ومع ذلك، فقد ظلت الولايات المتحدة تهيمن على سطلة القرار داخل المنظمة. ولدى الولايات المتحدة وأعضاء الناتو الآخرين مصالح مشتركة يجب حمايتها من حيث القيم والأمن والدفاع. بالإضافة إلى ذلك، شهد التماسك الداخلي لحلف الناتو تراجعا بعد الحرب الباردة. وفي ظل عمل الولايات المتحدة على تضخيم ما تسميه بـ "التهديد الصيني"، وجد الناتو "عدوًا" خارجيًا جديدًا. وتحت الإيعاز الأمريكي، توسع مجال اهتمام الناتو من أوروبا زمن الحرب الباردة إلى العالم بأسره، وتطور تدريجياً ليصبح تحالفا عسكريا وسياسيا عالميا.
قال دينغ تشون، إن الناتو ليس منظمة متجانسة، وبأن هناك خلافات داخل الدول الأعضاء في أوروبا. وقد سبق للرئيس الفرنسي أن صرّح في عام 2018، بأن من الضروري تأسيس جيش أوروبي حقيقي لحماية أوروبا، ثم صرّح لاحقا بأن الناتو يشهد موتا دماغيا، وبأنه لا يمكن الاستمرار في الاعتماد على أمريكا في حماية أوروبا. كما أثار الانسحاب الأمريكي من أفغانستان و"طعنة الظهر" الأمريكية لفرنسا في قضية الغوّاصات النووية الخلافات بين الدول الأعضاء.
في الحقيقة، هناك تناقض في بيان الأمين العام للناتو. فمن ناحية، قال إن الناتو يعتبر الصين" تهديدًا "، ومن ناحية أخرى، قال إن الناتو لا يعتبر الصين دولة عدوة أو خصما. وأشار يوان تشنغ، بأنه من وجهة نظر جيوسياسية، لطالما اعتبر الأوروبيون روسيا خصمهم الرئيسي وليس الصين. وعلاوة على ذلك، على الرغم من وجود اختلافات على مستوى القيم بين الصين وأوروبا، هناك أيضا مجال كبير للتعاون بين الجانبين، يمتد من المصالح الاقتصادية إلى الحوكمة العالمية.
وتعد الصين حاليًا أكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي، والعديد من الدول الأوروبية على استعداد لتطوير العلاقات مع الصين بروح براغماتية. ورغم وجود تطابق على مستوى القيم والنظام السياسي بين أوروبا والولايات المتحدة، لكن هناك اختلافات دقيقة بين أوروبا والولايات المتحدة حول القضايا الصينية. وعلى الرغم من وجود بعض التقلبات في العلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي، إلا أنه لا يزال هنالك هامش واسع لتطوير العلاقات بين الجانبين.