بعد إختتام عقد القمة الـ47 للمجموعة السبع، بمدينة "كورنوال" جنوب غربي إنجلترا، يوم 13 يونيو الجاري، توجه القادة إلى بروكسل للمشاركة في قمة حلف شمال الأطلسي "ناتو"، المنعقدة يوم 14 يونيو، حيث ناقشت الولايات المتحدة والدول الأوروبية الأخرى ما يسمى بـ " التعاون للدر على التحديات الجيوسياسية التي جلبتها الصين وروسيا". وهنا، يطرح السؤال عن "الدور الجديد" الذي سيلعبه الناتو في المستقبل، والذي ركز في الأصل على الأمن والدفاع الإقليميين وهو "إرث" الحرب الباردة؟
"أزمة حياة أو موت" للناتو
لقد واجه الناتو "أزمة حياة أو موت" في العامين الماضيين. من ناحية، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن الناتو يعاني من " الموت الدماغي". ومن ناحية أخرى، انتقد ترامب الرئيس الأمريكي آنذاك مرارًا النفقات الدفاعية لأعضاء الناتو الآخرين لعدم استيفائها المتطلبات، وشكك في ضرورة وجود الناتو. ولم يتم حل هذه المشاكل والشكوك داخل الناتو على الرغم من أن بايدن بذل قصارى جهده لإصلاح العلاقة بين الولايات المتحدة وأوروبا، وبذل قصارى جهده للمشاركة في قمة الناتو.
مثّل بقاء الناتو مشكلة كبيرة منذ نهاية الحرب الباردة، وتتبين بشكل مختلف في مراحل مختلفة. ففي العامين الماضيين، تمثلت المشكلة الرئيسية لحلف الناتو في تحول قائده الولايات المتحدة تركيزها الاستراتيجي إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ، ووجود اختلافات خطيرة في الاستراتيجية تجاه روسيا داخل أوروبا وبين الولايات المتحدة وأوروبا.
تعتمد قدرة بايدن على علاج هذه "الأمراض المستعصية" التي يعاني منها حلف الناتو على قدرة الولايات المتحدة على حل المشكلات التالية: أولاً، وضع أهداف سياسية جديدة للناتو على أساس كسب ثقة الحلفاء الأوروبيين. ثانياً، إيجاد توازن في الأهداف الاستراتيجية، أي، ينبغي للولايات المتحدة توفير الحماية الأمنية لأوروبا، وفي الوقت نفسه جعل أوروبا بالاستفادة من أهدافها الاستراتيجية وأن تكون على استعداد للتعاون والاستجابة. ثالثاً، حل الخلافات داخل الناتو والعلاقة الأمنية والدفاعية المشتركة بين الناتو والاتحاد الأوروبي. ومن الواضح أن هذه المشاكل لا يمكن حلها من خلال دورة واحدة من قمة الناتو أو حتى ولاية رئاسية أمريكية واحدة.
وانطلاقا من الأخبار وعمليات التسخين التي نشرها قادة الناتو من قبل، يمكن تلخيص الأهداف الثلاثة الرئيسية لهذه القمة على النحو التالي: خلق جو من " الوحدة"، وتحديث المفاهيم الاستراتيجية، وتخفيف حدة النزاعات الداخلية.
وقال الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرغ خلال زيارته خاصة إلى البيت الأبيض، قبل ذهاب بايدن إلى أوروبا، إنه توصل إلى توافق مع بايدن، حول ضرورة مواصل العمل الجاد لـ " كبح جماح روسيا، والتعامل مع الصين" أثناء دفع الحوار قدما.
يعتقد تسوي هونغ جيان مدير قسم الدراسات الأوروبية في جامعة الصين للدراسات الدولية، أنه من استهداف الاتحاد السوفيتي وحلف وارسو خلال الحرب الباردة، إلى استهداف روسيا بشكل أساسي بعد نهاية الحرب الباردة، وإدراج الصين في رؤيتنا الاستراتيجية الآن، وهناك ثلاثة أسباب منطقية لحلف الناتو للعثور على "الأعداء" وتعريفهم: أولاً، خدمة الاستراتيجية العالمية للولايات المتحدة، ثانياً، حماية الأمن الجماعي للدول الغربية. ثالثاً، ضمان المزايا الاستراتيجية الشاملة للغرب.
ولا يزال الناتو يعتبر روسيا "التهديد الأمني الأكثر واقعية ومباشرة"، وليس بسبب موقع روسيا الجغرافي عند تقاطع أوراسيا فحسب، وأنما ذات صلة وثيقة بقدراتها العسكرية وسياساتها الأمنية أيضا. ويتمثل العامل الرئيسي لدخول الصين في رؤية الناتو في المشهد التنافسي بين الصين والولايات المتحدة. لكن في الوقت الحالي، لا تعتبر الصين "تهديدًا عسكريًا مباشرًا" من قبل الغالبية العظمى من الدول الأوروبية، وإنما يُنظر إليه على أنه "تحدٍ" منهجي وطويل المدى، ما يعني أن الناتو سيطور مجموعة من الاستراتيجيات لـمواجهة "التحدي الصيني"، بالإضافة الى استراتيجيته تجاه روسيا الأكثر نضجًا.
الدور المستقبلي للناتو
كما لا يزال الناتو في الوقت الحالي، يحاول تعريف الصين على أنها "تحديات + فرص". ومع الاعتراف بالفرص التجارية مع الصين والتعاون في الحوكمة العالمية، يرى الناتو أن تحديات الصين تشمل بشكل أساسي ما يلي: الاختلافات في القيم، والتعزيز الكبير للقدرات العسكرية، والسياسات" القسرية "في المناطق المحيطة، والتهديدات الأمنية المحتملة للشبكات والبنية التحتية الحيوية"، و "التحديات التي تواجه التعاون العسكري الصيني الروسي".
يميل الناتو أكثر الى تبني الوسائل الاقتصادية والدبلوماسية وغيرها من الوسائل غير العسكرية عند الرد على ما يسمى " التهديدات الصينية" لأن الأخيرة تختلف عن " التهديدات المباشرة" لروسيا.
يشعر الكثير من الناس بعد هذه القمة، بالقلق بشأن ما إذا كان الدور المستقبلي لحلف الناتو سيتغير، حيث يعتبر الناتو الكتلة العسكرية الأكبر في العالم، وهو ركيزة مهمة للدول الغربية لتجسيد وحدتها الداخلية وهيمنتها الخارجية، كما أنه وسيلة حتمية للغرب للتحول من التعبئة السياسية إلى التعبئة العسكرية لمواجهة التحديات الكبرى. والشبه مؤكد من هذه القمة، هو أن الولايات المتحدة قد بدأت في استخدام الناتو كأداة للتعبئة السياسية ولعب إستراتيجي ضد الصين، لذلك فإن دور الناتو المستقبلي يستحق الإهتمام:ـ
أولاً، ارتباط التعاون الاقتصادي والتجاري الصيني مع أوروبا بعلامة أمنية بعد تدخل الناتو، ويزيد من الضغط على مساحة التعاون بين الصين وأوروبا في البنية التحتية والشبكات. ثانيًا، سيُظهر الناتو وجودًا أكبر حول الصين من خلال شبكة "الشراكة العالمية" الخاصة به وسيتدخل أيضًا بشكل أكبر في الشؤون الداخلية للصين. الثالث، سيشمل الناتو الصين في نظام "إدارة التحدي" الخاص به ويتطلب لقيام الحوار المؤسسي والمفاوضات العملية من الجانب الصيني.