قاعدة اطلاق صاروخ مينيوتمان -3 العابر للقارات الأمريكية |
تخطط الولايات المتحدة للقيام بـ "مراجعة الوضع النووي" في نهاية العام الحالي كحد أدنى. وتفيد التقارير أن إدارة بايدن بصدد مناقشة ما إذا كانت ستفرض قيودًا على استخدام الأسلحة النووية الأمريكية، بما في ذلك الإعلان عن سياسة " عدم البدء باستخدام السلاح النووي "أو سياسة "الاستخدام الواحد". على سبيل المثال، لا يمكن استخدام الأسلحة النووية إلا للرد على هجوم نووي. وكشفت وسائل إعلام غربية عن أن بريطانيا و فرنسا وألمانيا واليابان وأستراليا وعدة حلفاء آخرين، قد عارضوا بشدة هذه التعديلات من قبل الولايات المتحدة، معتقدين بأنها ستضعف قدرة الولايات المتحدة في حماية الحلفاء، معتبرينها"هدية للصين وروسيا".
وقد برزت فكرة إعلان "عدم البدء باستخدام السلاح النووي" في فترة حكم الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما. لكن الخطة، قوبلت بمعارضة من قبل اليابان وحلفاء آخرين في ذلك الوقت، وسرعان ماتم التخلي عنها.
وقد كانت فترة إدارة ترامب مرحلة لتسريع عملية تحديث الترسانة النووية الأمريكية. حيث خصصت في عام 2018 موازنة تتراوح بين 60 و 90 مليار دولار لتحديث الأسلحة النووية. وبعد أن أصبحت إدارة بايدن الديمقراطية، تسيطر على الزر النووي، بات بإمكانها أن تحظى بثناء عالمي إذا ما أعلنت عن سياسة " عدم البدء باستخدام السلاح النووي".
ومع ذلك، يبدو جليا بأن بايدن يواصل في الوقت الحالي استراتيجية إدارة ترامب في تعزيز التنافس بين القوى الكبرى. حيث غدت العلاقات بين القوى اليوم أكثر توتراً من تلك التي كانت في فترة إدارة أوباما. ويؤكد بايدن على ضرورة التنسيق الجماعي بين الحلفاء في التنافس مع الصين وروسيا. فهل يمتلك بايدن اليوم الشجاعة الكافية للحد من الإستخدام النووي من خلال خطوات فعلية؟ هذا لايزال محلّ شكوك!
ويبدو موقف بعض حلفاء أمريكا مخيبا للآمال، خاصة دولة مثل اليابان، التي تعرضت إلى هجمات نووية أمريكية مدمّرة. ومع ذلك فهي تعارض القيود المفروضة على استخدام الأسلحة النووية، وهو مايكشف زيف إدعاءات هذه الدول بمناهضة الأسلحة النووية. وفي الحقيقة، ما تسعى إليه هذه الدول هو الأمن النووي من جانب واحد، من خلال توسيع الصلاحيات النووية لجانب، والضغط على صلاحيات جانب آخر.
كانت الصين أول من أعلن عن سياسة "عدم البدء باستخدام الأسلحة النووية". وقد إلتزمت بهذه السياسة منذ إمتلاكها السلاح النووي. وعلى حلفاء الولايات المتحدة أن يتخيلوا مدى الضغوط الأمنية الإقليمية التي ستزيد إذا ما ألغت الصين سياسة تقييد استخدام الأسلحة النووية. وبالنسبة للولايات المتحدة، وباعتبارها القوة العسكرية الأولى عالميا، فإن وضعها قيودا على استخدام السلاح النووي، سيخلق بلا شك فرصًا لبناء وضع أمني عالمي أفضل، ويوسع أفق السلام العالمي.
إن قضايا السلاح النووي تبقى القضايا الأكثر تعقيدا وخطورة، والأكثر تعقيدا منها، هي قضايا عدد الرؤوس الحربية النووية ومضادات الصواريخ. وإذا تمكنت الولايات المتحدة من أخذ زمام المبادرة في تقييد استخدام الأسلحة النووية، فقد تمضي قدما في توسيع المسار الذي خطته الصين وتدفع نحول الوصول إلى حقبة جديدة من الأمن النووي.
لا تملك الصين أي تأثير في موقف الولايات المتحدة من تقييد استخدام الأسلحة النووية. وحتى لوقرّرت فعل ذلك، فلن تقوم به بشكل منفرد. بل على الأرجح أن تطالب الصين وروسيا ودول أخرى بتلبية بعض متطلباتها كشروط. ومن غير المستبعد أن تفرض سلسلة من الضغوط الجديدة على الصين.
مازال على الصين فعل الكثير لتعزيز قدراتها الخاصة بالردع النووي. فالصين هي القوة النووية الوحيدة التي أعلنت عن سياسة "عدم البدء باستخدام السلاح النووي"، ولذلك فإن تطوير قدرات الضربة الثانية يبقى مسألة بالغة الأهمية. ولطالما التزمت الصين بالأخلاقيات في ما يتعلق بالسياسة النووية، ولذلك فإن الدول والقوى التي تعارض القيود الأمريكية في استخدام الأسلحة النووية ليس لها الحق في إعطاء الدروس حول السياسات النووية الصينية.