تعد عملية تعقب منشأ فيروس كورونا قضية علمية خطيرة، الغرض منها فهم كيفية انتشار الفيروس ومنع تكرار حدوث أوبئة مماثلة. وكان الرئيس الأمريكي جو بايدن قد طلب من وكالات الاستخبارات الأمريكية في مايو من العام الجاري، "تكثيف" التحقيقات في مصدر فيروس كورونا وتقديم تقرير في غضون 90 يوما. وهذا موقف يعامل العلم على أنه "لعبة أطفال".
تبقى عملية تتبع منشأ الفيروس قضية علمية بامتياز، وحقيقة المنشأ يمكن اكتشافها حينما تقوم فرق البحث العلمي بإجراء عمليات التقصي العلمي وفقا للطرق والمناهج العلمية. لكن إدارة بايدن قامت بالتعهد بهذه القضية العلمية إلى وكالات الاستخبارات للتوصل إلى الحقيقة في غضون مدة زمنية قصيرة. وهو يعكس بأن عملية التقصي قد كانت منذ البداية مخالفة لروح العلم.
إن التحقيقات الاستخبارية لا تنبني على العلم، وقد قامت نفّذت وكالات الاستخبارات الأمريكية في السابق اغتيالات وانقلابات في عدة أنحاء من العالم، وتجسست على قادة دول حليفة، وقدمت أدلة كاذبة للحكومات الأمريكية لشن حروب على دول، وعُرفت بتاريخها الأسود منذ زمن.
وتعد وكالة الاستخبارات الأمريكية أداة بيد الإدارة الأمريكية للحفاظ على هيمنة الولايات المتحدة في العالم، وهي بطبيعة الحال لا تمتلك أي وجهة نظر موضوعية أو روح علمية. في هذا الصدد، أشار ستين ويلموند، عميد كلية الصحة العامة بجامعة ييل بالولايات المتحدة، إلى أن "الاستخبارات الأمريكية لا تمتلك قدرات علمية كبيرة في مجال الصحة العامة وعلم الفيروسات، وهم الأقل احتمالًا على تزويدنا بمعلومات موثوقة أو تحذيرات. "
على امتداد تاريخ البشرية، لا تزال جهود العلماء مستمرة للكشف عن أصل عدة فيروسات قديمة مثل الإيدز. ناهيك عن صعوبة تتبع منشأ فيروس كورونا الذي لايزال ينتشر على نطاق واسع في العالم. حيث تحتاج هذه المهمة تظافر جهود العلماء المتخصصين من مختلف أنحاء العالم والانطلاق من منطلقات علمية وعالمية. وقد أمر الرئيس الأمريكي بايدن أجهزة المخابرات الأمريكية بالتوصل إلى نتيجة في غضون 90 يومًا. ولم يكن هناك دليل على ما إذا كان من الممكن استكمال التتبع العلمي لمنشأ الفيروس في غضون 90 يومًا فقط. وهو ما يعني بأن التحقيق سيستند على المواقف السياسية المتغطرسة التي تتجاهل المنطق العلمي.
ولذلك فإن التحقيق حول منشأ الفيروس الذي تقوده وكالة الاستخبارات الأمريكية لن يعدو أن يكون أداة سياسية في يد الولايات المتحدة لتشويه الصين. وتغيير طابع قضية منشأ الفيروس من العلمي إلى السياسي. لكن هذا النهج لا يمكن أن يساعد الولايات المتحدة على منع انتشار الوباء، ولن يساعد على التعاون الدولي في مكافحة الوباء، بل سيتسبب في أزمة إنسانية أكبر.
تقوم الولايات المتحدة في الوقت الحالي بتسييس قضية تتبع الفيروس، وتسعى جاهدة للحصول على أعذار للتنصل من مسؤوليتها عن فشلها في محاربة الوباء ومحاولة إرباك التنمية في الصين. وهي مؤامرة سياسية تزيد من تقويض التعاون الدولي في مكافحة الوباء. وقد دعت الشخصيات الدولية إلى ضرورة تحمل أمريكا لمسؤوليتها والعمل مع الدول الأخرى في إجراء تتبع شامل لأصل الفيروس. وعلى سبيل المثال، دعت منظمة الصحة العالمية الولايات المتحدة إلى إجراء تحقيقات في منشأ الوباء وخاصة التحقيق في مختبر فورت ديتريك وجامعة نورث كارولينا.