نشر موقع الصحيفة الروسية "روسيسكايا غازيتا" مؤخرًا مقالاً تحدث عن نظرية "بناء الدولة" التي تبنتها الولايات المتحدة في أوائل القرن الحادي والعشرين. والتي اعتقدت أنه من خلال تأسيس مؤسسات السلطة وزراعة النخب الموالية في دول مثل أفغانستان أو العراق، يمكن للدول المهيمنة التحكم عن بعد في مصير هذه الدول. لكن الواقع أظهر إفلاس هذه النظرية.
ويعتقد تيان وينلين، الأستاذ في كلية العلاقات الدولية بجامعة الشعب الصينية، أنه من وجهة نظر استراتيجية، فإن التبسيطات التي لا تتناسب مع تعقيد الواقع قد تسببت في أن تكون السياسات الأمريكية ذات تأثيرات عكسية.
أولا، مكافحة الإرهاب من خلال "الإصلاح الديمقراطي". فقد تأثرت السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط التي انتهجتها إدارة بوش الإبن بعمق بـ "نظرية السلام الديمقراطي"، وخاصة كتاب "حول الديمقراطية" لناتان شيرانسكي. مما خلق اعتقادا بأن الديمقراطية تولد السلام والاستبداد يولد الإرهاب. وطالما ظل الاستبداد واليأس والاستياء قائمين، سيستمر ظهور الأفراد والجماعات المهددة لأمن الولايات المتحدة. وبناءً على ذلك، اقترحت إدارة بوش وصفة للقضاء على الإرهاب من خلال "الإصلاح الديمقراطي". لكن الواقع أظهر لاحقا بأن قدرة الديمقراطية في القضاء على الإرهاب هو مجرد افتراض خاطئ خادع.
وفي الحقيقة، حتى في البلدان الديمقراطية، لا يزال الإرهاب خطرا محدقا بالنسبة لها (مثل "الجيش الجمهوري الأيرلندي" في المملكة المتحدة ، و "إيتا" في إسبانيا ، إلخ).ووفقًا للكتاب السنوي حول الإرهاب في العالم للفترة 2000 إلى 2003، الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية، فقد شهدت ما سماها الكتاب ب"البلدان الحرّة" 269 هجوما، وشهدت "البلدان شبه الحرة" 119 هجوما، وسجلت "البلدان غير الحرة 138 "هجوما.
ثانيا، تجاهل النظام السياسي المحلي والتقاليد المحلية وتطبيق نظرية "بناء الدولة" بشكل أعمى. وهو ما يؤدي في النهاية إلى "فوضى وظيفية" داخل العملية السياسية للدولة. حيث يرى منطق التفكير الأمريكي بأن جميع المجتمعات تخضع لنفس مراحل التطور، وأن والولايات المتحدة توجد في منتهى هذه العملية التطورية. لذلك، ما يجب أن تفعله الدول الأخرى هو تقليد النموذج الأمريكي، بينما تعتبر الولايات المتحدة نفسها بأنها "تحمل رسالة" مساعدة وإنقاذ مختلف الدول للتحرك في هذا الاتجاه. ويمكنها حتى استخدام أساليب التدخل والضغط العالي لتصدير الديمقراطية عند الضرورة.
إحدى النتائج المنطقية لهذا التفكير الخطي هي تجاهل عقلانية التقاليد السياسية والنظام الأصلي لبلدان مثل أفغانستان والعراق. والسبب في استمرار النظام السياسي الأصلي للبلدان المذكورة أعلاه حتى يومنا هذا هو أنه نتيجة لتراكم التجربة والعيش والتنمية في هذه المجتمعات، ولدي فعالية في الحفاظ على النظام السياسي والاجتماعي. وقد أحدثت وصفة الدمقرطة الراديكالية التي قدمتها الولايات المتحدة اضطرابا كاملا في النظام السياسي الأصلي.
كانت الولايات المتحدة تأمل في الأصل بأن يساعد "الإصلاح الديمقراطي"، أفغانستان والعراق على استكمال "بناء الدولة" وتحويلهما إلى "نموذج ديمقراطي في الشرق الأوسط"، لكن النتيجة في النهاية كانت عكس هذه الأمال العريضة. ومن زاوية نظرية، فإن "بناء الدولة" له معنيان: الأول "بناء الدولة"، وهو بناء النظام من الأعلى إلى الأسفل، والثاني "بناء الأمة" هو من الأسفل إلى الأعلى، وتستخدم "الدمقرطة" كوسيلة لتحقيق "بناء الدولة". ويهدف بناء النظام الحاكم في الأصل إلى تعزيز قدرة الحكومة المركزية باستمرار على استيعاب الموارد وتوظيفها، وفي النهاية تشكيل حكومة قوية. لكن مع ذلك، أدت سياسة الدمقرطة التي انتهجتها الولايات المتحدة إلى تفتيت المشهد السياسي وزيادة الصراعات الداخلية على السلطة، مما يضعف إلى حد كبير القدرات الوطنية بدلاً من تحفيزها.
أما بناء الأمة، فهو في الأصل تعزيز شعور المواطنين بالمجتمع والأمة، حتى يدرك جميع المواطنين بأنهم أعضاء في الدولة. وقبل الغزو الأمريكي، لم يكن بناء الدولة في أفغانستان والعراق قد اكتمل بالفعل، وكان الوعي الطائفي والقبلي لدى كثير من الناس أقوى بكثير من الوعي بالأمة. وعلى هذه الخلفية، أعادت الديمقراطية الاحتقان الذي روجت له الولايات المتحدة، من خلال إحياء النزعات الطائفية والقبلية الكامنة في هذه البلدان. كما تعززت ميولات التمرد على الحكم المركزي والانفصالية. وفي هذا، تتحمل الولايات المتحدة مسؤولية لا يمكن التنصل منها.
من المتوقع أن تعيد مراكز الفكر والنخب الاستراتيجية الأمريكية تلخيص تجربة ودروس "خسارة أفغانستان" و "خسارة العراق" كما فعلوا عندما فكروا في سبب "خسارة الصين" و "خسارة كوريا الشمالية" و"خسارة فيتنام". لكن المشكلة، أن التفكير الاستراتيجي للولايات المتحدة كان دائما يأخذ في الاعتبار إيجابيات وسلبيات الولايات المتحدة فقط، ولم يهتم أبدًا بالضرر الذي تسببه سياسة التوسع الأمريكية على دول العالم الثالث ومعاناة شعوبها الغارقة في الكوارث الإنسانية. وهذه الطبيعة الأنانية هي ما ستجعل الولايات المتحدة تستمر في اتباع سياسات الهيمنة في المستقبل. وهذا يستوجب من دول العالم الثالث، بما في ذلك الصين معارضة الهيمنة إذا أرادت أن تكون مستقلة وبإمكانها تحقيق التطور.