تعليق: ما دلالات التدريبات العسكرية الغربية المكثفة

أنهت الولايات المتحدة الأمريكية في 16 و17 اغسطس الجاري تدريبين عسكريين، هما تباعا "التدريبات الواسعة النطاق 2021" و "التدريبات العالمية الواسعة 2021". ويرى تشانغ جيا دونغ، الأستاذ بمركز الدراسات الأمريكية بجامعة فودان أن حجم وخصائص التدريبين العسكريين على علاقة قريبة بتغيرات السياسة الخارجية الأمريكية.

أولا، تمثل سياسة احتواء الصين وتطويق روسيا هدفا استراتيجيا رئيسيا من هذين التدريبين. وهو أيضا ما يعكس إلحاح ما تسميه الولايات المتحدة "التهديد الصيني" في استراتيجيتها العسكرية، ويدفعها إلى التصعيد، سيما في مضيق تايوان. وقد عبر فيليب ديفيدسون، قائد القيادة الأمريكية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، الذي استقال في أبريل من العام الجاري عن قلقه من مما وصفه بإمكانية اتخاذ بكين اجراءا عسكريا ضد تايوان في السنوات الست المقبلة. فيما اعتبر خلفه في القيادة جون اكويلينو أن الوقت المتبقي لتدخل حكومة البر الرئيسي في تايوان قد أصبح أكثر إلحاحًا.

امتدت التدريبات العسكرية الأمريكية جغرافيًا من الأمريكتين إلى أوروبا، ومن المحيط الهادئ إلى المحيط الأطلسي، وقد ركزت بشكل أساسي على قدرة الولايات المتحدة وحلفائها على القيادة والتعبئة والنيران المركزة. وتشمل التدريبات مفاهيم عملياتية يمكن استخدامها في صراعات مع الجيش الصيني، وهي مصممة لإرسال إشارات ردع عسكرية إلى الصين وروسيا.

ثانيا، تميزت التدريبات بنطاقها الواسع، حيث مثلات أول تدريب يجريه سلاح البحرية ومشاة البحرية منذ تدريبات "المغامرة البحرية "للناتو في عام 1981. بما يعيد إلى الأذهان تدريبات الحرب الباردة. وشملت التدريبات 17 وحدة زمنية وضمت جميع القوات البحرية الأمريكية الثلاثة وخمسة من أساطيل من مجموع سبعة. وشهدت مشاركة أكثر من 30 سفينة حربية بما في ذلك حاملات الطائرات وأكثر من 50 وحدة عسكرية أمريكية و25 ألف عسكري. كما جمعت التدريبات التمارين البدنية والافتراضية عن بُعد، ومثلت نقلة واضحة على مستوى الحجم وتعقيد العمليات مقارنة بالتدريبات السابقة.

ثالثًا، أقرب إلى القتال الفعلي. تمت إدارة التدريبات العسكرية بشكل مشترك من قبل قيادة الأسطول البحري وقيادة أسطول المحيط الهادئ والقيادة البحرية الأوروبية. والغرض من ذلك هو الدمج السريع للبحرية الأمريكية التي عادة ما تكون مشتتة وتعمل بشكل منفصل في قوة قتالية موحدة أثناء الحروب. وقال قائد العمليات البحرية الأمريكية الأدميرال غيلدي إن تركيز التدريبات قد انتقل المجموعة الهجومية لحاملة طائرات واحدة إلى نهج يركز على الأسطول بأكمله لضمان احتفاظ الولايات المتحدة بأفضلية في الحروب المتقدمة.

رابعًا، الدول المشاركة أكثر تنوعًا، وهو مما يدل على وجود توجه للجمع بين الولايات المتحدة وآسيا وأوروبا. وتعتقد القيادة العسكرية الأمريكية أن هذه التدريبات ستعزز قدرات القتال الجماعية للحلفاء، وتقوي الثقة الاستراتيجية المتبادلة والفهم المشترك للتحديات الأمنية. وفي هذا الاتجاه، يعمل بعض الحلفاء والشركاء الاستراتيجيين للولايات المتحدة على تعزيز التواصل والتنسيق مع الولايات المتحدة. وتقوم الهند واليابان بتحركات عسكرية في نفس اتجاه الجيش الأمريكي.

وجدير بالقول إن الولايات المتحدة تجري هذه التدريبات العسكرية واسعة النطاق بتوجهات استراتيجية واضحة: فمن جهة، عززت التدريبات منظومة التحالف التي تضررت أثناء ولاية ترامب، بما أضعف قدرة الولايات المتحدة على التعامل مع الصين، وحوّل بعض الحلفاء إلى منافسين استراتيجيين. ومن أجل تجنب احتمال تحويل علاقات الصداقة إلى عداء، شدد بايدن على علاقات التحالف منذ توليه منصبه، وعمل على إعادة الحلفاء إلى الصف الأمريكي، بما في ذلك التدريبات العسكرية المشتركة.

ومن جهة ثانية، عملت على زيادة الردع العسكري ضد الصين والدول الأخرى. وتعتقد الولايات المتحدة أن القوة الشاملة الصينية قد شهدت نموا ملحوظا خلال في السنوات القليلة الماضية، وتعتبر بأن أفعالها الخارجية، بما في ذلك الإجراءات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية أصبحت أكثر شدّة. في ذات الصدد، يسود الرأي العام العالمي ايضا، جو من التشاؤم بمستقبل الولايات المتحدة مقابل التفاؤل بالصين. ويرى الأمريكيون أنه إذا لم يتم عكس هذا الإتجاه، فلن تتراجع المكانة القيادية للولايات المتحدة فحسب، بل قد تتخذ الصين أيضًا زمام المبادرة في عدة قضايا. وسيؤدي هذا إلى إغراق الولايات المتحدة في صعوبات الاختيار أو المخاطر الاستراتيجية. وبالنسبة للولايات المتحدة، فإن هذه التدريبات واسعة النطاق ذات الإشارات الواضحة لن تؤدي فقط إلى تجنب الصراعات العسكرية مباشرة، ولكنها ستقلل من خطر تحفيز الحروب الناجمة عن التقديرات الخاطئة.