مدينة تشيوانتشو: خير شاهد على ازدهار الملاحة الصينية في العصور القديمة (2)

/صحيفة الشعب اليومية أونلاين/  2021:07:29.16:10

إن ميناء تشيوانتشو هو تراث بحري للشعب الصيني منذ العصور القديمة وشاهد تاريخي على احتضان الأمة الصينية لحضارة البحار والمحيطات. في 16 يوليو 2021 تم إدراج المشروع الصيني المتعلق "بمدينة تشيوانتشو باعتبارها مركزا للتجارة البحرية العالمية في الصين خلال عهد أسرتي سونغ ويوان" بنجاح في قائمة التراث العالمي خلال مداولات الدورة الرابعة والأربعين للجنة التراث العالمي لليونسكو. وبذلك يرتفع العدد الإجمالي لمواقع التراث العالمي في الصين إلى 56 موقعا.

وخلال هذه المداولات تقرر بأن "تشيوانتشو باعتبارها مركزا للتجارة البحرية العالمية للصين في عهد أسرتي سونغ ويوان" يعكس الهيكل المكاني الفريد والمتميز لهذه المدينة الساحلية في فترة تاريخية محددة. حيث تغطي المواقع التراثية الـ 22 المدرجة فيها العديد من العناصر الثقافية الهامة والهيكل الاجتماعي والنظام الإداري والنقل والإنتاج والتجارة، والتي ساهمت كلها معًا في الارتفاع التدريجي والتطور النشط لمدينة تشيوانتشو في الفترة الزمنية بين القرنين العاشر والرابع عشر، وأصبحت المحور البحري لشبكة التجارة في شرق وجنوب شرق آسيا وقدمت مساهمة كبيرة في التنمية الاقتصادية والثقافية للمنطقة كلها.

مدينة تشيوانتشو القديمة المعروفة باسم "تسي تونغ"، لها تاريخ عريق يمتد لأكثر من 1300 عام. خلال عهد أسرتي سونغ ويوان تميزت مدينة تشيوانتشو بالتجارة البحرية العابرة للمحيطات. تاريخيا وصلت السفن التجارية المبحرة مع ميناء تشيوانتشو إلى خليج سيام وبحر جاوة ومضيق ملقا وحتى المحيط الهندي والخليج الفارسي.

قال الرحالة الإيطالي ماركو بولو عن ميناء تشيوانتشو: "هناك جبال من التوابل والأحجار الكريمة والأخشاب الثمينة والزخارف الذهبية والفضية في السوق. حتى في الإسكندرية التي هي مركز التوابل العالمية في البحر الأبيض المتوسط، حجم تجارة التوابل بها أقل من عُشر مثيله في ميناء تشيوانتشو". كما تركت الرحلات البحرية للأدميرال الصيني تشنغ خه (1405-1433)، والذي عرف باسم "أسطورة الملاحة الشرقية" علامة تاريخية فارقة في تشيوانتشو. في لينغشان بتشيوانتشو، يصف لوح حجري الحقيقة التاريخية المتمثلة في أن تشنغ خه قاد في ذلك الوقت أكبر أسطول في العالم إلى الخليج الفارسي.

في هذه المدينة كان يتم استقبال الرسل والتجار من دول جنوب شرق آسيا وبلاد فارس والجزيرة العربية والهند وسيلان وحتى من دول البحر الأبيض المتوسط. وفيها يوجد معبد لإله البحر ومعبد للبوذية ومسجد للمسلمين ومعبد للهندوس، ومعبد آخر للديانة المانوية التي كانت في بلاد فارس بالاضافة إلى الكنيسة النسطورية التي ظهرت في سوريا خلال العهد الروماني وكنيسة مسيحية. لذلك يمكن أن يًطلق على هذه المدينة بأنها متحف طبيعي لديانات العالم.

باعتبارها نافذة للحضارة البحرية يمكن أيضًا إظهار تأثير مدينة تشيوانتشو في التاريخ البحري للعالم من خلال الآثار العديدة للسفن الغارقة قبالة سواحلها. حيث أن حطام سفينة هوزو في تشيوانتشو الذي تم العثور عليه في عام 1973، والذي يعود تاريخه إلى حوالي عام 1277 ميلادي، هو أحد أقدم السفن التي تم اكتشافها في الصين. إذ يمثل تصميمها الانسيابي وهيكل الحاجز المقاوم للماء إنجازًا بارزًا في تاريخ بناء السفن الصينية القديمة. تعد تقنية المقصورة المانعة لتسرب الماء مساهمة رئيسية للصين في الملاحة العالمية. من الواضح أن هذه السفينة كانت محملة بالبضائع. ومن خلال التوابل فقط يمكننا أن نرى كيف كانت التجارة البحرية مزدهرة للغاية في ميناء تشيوانتشو في تلك الفترة. حيث أن منتجات مثل اللبان والبخور وخشب الصندل وخشب الصنوبر الافريقي والفلفل والعنبر، كلها منتجات موجودة على طريق التوابل وهذا خير مثال توضيحي للتاريخ القديم لشبكات التجارة البحرية.

تكتسب مدينة تشيوانتشو شهرتها من موقعها على طريق الحرير البحري كما هو الحال بالنسبة لدونهوانغ على طريق الحرير البري. بسحرها الشرقي الفريد، تعتبر تشيوانتشو نقطة مهمة على طريق الشاي القديم ومدينة شهيرة للخزف الصيني والحرير منذ أكثر من ألف عام. وهي مكان سحري اجتمعت فيه كافة الحضارات من مختلف دول العالم. كما أنها تمثل تراثا ثقافيا بحريا عالميا فريدا من نوعه قبل "عصر الملاحة الكبرى" و"عصر الاكتشافات". لذلك في التقييم الذي أجرته اليونسكو والمجلس الدولي للمواقع الأثرية فإن ميناء تشيوانتشو العتيق له "قيمة بارزة للبشرية جمعاء" وهو ضروري ليصبح موقعًا للتراث العالمي.