تشيوانتشو 27 يوليو 2021 (شينخوا) كان هاني صبحي، تاجر مصري يعمل في الصين لسنوات عديدة، مسرورا جدا خلال هذه الأيام لأن بشرى جديدة حلت على مدينة تشيوانتشو التي يعيش فيها، حيث نجحت هذه المدينة الساحلية في مقاطعة فوجيان بجنوب شرقي الصين، في إدراجها ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي يوم الأحد.
وتقع مدينة تشيوانتشو في سهول ضيقة على طول ساحل فوجيان، وكانت في تاريخ الصين القديم واحدة من أكبر الموانئ في العالم على طول طريق الحرير البحري التاريخي، ولا سيما في عهد أسرة سونغ الملكية (960م-1279م) وأسرة يوان الملكية (1271م-1368م).
وذكر الرحالة العربي الشهير ابن بطوطة في كتابه ((رحلة ابن بطوطة -- تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار)) قائلا: "لما قطعنا البحر، كانت أول مدينة وصلنا إليها مدينة الزيتون... مرساها من أعظم مراسي الدنيا، أو هو أعظمها. رأيت به نحو مائة جنك كبار، وأما الصغار فلا تحصى كثرة".
ويعتقد العلماء أن ابن البطوطة وصل إلى الصين في أواخر عهد أسرة يوان الملكية، وشهد ازدهار مدينة تشيوانتشو، مدينة الزيتون حسب وصفه، كمركز تجاري ومحطة مهمة على طول طريق الحرير البحري القديم حينذاك، حيث يُعتقد أن تشيوانتشو كانت أكبر ميناء عالمي شرقاً حينذاك مع وجود نظيرها ميناء الإسكندرية المصري في الغرب.
وبحسب الكتب القديمة، فإنه خلال عهد أسرتي سونغ ويوان، كانت الأفران تنتشر في جميع أنحاء مدينة تشيوانتشو لصنع خزف رائع للتصدير، بينما شهدت الجسور والأرصفة عربات محملة بالبضائع تأتي وتغادر، وهو ما أورده أيضا كتاب ابن بطوطة حيث ذكر "وأما الفخار الصيني فلا يصنع إلا بمدينة الزيتون وبصين كلان".
ومع ازدهار التجارة الخارجية والنقل البحري، تعاقب التجار الأجانب من مختلف الدول وشقوا طرقهم إلى مدينة تشيوانتشو، ما جعل المدينة مجمعا للغات شتى تندمج فيها ثقافات متنوعة وتوجد فيها ديانات مختلفة بشكل متناغم في ذلك الحين. وكان من بين التجار الأجانب عدد كبير من التجار العرب، حيث نجحوا في أعمالهم هنا ومكث بعض أحفادهم وأقاموا في المدينة منذ ذلك الوقت.
ويَعتبر دينغ تسونغ يين، مؤسس شركة سيلان في مدينة تشيوانتشو، نفسه من نسل التجار العرب الذين وصلوا إلى هنا قبل حوالي ثمانمائة سنة.
وقال دينغ "إني ورثت روح الكفاح والفتح عن أجدادي العرب، وما زلت ألتزم بها وأحرص عليها في عملي اليوم".
وبعد تطور لأكثر من 30 عاما، أصبحت شركة دينغ من أشهر الشركات المحلية في التجارة وتتعامل مع شركاء من 120 دولة في العالم، بما فيها الدول العربية. وذكر دينغ أن اسم شركته "سيلان" يعكس نيته في توريث أعمال أجداده العرب ليبني جسرا جديدا للتبادل التجاري والاقتصادي بين الصين والدول العربية، وذلك في إطار مبادرة "الحزام والطريق".
وكما حدث قبل مئات سنين، لم تُحصر الفرص في أيدي المحليين فقط، بل كان للأجانب نصيب كبير منها. وهناك نحو 2200 أجنبي يعملون ويقيمون في مدينة تشيوانتشو بشكل دائم حاليا، وفقا لأرقام السلطات المحلية.
جاء هاني صبحي البالغ من العمر 39 سنة، إلى مدينة شيشي التابعة لمدينة تشيوانتشو لبدء عمله في تجارة التصدير والاستيراد قبل خمس سنوات. ورغم الصعوبات الكبيرة في البداية من حيث اللغة والبيئة، نجح صبحي في إنشاء شركته الخاصة بعد سنتين لتجارة الملابس عبر الحدود، حيث يشتري الملابس المصنوعة محليا ويبيعها إلى دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
ويسعد صبحي بتنمية شركته وأعماله، حيث تضم شركته 16 موظفا في مدينة شيشي حاليا، وبلغ حجم تجارته نحو 200 مليون يوان (حوالي 30.88 مليون دولار أمريكي) عام 2020.
وقال صبحي إن الملابس والأحذية المصنوعة هنا تتمتع بتنافسية كبيرة وشعبية واسعة في أسواق الشرق الأوسط. وتحتضن مدينة شيشي سلسلة تصنيعية كاملة للمنسوجات والملابس، حيث يتم تصدير نحو 1.1 مليار ملبس منها إلى حوالي 160 دولة ومنطقة في العالم كل عام، وفقا للبيانات الرسمية.
واختار صبحي البقاء في الصين منذ تفشي وباء كوفيد-19. ورغم أنه كان قلقا بشأن أعماله التجارية بعد ظهور الوباء، لكن التعامل الفعال والإجراءات المبتكرة من قبل السلطات الصينية إزاء تحديات الوباء، حولت قلقه إلى فرصة جديدة لأعماله، حيث زادت معاملات شركته بشكل كبير بفضل البيئة المستقرة داخل الصين وزيادة الطلب من الخارج.
وتجدر الإشارة إلى أن صبحي تلقى اللقاح الصيني المضاد لكوفيد-19 في مدينة تشيوانتشو، ويشعر الآن بكل الأمان والثقة إزاء وقايته من ذلك المرض.
وقال صبحي إن السياسات والوسائل الجديدة إضافة إلى الطرق التجارية الجديدة المبتكرة عززت تنمية التجارة الالكترونية العابرة للحدود بشكل كبير، مما يوفر له ولشركته فرصة تنموية جديدة ويعطيه ثقة كبيرة بالنجاح في المستقبل.
وقبل عدة قرون، عبر التجار العرب البحار ليصلوا إلى تشيوانتشو لممارسة التجارة؛ وفي الوقت الراهن، يعمل صبحي وكثيرون غيره من التجار العرب هنا في نفس البقعة من الأرض في مجال التجارة بين الصين والدول العربية... ويعتقد صبحي أن ذلك بمثابة صدفة عجيبة وقَدَر خاص، مما يزيد حبه لهذه المدينة الذي يعتبرها بلدته الثانية.