بكين 22 إبريل 2021 (شينخوا) ينضم الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى قادة العالم اليوم (الخميس) لحضور قمة افتراضية حول تغير المناخ يستضيفها نظيره الأمريكي جو بايدن.
قال شي إن الاستجابة لتغير المناخ هي القضية المشتركة للبشرية جمعاء، مضيفا أنها لا ينبغي أن تكون ورقة مساومة جيوسياسية، أو هدفا لمهاجمة دول أخرى، أو ذريعة لفرض حواجز تجارية.
يولي الرئيس الصيني اهتماما وثيق بالقضايا الإيكولوجية والبيئية. وفي الوقت الذي يعرب فيه عن مناصرته بصورة فاعلة للإجراءات العالمية لمكافحة تغير المناخ، يؤكد على هذه القضية باعتبارها استراتيجية طويلة الأجل وحيوية لتحديث بلاده ورفاه شعبها.
-- المساحات الخضراء تعد ذهبا
في بداية تسعينيات القرن الماضي، قررت قرية يويتسون، وهي قرية جبلية شاعرية في محافظة آنجي بشرق الصين في مقاطعة تشجيانغ، القضاء على الفقر من خلال استغلال إمكانات مواردها الطبيعية.
من خلال التنقيب عن الحجر الجيري وتصنيع الأسمنت، أصبحت يويتسون واحدة من أغنى القرى في الصين بعائدات سنوية تزيد عن 3 ملايين يوان (460 ألف دولار أمريكي).
غير أنه لم يمض وقت طويل حتى وجدها القرويون صفقة فاوستية. فقد تحول مسقط رأسهم إلى مكان قبيح المنظر بأرضه المنقره وأنهاره العكرة ومناخه المحمل بالضباب والغبار.
لم تكن يويتسون هي القرية الوحيدة في تشجيانغ التي شهدت تدهور نظامها البيئي. ولمواجهة المشكلة المتدهورة، قطعت المقاطعة على نفسها عهدا ببناء "مقاطعة إيكولوجية" في عام 2003.
ففي غضون ثلاث سنوات، أغلقت يويتسون ثلاثة مقالع للحجر الجيري ومصنعا للأسمنت، وهو ما يمثل 95 في المائة من دخلها السنوي، ما أثار الكثير من المخاوف بين القرويين.
وظهر نقاش ساخن حول العلاقة بين التنمية الاقتصادية وحماية البيئة -- وهي علاقة صعبة حتما خلال مرحلة التصنيع بجميع أنحاء العالم.
في عام 2005، زار شي، الذي كان آنذاك سكرتير لجنة الحزب الشيوعي الصيني لمقاطعة تشجيانغ، مدينة يويتسون. وأكد للقرويين أن تحركهم لإغلاق تلك المصانع كان "حكيما".
وقال في قاعة الاجتماعات البسيطة والمتواضعة بالقرية إن "الجبال والأنهار الخضراء هي جبال من الفضة والذهب".
بعد تسعة أيام، في تعليق نشرته صحيفة ((تشجيانغ ديلي))، دعا شي، مستخدما الاسم المستعار "تشه شين"، إلى السعي لتحقيق التناغم بين الإنسان والطبيعة وكذلك الانسجام بين الاقتصاد والمجتمع، من أجل الحصول على مياه صافية وجبال خضراء إلى جانب "جبال من الفضة والذهب".
شجع مفهوم "الجبلين"، الذي تطور لاحق إلى فكر شي حول الحضارة الإيكولوجية، العديد من المدن والقرى الصينية على السعي لتحقيق نمو عالي الجودة ومستدام من خلال حماية البيئة وتطوير الصناعات الخضراء.
عندما عاد شي إلى يويتسون بعد 15 عاما خلال جولة تفقدية في تشجيانغ في مارس 2020، وجد أن القرية تحولت إلى مكان يضم مبان ذات جدران بيضاء تقليدية وبلاط أسود وحقول زهور مختلفة ألوانها وبرك تطفو على سطحها زهرة اللوتس الرائعة. وكسب القرويون أموالا أكثر بكثير مما كانوا يكسبونه في الماضي بفضل ازدهار السياحة.
وقال شي إن مسار التنمية الخضراء صحيح.
وكتب برنامج الأمم المتحدة للبيئة في تقرير يقول إن هذا المسار "يتجاوز ويلغي أنماط ونماذج التنمية التقليدية، ويوجه التحول في طرق الإنتاج وأسلوب حياة المجتمع بأسره".
-- أجندة المناخ في دبلوماسية شي
كما اقترح شي مفهوم الـ"جبلين" المميز عند مخاطبته الجمهور العالمي في قمة طموح المناخ التي عقدت على الإنترنت في نهاية عام 2020.
فقد دعا إلى اتباع نهج جديد لإدارة المناخ يسلط الضوء على الانتعاش الأخضر في عام كان العالم يمر فيه ليس فقط جائحة كوفيد-19 وتداعياتها الاقتصادية، بل كان أيضا واحدا من أحر ثلاث سنوات في التاريخ المسجل.
وفي أجندته الدبلوماسية، شدد شي مرارا على أهمية دعم التعددية والوحدة والتعاون لمعالجة تغير المناخ.
وفي خطاب ألقاه في مراسم افتتاح المؤتمر السنوي لمنتدى بواو الآسيوي 2021 الذي اختتم لتوه في جزيرة هاينان الإستوائية الصينية، حث شي الدول الآسيوية على تعزيز التعاون في البنية التحتية الخضراء والطاقة الخضراء والتمويل الأخضر، وجعل البيئة الخضراء سمة مميزة للتعاون في إطار الحزام والطريق.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، خلال قمة عقدت عبر رابط فيديو مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، دعا شي الاتحاد الأوروبي إلى العمل مع الصين لتعزيز الشراكة الخضراء بين الصين والاتحاد الأوروبي.
منذ عام 2020، أجرى شي ست محادثات هاتفية مع الرئيس الفرنسي، تبادلا في أربع منها وجهات النظر حول تعزيز التنسيق والتعاون في معالجة تغير المناخ.
وأخذت الصين والدول الأوروبية تعمل عن كثب على المكافحة العالمية لتغير المناخ بعدما تخلت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عن اتفاقية باريس.
وقرر بايدن إعادة بلاده إلى الاتفاق العالمي التاريخي بشأن تغير المناخ، والذي اتفقت عليه كل دول العالم تقريبا في عام 2015 بعد مفاوضات مطولة جرت في العاصمة الفرنسية.
-- الوفاء بالوعد
قال شي، في مستهل خطابه في قمة طموح المناخ، إن المشهد الدولي في الوقت الحاضر يتطور بسرعة أكبر، ويثير كوفيد-19 انعكاسات عميقة على العلاقة بين الإنسان والطبيعة.
وتسعى بلاده إلى استخدام الجائحة كنقطة انطلاق نحو مستقبل أكثر اخضرارا وأكثر مرونة.
في كلمته أمام المناقشة العامة للدورة 75 للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2020، أعلن الرئيس الصيني أن الصين تهدف إلى بلوغ ذروة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون قبل عام 2030 وتحقيق الحياد الكربوني قبل عام 2060.
إذا نجحت، وفقا للجهة المتتبعة للعمل المناخي، فسوف تخفض توقعات الاحترار العالمي بما يتراوح بين حوالي 0.2 درجة و0.3 درجة مئوية.
وبينما رحب دعاة حماية البيئة بالتعهد الصيني واصفين إياه بأنه "عامل تغيير" للمناخ وخطوة يمكن أن تشجع الدول الأخرى على العمل بشكل أسرع، أثار البعض الشكوك حول جدوى الأهداف نظرا لأن الصين اقتصاد ناشئ لا يزال يعتمد بشدة على الفحم، وطالبوا بخطط عمل ملموسة.
في خطتها الخمسية الـ14 (2021-2025)، وهي وثيقة سياسية رئيسية ستؤثر بشدة على التنمية الاقتصادية للبلاد في العقد المقبل وما بعده، أوضحت بكين الشهر الماضي أن استهلاك الطاقة لكل وحدة من الناتج المحلي الإجمالي وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون لكل وحدة من الناتج المحلي الإجمالي سينخفضا بنسبة 13.5 في المائة و18 في المائة خلال هذه الفترة على التوالي.
علاوة على ذلك، من المتوقع الكشف خلال العام عن خطة عمل للوصول إلى ذروة انبعاثات الكربون بحلول عام 2030.
وقال شي في القمة التي عقدت عبر رابط فيديو بين الصين وفرنسا وألمانيا إن "الصين ، بصفتها أكبر دولة نامية في العالم، ستنتهي من إنجاز أكبر خفض في العالم في كثافة انبعاثات الكربون، وستحقق الحياد الكربوني من ذروة الكربون في أقصر مدة زمنية في تاريخ العالم".
تشير التقديرات إلى أن الالتزام بخفض الكربون يتطلب من الصين الانتقال من بلوغ ذروتها الكربونية إلى تحقيق الحياد الكربوني في غضون 30 عاما، مقارنة بـ60 عاما استغرقتها معظم الدول المتقدمة.
وذكر شي أن المهمة صعبة للغاية، لكن الصين ستفي بوعدها.