ستنعقد القمة الخامسة عشرة لمجموعة العشرين (G20) في المملكة العربية السعودية عبر الفيديو في الفترة من 21 إلى 22 من شهر نوفمبر الجاري. وفي ظل الوضع الوبائي الحالي والركود الاقتصادي العالمي، فإن مجموعة العشرين التي دخلت عقدها الثاني، في حاجة لترقية مهامها باتجاه قيادة التعاون العالمي.
مجموعة العشرين هي منصة حوار تتكون من 20 اقتصادا رئيسيا، وقد تأسست بدفع من مجموعة الدول المصنعة السبع (G7) في ظل خلفية الأزمة المالية الآسيوية في نهاية القرن العشرين. وخلال السنوات العشر الأولى بعد إنشائها، قام وزراء المالية ومحافظو البنوك المركزية لمجموعة العشرين بجهود للتواصل والتنسيق حول السياسة النقدية والنظام المالي لمواجهة توسع الأزمة المالية.
وخلال السنوات العشر الماضية، توصلت مجموعة العشرين إلى توافق في الآراء ونفذت إجراءات ملموسة في عدة قضايا، أهمها النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة والإصلاحات الهيكلية والتجارة والاستثمار وتغير المناخ، وأصبحت المنصة الأساسية للحوكمة الاقتصادية العالمية.
بالنظر إلى المستقبل، فإن مجموعة العشرين لديها فرصة إستراتيجية للتحول إلى آلية عالمية لإدارة التنمية.
أولا، ستكون السنوات العشر المقبلة هي السنوات العشر الأخيرة من خطة التنمية المستدامة لعام 2030 التي دعت إليها الأمم المتحدة. بينما يمثل أعضاء مجموعة العشرين العامل الحاسم والقوة الرائدة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وإذا كانت الأمم المتحدة هي صاحبة السلطة في تشكيل الإجماع العالمي ومعايير وجداول الأعمال، فإن مزايا مجموعة العشرين ستنعكس بشكل رئيسي في عملها وفعاليتها.
ثانيًا، يُعد تجزئة الآليات مظهرًا مهمًا من مظاهر العجز الحالي في التنمية العالمية وعجز الإدارة العالمية، ويمكن لمجموعة العشرين أن تلعب دورًا مهمًا في تكامل وتوجيه آلية حوكمة التنمية العالمية. حيث أن تاريخ التنمية والنطاق الاقتصادي وعدد أعضاء مجموعة العشرين تجعلها الخيار الأفضل كآلية رئيسية لحوكمة التنمية العالمية.
ثالثًا، في الوقت الذي أدى فيه الوباء إلى ركود اقتصادي وأزمة عالمية، بات هناك حاجة ملحة لآليات متعددة الأطراف للتقدم ومعالجة النقائص في التعاون الدولي والحوكمة العالمية.
تعتمد قدرة مجموعة العشرين في قيادة التعاون العالمي على قدرتها في رفع وترقية مستوى آليتها وجدول أعمالها.
بعد 20 عامًا من التطور، شكلت مجموعة العشرين مؤتمرات قمة للقيادة واجتماعات وزارية وقمم أعمال ومنتديات فكرية وآليات عمل أخرى. لكن، لا تمتلك مجموعة العشرين أمانة دائمة وموظفون، ويقوم بهذا الدور وكالة مؤقتة تنشؤها الدولة المستضيفة لتنسيق العمل وتنظيم الاجتماعات. وعلى الرغم من أن آلية الرئاسة الدورية تعكس درجة معينة من الديمقراطية والمساواة، إلا أنها لا تساعد على استمرارية وتنفيذ قرارات المجموعة. ولذلك، فإن إثراء آليات المجموعة، سينعكس على زيادة إثراء آليات اجتماعاتها، مثل اجتماع وزراء الخارجية ووزراء الصحة لتعزيز التنسيق الدبلوماسي والعمل الصحي؛ ومن ناحية أخرى، يتجلى ذلك في إنشاء مؤسسات دائمة مثل الأمانات أو المراكز الإقليمية.
في مواجهة الوباء والركود الاقتصادي، لا تزال أجندة مجموعة العشرين بحاجة إلى مزيد من جهود ا لتطوير. بما يساعد على تنشيط الحركة الاقتصادية وتجنب الركود الاقتصادي العالمي والوقوع في أزمة إقتصادية عالمية. ولهذا السبب، تحتاج البلدان المتقدمة والاقتصادات الناشئة الرئيسية لزيادة التنسيق فيما بينها من حيث السياسات ورأس المال والتكنولوجيا.
كما يجب على المجموعة أن تعمل على إعادة هيكلة سلسلة التوريد. حيث تسبب الوباء في خلق أزمة عالمية لسلسلة التوريد. ولذلك فأن المجموعة مطالبة بإدراج مهام تعديل وتنظيم وتطوير سلسلة التوريد العالمية في جدول أعمالها.
من جهة أخرى، على المجموعة أن تعمل على دعم الجهود الدولية في مجال الصحة العامة. حيث يمثل الوباء تحديا لمختلف دول العالم، ولكنه أيضا يقدم فرصة لإعادة بناء أسس الصحة العامة. وتتمتع مجموعة العشرين بإمكانيات هائلة لتوفير الدعم الاقتصادي والتنموي للصحة العامة.
تمثل مجموعة العشرين الآليات الناشئة متعددة الأطراف، حيث تمثل 90٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، و80٪ من التجارة العالمية، و66٪ من سكان العالم. إذا كان بالإمكان ترقية الآلية وجدول الأعمال، وتحويل القوة الاقتصادية إلى قدرات حوكمة، سيكون بإمكان مجموعة العشرين أن تبني إجماعًا أفضل وتتخذ إجراءات جماعية وتتمكن من قيادة التعاون العالمي.
وقد أكد الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش في مناسبات عدة، على أن القرن الحادي والعشرين يتطلب تعددية أكثر تشابكًا وشمولية، وتعددية أكثر قوة وفعالية. إذ تمثل المنظمات الدولية نتاجا وتجسيدا للتعاون متعدد الأطراف، وهي المنصة والقوة الرئيسية للحوكمة العالمية. وفي ظل ضعف مستوى التعاون بين الدول، قد يصبح التعاون بين المنظمات الدولية من أبرز مجالات التعاون العالمي.
إذ يمكن لمجموعة العشرين اعتماد نموذج "G20 +" لتعزيز التعاون العالمي مع الأمم المتحدة، ومنظمة الصحة العالمية، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، والمنظمات الدولية الإقليمية.
وعلى سبيل المثال، التعاون بين مجموعة العشرين والاتحاد الافريقي الذي تتركز فيه غالبية الدول النامية، سيفتح إمكانيات واسعة في مختلف قضايا التنمية. ولا شك في أن هذا النمط من التعاون يكتسي أهمية كبيرة في دعم الاقتصادات الهشة والفئات المحرومة، والقضاء على الفقر وعدم المساواة، ومساعدتها على تحقيق النمو الاقتصادي.