بكين 4 سبتمبر 2020 (شينخوا) إن "تكامل الألوان يزيدها جمالا وتناغم الألحان يزيدها هدوءا"، هكذا تقول حكمة صينية قديمة نتذكرها مع إقامة معرض الصين الدولي للتجارة في الخدمات في بكين في الفترة من 4 إلى 9 سبتمبر الجاري، حيث يعد هذا أول حدث اقتصادي وتجاري دولي رئيسي في الصين منذ تفشي جائحة كوفيد-19 ويبرز مبادرة الصين إلى دفع انتعاش الاقتصاد العالمي وسعيها إلى تقوية جسور التعاون ومواصلة البناء على ما تحقق من منجزات مع بلدان العالم ومن بينها الدول العربية.
يعـود تاريخ العلاقات الصينية-العربية إلى زمن بعيد حينما جسـد طريق الحرير القديم قبل آلاف السنين عُمق التواصل الحضاري وروابط الصداقة التي جمعت بين الجانبين. وفي العصر الحديث، يكتب الجانبان معا فصلا مهما في علاقاتهما في ظل "الشراكة الإستراتيجية ذات التوجه المستقبلي للتعاون الشامل والتنمية المشتركة" التي تربط بينهما، فضلا عن البناء المشترك لمبادرة الحزام والطريق التي تقوم على المنفعة المتبادلة والتنمية المشتركة.
-- التعاون الاقتصادي: ثمار مشتركة
لقد أحرز التعاون الصيني العربي نتائج ملموسة في السنوات الأخيرة حيث أصبحت الصين ثاني أكبر شريك تجاري للدول العربية. وفي عام 2019، شهد حجم التبادل التجاري بين الجانبين نموا بمعدل 9 في المائة على أساس سنوي ليصل إلى 266.4 مليار دولار أمريكي؛ واتسع حجم الاستثمار المتبادل بينهما؛ وانضمت 15 دولة عربية إلى البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية؛ وشاركت 18 دولة عربية حتى الآن في معرض الصين الدولي للواردات.
وفي الاجتماع الوزاري التاسع لمنتدى التعاون الصيني-العربي الذي عُقد في يوليو 2020 عبر الإنترنت، اتفق ممثلو الجانب العربي مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي بشأن العمل مع الصين في سبيل تنفيذ خطة تحدد ملامح العلاقات الصينية-العربية في العامين المقبلين، وتسريع التعاون في إطار الحزام والطريق، وتعميق التعاون في مجالات التجارة والاستثمار والطاقة والتكنولوجيا والسياحة والثقافة، من أجل تحقيق التنمية المشتركة.
وقد وقعت 19 دولة عربية وجامعة الدول العربية مع الصين على وثائق تعاون لبناء "الحزام والطريق". ويتواصل العمل المشترك لتحقيق المواءمة بين الإستراتيجيات التنموية للدول العربية لتتوافق مع مبادرة "الحزام والطريق" الصينية، مثل "رؤية مصر2030" و"رؤية السعودية 2030" و"رؤية الأردن 2025" وإنشاء "مدينة الحرير" بالكويت وغيرها. حيث تم في إطار هذا العمل إنجاز عدد من مشاريع البنية التحتية ومجمعات التعاون الصناعية.
وفي هذا الصدد، قال سون ده قانغ، نائب مدير معهد دراسات الشرق الأوسط في جامعة الدراسات الدولية بشانغهاي، إن التعاون الصيني العربي يقوم على الفوز المشترك، إذ تعد الصين من أهم مصادر الاستثمار وأكبر الشركاء التجاريين للعديد من الدول العربية، فيما توفر الدول العربية سوقا أوسع بالنسبة للشركات الصينية سريعة النمو.
-- نقل التكنولوجيا: مسعى للتنمية
كما يتزداد إطار التعاون "1+2+3" بين الجانبين الصيني والعربي متانة حيث يتخذ من مجال الطاقة محورا رئيسيا، ومن مجالي البنية التحتية وتسهيل التجارة والاستثمار جناحين، ومن المجالات الثلاثة ذات التكنولوجيا المتقدمة وهي الطاقة النووية والفضاء والأقمار الاصطناعية والطاقة الجديدة نقاط اختراق.
وفي هذا الإطار، تم تأسيس العديد من آليات التعاون والتبادل بين الجانبين ومن بينها المركز الصيني العربي لنقل التكنولوجيا الذي أنشئ عام 2015 وأطلق حتى الآن أكثر من 20 مشروعا ابتكاريا للعلوم والتكنولوجيا بين الصين والدول العربية، ويسعى إلى تعزيز التعاون العلمي والتكنولوجي بين الجانبين من خلال دمج الموارد العلمية والتكنولوجية والمشاركة في بناء منصات البحث والتطوير وقواعد عرض نقل التكنولوجيا وتنظيم الدورات التدريبية وغيرها بين الجانبين.
وفي السنوات الأخيرة، مضى التعاون الصيني العربي بخطى سريعة في مجال نقل التكنولوجيا الزراعية الصينية التي تمحورت حول أفكار حماية البيئة وتشجير الأراضي والزراعة في المناطق الصحراوية ونالت اهتمام الدول العربية بشكل متزايد. وساعد التعاون بين الجانبين في هذا المجال على ترسيخ مفاهيم وتقنيات الزراعة البيئية من خلال نقل التكنولوجيا الصينية وتدريب الكفاءات المحلية، وهو ما ساهم بدوره في تعزيز التنمية المستدامة في البلدان العربية.
وبدورها قالت تشانغ لي، الباحثة بمركز البحوث الزراعية الخارجية التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الزراعية، إن الشركات الصينية تستكشف بنشاط تطوير التعاون الزراعي من أجل تقاسم تكنولوجيات حديثة مثل الزراعة الموفرة للمياه وإنترنت الأشياء في المجال الزراعي مع الدول العربية لدفع استفادة الأخيرة بصورة أكبر من تقدم الزراعة الحديثة، والعمل معا للحفاظ على الأمن الغذائي العالمي.
-- التعاون الفضائي: فوائد ملموسة
وامتد التعاون إلى تكنولوجيا الفضاء، فقد شرع الجانب الصيني منذ عام 2017 في إجراء تعاون مع كل من السعودية والجزائر ومصر وتونس في هذا المجال ليتم تحقيق العديد من الإنجازات. فقد نجحت الصين في إطلاق قمر "كومسات-1"، وهو أول قمر صناعي جزائري للاتصالات في ديسمبر 2017. وفي عام 2018 تم تدشين أول مركز "بيدو" لنظام الملاحة الصيني لتحديد المواقع عبر الأقمار الصناعية بالخارج في تونس، وفي نفس العام أعلنت الصين نجاحها في إطلاق قمرين صناعيين للسعودية.
وفي عام 2019، عُقدت الدورة الثانية لمنتدى التعاون العربي الصيني لنظام "بيدو" للملاحة بالأقمار الصناعية ليتم رسميا تأسيس آلية طويلة الأجل للمنتدى، وفي نفس العام وقعت الصين والعراق على مذكرة تفاهم للتعاون في مجال بيدو، كما أطلقت الصين أول قمر اصطناعي سوداني "SRSS-1" بنجاح. وهذه الخطوات المتتالية تعود بفوائد ملموسة على شعوب البلدان في مجالات عدة ومنها الزراعة والأمن الغذائي، والنقل، والمناخ والبيئة وغيرها.
وفي الواقع، تواصل الصين منذ انعقاد الاجتماع الوزاري الثامن لمنتدى التعاون الصيني العربي في عام 2018 التزامها بتوسيع وتعميق مجالات التعاون الإستراتيجي بين الجانبين في الاقتصاد الرقمي، وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وبناء المدن الذكية، واستخدام الطاقة النظيفة، وإقامة شبكات النقل السريع وغيرها بما يوسع فضاء تعاونهما.
-- تطلعات مستقبلية: مواكبة للعصر
لقد أشار وانغ يي في الاجتماع الوزاري التاسع لمنتدى التعاون الصيني-العربي إلى أهمية "تحويل الخطة الجميلة للعلاقات الصينية العربية إلى رفاهية ملموسة للشعوب ودفع مسار تنميتنا ونهوضنا".
وتطلعا للمستقبل، تدعو الصين والدول العربية إلى رفع الوعي بأهمية بناء مجتمع مصير مشترك للبشرية، حث توصل الجانبان إلى توافق بشأن بناء مجتمع مصير مشترك صيني-عربي ومجتمع صحة مشتركة صيني-عربي في خضم المعركة ضد جائحة كوفيد-19.
ففي مواجهة الجائحة، خاض الجانبان الصيني والعربي معركة مشتركة بروح التآزر والتضامن، وقدما المساعدة والدعم لبعضهما البعض وتقاسما المعلومات والتجارب والخبرات وانخرطا في تعاون وثيق، ما قدم من ناحية مثالا حيا على وقوفهما جنبا إلى جنب في السراء والضراء، وجسد من ناحية أخرى أحد أهداف "طريق الحرير الصحي" والمتمثل في تعزيز الوقاية من الأمراض المعدية ومكافحتها من خلال التعاون والتدريب المتبادل.
وقد ذكر وو سي كه، المبعوث الصيني الخاص الأسبق إلى الشرق الأوسط، أن المشاورات التي أجرتها الصين والدول العربية عبر الفيديو على خلفية تفشي الجائحة مثلت عملا مبدعا في مسيرة التبادلات بين الجانبين وكان لها أهمية بالغة في مراجعة ثمار التعاون الثنائي السابق والتخطيط للتعاون المقبل.
ويشكل العمل نحو المستقبل جزءا مهما من الشراكة الإستراتيجية الصينية العربية، ولا سيما في ظل حالة عدم اليقين التي يعيشها العالم في هذه الآونة. ويأتي معرض الصين الدولي للتجارة في الخدمات كفرصة ذهبية للبناء على ما تحقق من منجزات في العلاقات بين الصين والدول العربية ودفع التعاون بينهما في مجالات جديدة تواكب متطلبات العصر.