بكين 3 سبتمبر 2020 (شينخوا) "لماذا الوردة لونها أحمر إلى هذا الحد؟ لماذا وردة زاهرة إلى هذا الحد تسقيها دماء الشباب؟..." هكذا جاءت كلمات أغنية صينية شهيرة تعود لستينيات القرن الماضي. ورغم أنها تبرز الحب والصداقة بين الشباب في بدايتها، لكنها بعد ذلك تناولت الشباب الذين سقطوا ضحايا في ظل أوضاع قاسية ووسط نيران الحرب.
يصادف عام 2020 حلول الذكرى الـ75 للانتصار في حرب المقاومة الشعبية الصينية ضد العدوان الياباني والحرب العالمية ضد الفاشية. وكانت الحرب التي دارت قبل 75 عاما هي الحرب التي راح ضحيتها أكبر عدد من القتلى في تاريخ البشرية وحلت معها كوارث خطيرة للغاية على آسيا والعالم، ففي الصين وحدها سقط أكثر من 35 مليون شخص ما بين قتيل وجريح، وبلغت الخسائر الاقتصادية المباشرة نحو 600 مليار دولار أمريكي.
إن أولئك الذين عانوا من ويلات الحرب يفهمون ويقدرون كثيرا قيمة السلام. واليوم، عندما ننظر إلى الماضي ونتذكر التاريخ، نأمل ألا تكون هناك حروب وأن يعم السلام إلى الأبد. لا ينبغي أن يكون التاريخ عبئا للذاكرة، بل يجب أن يكون تنويرا للعقل.
-- دور الصين والدول العربية في تعزيز السلام
على مدار التاريخ، بذل الشعب الصيني والشعوب العربية، كقوى دولية مهمة، قصارى جهودهم لتهيئة بيئة أمنية جيدة للتنمية المشتركة لدول المنطقة والعالم.
وفي هذا الصدد، أشار أحمد سلام، المستشار الإعلامي السابق في السفارة المصرية في بكين، إلى أن الصين ساهمت في إنهاء الحرب من خلال المقاومة الشعبية ضد العدوان، ولعبت دورا مهما في إنشاء تحالف عالمي مناهض للفاشية وصياغة ميثاق الأمم المتحدة.
أما بالنسبة للدول العربية، فقد ذكر كتاب ((تاريخ الشرق الأوسط )) الصادر باللغة الصينية أن العديد منها استطاع التخلص من الحكم الاستعماري خلال الحرب العالمية الثانية، لافتا إلى أنه بالنظر إلى منطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا بأكملها، يتبين أن عام 1945 شهد صعود حركات التحرر الوطني في جميع أنحاء العالم العربي وقامت سبع دول من بينها مصر والعراق والأردن ولبنان وسوريا بتأسيس جامعة الدول العربية في القاهرة، ما ساهم في تحقيق السلام العالمي.
ومن الناحية التاريخية، كان السبب الرئيسي في اندلاع الحرب العالمية الثانية هو الفشل في بناء نظام أمني دولي، حيث استخدمت القوى العظمى التحالفات لاحتواء بعضها البعض وشنت سباق تسلح لا نهاية له. وبعد وصول هتلر إلى السلطة في ألمانيا، وصل به الأمر أن اقترح "البندقية أو الزبد" لإثارة الكراهية القومية. أما "اتفاقية ميونيخ" وسياسة الاسترضاء فجعلت لكل من بريطانيا وفرنسا اليد العليا، ما أدى إلى اندلاع حروب واسعة النطاق.
قبل وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، بذل المجتمع الدولي الكثير من الجهود لإنشاء إطار أمني جديد. فقد أثبتت الممارسة أن عددا قليلا من القوى الكبرى تحدد مصير العالم وتقسم "مجال النفوذ"، الذي لا يمكن أن يحل قضايا الأمن الدولي بشكل نهائي.
وفي هذا الصدد، قال عبد الرحيم السني المحلل السياسي في مركز دراسات المستقبل في السودان إن التجربة المريرة للحرب العالمية تدفع البشرية إلى التفكير في كيفية إيجاد سبيل إلى سلام دائم.
وذكر محمد بنحمو، أستاذ العلاقات الدولية بكلية الحقوق بسلا ورئيس المركز المغربي للدراسات الإستراتيجية، أن "الدرس الأهم الذي يمكن تعلمه من هذه الحرب هو العمل الجاد لإرساء الأمن والاستقرار وتجنب الحروب ذات العواقب الوخيمة".
-- بناء نمط جديد من العلاقات الدولية
تعد الفاشية بطبيعتها معادية للإنسان. وهي تدعو إلى التنمر واستخدام القوة لتغيير الوضع الراهن للعلاقات الدولية والاعتماد على العدوان للفوز بما يسمى بـ"مساحة للبقاء"، وغزو واحتلال أراضي البلدان الأخرى انطلاقا من مصالح محلية ضيقة، ونهب موارد البلدان الأخرى وثرواتها بجنون.
وقد أشار الخبير المغربي إلى أن هذه الاتجاهات الفكرية جاءت بسبب الأزمة الاقتصادية لعام 1929، التي غيرت بشكل عميق الأنماط الاقتصادية والسياسية والأمنية في العالم، مؤكدا أنه بعد الحرب العالمية الثانية القاسية، مازال شبح الحرب العالمية الثالثة قائما.
وفي الواقع، يواجه المجتمع البشري اليوم أيضا اختبارا كبيرا. فقد تسبب الانتشار السريع لجائحة فيروس كورونا الجديد في ركود اقتصادي عالمي وكمية كبيرة من الخسائر البشرية والمادية. إنها "حرب" خاصة سببتها أزمة الأمن العام وستغير بشكل عميق الوضع الدولي في المستقبل.
ولا تزال سياسة القوة وعقلية الحرب الباردة موجودة في العلاقات الدولية، وقد تعززت بشكل مستمر بعد الأزمة المالية العالمية لعام 2008. وإن ما يسمى بـ"المحلية أولا"، وفكرة الأحادية، والحمائية التجارية ليست إجراءات عادية لحماية السيادة، ولكنها إجراءات تتجاهل قواعد القانون الدولي المعترف بها. إنها "إحياء" للهيمنة في الوضع الجديد، بل وتطورت إلى هيمنة متنمرة.
ولكن على الجانب الآخر تركت الحرب السابقة دروسا وعبرا للناس، إذ قال المحلل السياسي عبد الرحيم السني إنه منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، كان للقيم الأساسية للحرية والديمقراطية والمساواة والعدالة تأثير دائم وعميق على تقدم الحضارة الإنسانية.
وفي ستينيات القرن الماضي، نهضت القوى الناشئة بسرعة على خلفية تقدم العلوم والتكنولوجيا ما أدى إلى زيادة التبادلات بين بلدان العالم، وأتيحت الفرصة لعدد كبير من البلدان النامية لدخول الدورة الاقتصادية الدولية.
وفي هذا الصدد، نجحت الصين في إقامة شراكات إستراتيجية وطرح فكرة الحوكمة العالمية من خلال "التشاور، والبناء المشترك، والتقاسم" ومبادرة "الحزام والطريق"، هادفة من ذلك إلى مواجهة التحديات والعيش في وئام من خلال النماذج الجديدة والأفكار الابتكارية، ما قوبل بترحيب حار من غالبية دول العالم تفاديا لوقوع حرب عالمية جديدة.
-- الدعوة إلى آليات تعاون متعددة الأطراف
لقد جعل دخان الحرب العالمية المجتمع البشري يعتز بشكل خاص بالسلام الذي تم تحقيقه بشق الأنفس، ما خلق شرطا أساسيا لتنمية التبادلات الاقتصادية والثقافية الوثيقة.
في ثلاثينيات القرن الماضي، كان النظام الدولي بعد الحرب العالمية الأولى غير معقول للغاية نظرا لعدم وجود نظام متعدد الأطراف ناضج ومستقر. وعلى الرغم من ظهور فكرة التعددية في وقت مبكر، لكن تأثيرها الكبير على العلاقات الدولية برز بعد الحرب العالمية الثانية وأصبحت قيمتها المهمة أكثر وضوحا بعد الحرب الباردة.
وتعتبر كل من الصين والدول العربية من المدافعين عن التعددية وممارستها، ويتعاونون في إطار الأمم المتحدة ومجموعة العشرين والتعاون بين بلدان الجنوب وغيرها من الأطر متعددة الأطراف. وبعد الجائحة، سيحظى مبدأ التعددية بالاعتراف من قبل المزيد من البلدان، وسيسهم التعاون متعدد الأطراف في تعزيز الانتعاش الاقتصادي في جميع البلدان.
وخلال المؤتمر الوزاري التاسع لمنتدى التعاون الصيني العربي الذي عُقد في يوليو من هذا العام، شددت الجانبان الصيني والعربي على أهمية بذل الجهود للحفاظ على التوازن الإستراتيجي العالمي، ومواصلة الدعوة إلى التعددية، وكسب فرص تنمية متكافئة للأسواق الناشئة والدول النامية. وهذا أيضا هو التنوير المهم الذي جلبه الانتصار في الحرب ضد الفاشية، وتبرزه الأغنية الصينية في كلماتها التي تقول: سُقيت الوردة بدماء الشباب وعلى الجميع الحرص على هذه "الوردة" الجميلة لتظل يانعة إلى الأبد.