في ظل التأثير الهائل الذي خلّفه الوباء، لن يكون من السهل على الاقتصاد العالمي أن يستقر مرة أخرى بينما في غضون عام من الآن. ومع تحقيق الصين لنتائج مرحلية في السيطرة على الوباء، تحولت إليها الكثير من الأنظار، التي تطلعت إلى أن يقود تحسن المؤشرات الاقتصادية الصينية تعافي الاقتصاد العالمي.
من جهة، هناك تجربة تاريخية يمكن وضعها في الاعتبار. فقد بدأت الصين تلعب دور قاطرة الاقتصاد العالمي منذ الأزمة المالية لعام 2008. وبدعم من السياسات الكلية في تلك المرحلة، اشترت الصين الكثير من المواد الخامة والسلع من الخارج، مما أسهم بشكل فعال في تحفيز نمو الاقتصاد العالمي. ومن ناحية أخرى، قفز إجمالي حجم الاقتصاد الصيني بشكل ملحوظ. ففي عام 2008، كان حجم الصين في الاقتصاد العالمي لا يزال صغيرًا نسبيًا. أما الآن، فحقق حجم الاقتصاد الصيني نموا كبيرا، وباتت قدرة الصين على دفع نمو الاقتصاد العالمي أقوى.
لا يعد تحقيق الاقتصاد الصيني لنسبة نمو ايجابية هذا العام تحديا كبيرا بالنسبة للصين، ومن المتوقع أن تحقق الصين معدل نمو في طليعة الاقتصادات الرئيسية، بفضل استمرار قوة الزخم الاقتصادي المحلي. ومع ذلك، تبقى قدرة الاقتصاد الصيني على دفع نمو الاقتصاد العالمي هذا العام غير معلومة في الوقت الحالي. لأن هذه المسألة لا تتعلق بإرادة وقدرة الصين، وإنما تتأثر بالاتجاه الجديد للوضع الدولي الذي قد يعوق دور الصين.
إن خروج الاقتصاد العالمي آثار الأزمة المالية التي عصفت به خلال فترة زمنية قصيرة نسبيًا، لا ينفصل عن تنسيق السياسات العالمية. ومع ذلك، يبدو من الواضح الآن أن بعص الإقتصادات الكبرى تعمل على عرقلة عمليات التنسيق. وفي ظل هذا الوضع، فحتى لو أخذ الاقتصاد الصيني زمام المبادرة، فإن الاقتصاد العالمي لن يتعافى من أزمته في ظل عدم التعاون من الدول الاخرى.
كما أعاقت طرق بعض الدول العشوائية في التصدّي للوباء الصين من تفعيل دورها. وخلافا للأزمة المالية، التي نجمت بشكل رئيسي عن مشاكل تتعلق بالنمط الإقتصادي، فإن تعافي الاقتصاد العالمي هذه المرة، يعتمد على السيطرة الفعالة على الوباء. غير أنه يبدو جليا، أنه بالمقارنة مع الصين ودول أخرى، التي إستطاعت أن تستأنف التنمية الاقتصادية في ظل السيطرة على الوباء، فإن وضع الوباء في بعض الاقتصادات الكبرى لا يزال يتدهور، وتظهر موجات ارتدادية في دول أخرى، وهو يؤثر على بيئة تعافي الاقتصاد العالمي.
تجد بعض الاقتصادات نفسها في الوقت الحالي، غير قادرة على السيطرة بشكل فعال على الوباء بسبب سوء الإدارة. وقد تتحول إلى مصدر للموجة الثانية من تفشي الوباء في العالم. وهذا سيؤثر حتى على التنمية الاقتصادية في الصين وبعض البلدان الأخرى التي حققت مكافحة أفضل للوباء. ورغم أن اجراءات السيطرة على الوباء في كل بلد هي شأن خاص، إلا أنها تؤثر بشكل مباشر على إقتصادات الدول الأخرى.
أما الأمر الأكثر أهمية، فهو أن الوضع السياسي الدولي الحالي قد تغير بشكل كبير مقارنة بالأزمة المالية. فقد أجرت بعض الدول تعديلات كبيرة على سياساتها الصين، ولا يساورها أي قلق بشأن ما إذا كانت الصين قادرة على دفع نمو الاقتصاد العالمي، أو حتى ما إذا كان بإمكان الاقتصاد العالمي تحقيق التعافي. في المقابل، ركزت خلال فترة الوباء أكثر على محاصرة الصين أيديولوجيا وعلى مستوى النظام الدولي. واستبدلت التعاون بالاحتواء والتسامح بالاقصاء.
إن القيود الخبيثة التي تفرض على الاستثمار الصيني، والضربات التجارية ضد الصين، والقيود الصارمة على التبادل العلمي والتكنولوجي، والتدابير المضادة غير المبررة تجاه قضية هونغ كونغ وشينجيانغ، لا تخدم تفعيل دور الصين في تحقيق تعافي الاقتصاد العالمي. كما لا تخدم التنمية الاقتصادية في هذه الدول، بل على العكس، سيدفع ذلك النظام الاقتصادي العالمي نحو الانقسام، مما سيزيد من العقبات التي تعترض تعافي الاقتصاد العالمي.
وبسبب كلّ هذه العوامل، سيكون من الصعب توقع أن تقود الصين تعافي الاقتصاد العالمي كما فعلت في عام 2008. ويتعين على الصين أولاً ضمان التنمية المستقرة داخليا، وفي ظل هذا الوضع، ستحقق الصين الازدهار مع بعض الاقتصادات التي ترغب في التعاون معها. وفي هذا السياق، تظهر أحدث البيانات أن واردات وصادرات الصين حققتا معدل نمو من رقمين خلال شهر يونيو من العام الحالي. بينما كان التراجع في التجارة الصينية الأمريكية أكثر وضوحًا، وانخفضت التجارة الصينية الأوروبية بشكل طفيف، ونمت التجارة مع دول الآسيان بشكل ملحوظ. وتعد مجموعة دول الآسيان واحدة من أسرع المناطق نموًا في العالم، وهذا لا ينفصل عن ارتفاع مستوى التعاون بين دول المجموعة والصين. وإن إستعادة دور الصين تعافي الاقتصاد العالمي، مرهون بعودة الدول المعنية إلى مناخ التعاون والثقة في الصين واختيارها النمو مع الصين.