خلال الأشهر القليلة الماضية، هدّد بعض الساسة الأمريكيين مرارًا بالانسحاب من منظمة الصحة العالمية. ووسط معارضة عالمية، أبلغت الولايات المتحدة الأمريكية في 6 يوليو الجاري الأمم المتحدة رسميًا طلبها بالانسحاب من منظمة الصحة العالمية في يوليو من العام المقبل. وفي ظل استمرار انتشار الوباء في العالم. فإن انسحاب الولايات المتحدة يرقى إلى الهروب من العدو، ووقوفها على الطرف النقيض من التعاون الدولي.
يمكن للجميع ملاحظة أن بعض الساسة في الولايات المتحدة قد استخدموا دائمًا منظمة الصحة العالمية ككبش فداء من أجل تمرير النزاعات المحلية والتهرب من عدم فعاليتهم ضد الأمراض الوبائية. حيث أعلنت الولايات المتحدة في 14 أبريل الماضي، عن تعليقها دفع المستحقات لمنظمة الصحة العالمية، مما أحدث ضجة في المجتمع الدولي. وأكد الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريس على أن الأولوية القصوى للمجتمع الدولي هي الوحدة والعمل على احتواء الوباء وعواقبه المدمرة. "علينا دعم منظمة الصحة العالمية، وهو أمر بالغ الأهمية بالنسبة للجهد العالمي في التغلب على الوباء".
وفي الحقيقة، ليست منظمة الصحة العالمية هي من تسببت في الكارثة الوبائية في الولايات المتحدة، بل إن ذلك كان نتيجة لتجاهل تحذيرات المنظمة. وفي هذا الصدد، وصف مقال في صحيفة "نيويورك تايمز انسحاب أمريكا من منظمة الصحة بأنه " خطوة خطيرة للعثور على كبش فداء لإخفاق الحكومة" ، "تمامًا مثل سحب شاحنة إطفاء من الأسطول أثناء انتشار حريق". كما رأى العديد من الأمريكيين أنه لو بادرت الحكومة الأمريكية للانصات إلى نصائح منظمة الصحة العالمية بدل اضعافها، لأنقذت حياة آلاف الأمريكيين. ومع ذلك، يواصل بعض الساسة الأمريكيين السير في طريقهم متجاهلين سلامة الشعب الأمريكي ووضع الصحة العامة في العالم.
بصفتها منصة مهمة للتعاون العالمي في مجال الصحة العامة، لعبت منظمة الصحة العالمية دورًا رئيسيًا في الرصد والإنذار المبكر من الأمراض المعدية المفاجئة، واستراتيجيات الوقاية والتنسيق بين الدول، وطرق التشخيص والعلاج المشترك، وتنظيم المساعدات الدولية.
وفي مواجهة الموجة الجديدة من تفشي الوباء، أطلقت منظمة الصحة العالمية عددًا من المختبرات، وأنشأت شبكة اختبار عالمية ، وعززت قدرات التشخيص العالمية، وعملت على تحسين المراقبة وتتبع انتقال الأمراض، وتسريع البحث والتطوير للّقاحات. وقد حظيت جهودها في هذا الجانب باعتراف وتثمين على نطاق واسع.
في مواجهة هذا التحدي الصحي الذي تواجهه البشرية جمعاء، لا يعد التعاون شرطًا ضروريًا للتغلب على الوباء فحسب، ولكن أخلاقًا يعترف بها المجتمع الدولي أيضا. إذ يشدد المجتمع الدولي في هذا الظرف العصيب على الوحدة والتعاون، لكن بعض الساسة الأمريكيين ظلّوا يغردون خارج السرب. وقد أشارت إليزابيث كوسنس، رئيسة صندوق الأمم المتحدة، إلى أن منظمة الصحة العالمية هي المنظمة الدولية الوحيدة التي بإمكانها تنسيق جهود الاستجابة العالمية لوباء كورونا المستجد، وأن انسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية ، يعد " خطوة قصيرة النظر وغير ضرورية وخطيرة للغاية".
إلى غاية بعد ظهر يوم 7 يوليو، أبلغت الولايات المتحدة عن أكثر من 2.98 مليون حالة مؤكدة وأكثر من 130.000 حالة وفاة. وتشير البيانات إلى أن عدد الحالات الجديدة في العديد من الولايات في غرب وجنوب الولايات المتحدة يواصل تسجيل أرقام قياسية جديدة، وأن منحنى الوباء في الولايات المتحدة زاد بسرعة مرة أخرى مؤخرًا. ويسود الرأي العام في الولايات المتحدة انتقادات للحكومة ترى بأن تفاؤلها الأعمى قد غذى انتشار الوباء. وأن الهجمات على منظمة الصحة العالمية ستضر في نهاية المطاف بالولايات المتحدة. ويخشى العديد من خبراء الصحة الأمريكيين من أن مثل هذا السلوك قصير النظر لن يؤثر على التجارب السريرية التي تعتبر حاسمة بالنسبة لتطوير اللقاحات فحسب، ولكن سيجعل الولايات المتحدة غير مستعدة بشكل كافٍ لأي أمراض محتلمة في المستقبل. وفي الوقت الذي يحتاج فيه العالم إلى تضافر الجهود، تتخلى أمريكا عن مسؤولياتها الدولية تجاه منظمة الصحة العالمية، ممايزيد من تأزيم الوضع الوبائي في العالم..
إن الوحدة والتعاون هي الطريق الصحيح الوحيد بالنسبة للعالم. وقد حثت منظمة الصحة العالمية البلدان المتضررة بشدة من الوباء على اليقظة ومواجهة الواقع والتصدي للوباء ومكافحته. ويأمل المجتمع الدولي في أن تحافظ الولايات المتحدة على الرصانة والعقلانية، وأن تكون قادرة على مكافحة الوباء والسيطرة عليه بشكل فعال. لأن بناء خط دفاعي متين يضمن سلامة وصحة شعوب جميع دول العالم يعد مهمة عاجلة، ولا يمكننا أن نربح هذه المعركة ضد الوباء إلا من خلال وضع اليد في اليد والتقدم معا.