أصبح مفهوم "الانفصال" مؤخرا كثير التردد من قبل بعض السياسيين الأمريكيين في مناقشة العلاقات الصينية الأمريكية. حيث قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تغريدة على تويتر نشرها في 18 يونيو الماضي، أن الجانب الأمريكي يحتفظ بخيار سياسة "الانفصال" التام عن الصين. ووصفت بعض وسائل الإعلام الأمريكية هذا الموقف بأنه الأكثر تشدّدا من ترامب بشأن العلاقات الأمريكية الصينية. ورغم أن "حرب التصريحات" تبدو مثيرة، إلا أن هناك العديد التساؤلات تطرح عن مدى واقعية "انفصال" الاقتصادين.
القوى السياسية لا يمكنها تغيير مكانة الصين في سلسلة التوريد
يعد حجم شحن الحاويات مؤشرا هاما بالنسبة للاقتصاد العالمي. حيث يتم نقل 80٪ من تجارة البضائع العالمية عبر الموانئ. ورغم أن وباء كورونا المستجد قد أدّى إلى مضاعفة تكاليف صناعة الشحن البحري، إلا أن العديد من الشركات الأمريكية لا تزال حريصة على الحصول على السلع من الصين بسرعة أكبر.
في مقال يوم 28 يونيو، أشارت وكالة بلومبرغ إلى أن دعوة ترامب لـ "الانفصال" عن الصين، دفعت العديد من الشركات الأمريكية لزيادة مشترياتها من السلع الصينية. وعلى سبيل المثال، غادرت سفينة الشحن ميلينا في 24 يونيو، ميناء شنتشن، محملة بالمنتجات التي تحتاجها العائلات الأمريكية، وسترسو في لوس أنجلوس في 6 يوليو الجاري، وبعد أسبوع، ستتبع سفينة شحن أكبر نفس المسار مرة أخرى.
تتبع سفينة ميلينا لشركة "زيم" الاسرائيلة التي تعد واحدة من أكبر شركات الشحن في العالم. وتدير زيم وشركة ماتسون لسفن الشحن وشركة "سي جي ام أس آي" الفرنسية لنقل الحاويات أعمال الشحن بين الصين وأمريكا. ورأى المقال أن هذا الترابط بين الشركات، يجسد صعوبة الانفصال بين أكبر اقتصادين عالميين.
كما قال خه ويوون، كبير الخبراء في لجنة الخبراء بالمعهد الصيني للتجارة الدولية، أنه من الناحية الاقتصادية، يصعب إيجاد "الصين الثانية" في العالم. وأن الانفصال عن الصين يعد مهمّة بالغة الصعوبة، ولا يمكن تحقيقها عبر الضغوط السياسية. كما أن أمريكا ستكون طرفا خاسرا من "الانفصال"، وستمثل هذه السياسة في حال تنفيذها ضربة قوية لشركات التكنولوجيا الأمريكية
الوباء والحرب التجارية لن يمنعا الشركات الأمريكية من دخول السوق الصينية
تعتقد عدة شركات أمريكية أنه يصعب ايجاد بديل عن الصين في الوقت الحالي. وفي أغسطس من العام الماضي، أمر ترامب الشركات الأمريكية في الصين بالعودة إلى الولايات المتحدة. لكن بعد بضعة أيام، افتتحت ثاني أكبر شركة تجزئة في أمريكا، "كوستكو" متجرها الأول في الصين بشنغهاي. وفي 22 أبريل من العام الحالي، أطلقت شركة ايكسونموبيل مشروعها الاستثماري للإيثيلين في هويتشو الصينية بقيمة 10 مليار دولار أمريكي. وفي 19 مايو، تم تأسيس المقر الرئيسي لقسم الاسواق الناشئة ومركز الابتكار لشركة هونيويل في مدينة ووهان. وقد علّقت صحيفة "وولستريت جورنال" في يوم 20 مايو قائلة بأن الوباء والحرب التجارية لن تمنع الشركات الأمريكية من دخول السوق الصينية.
وفي ذات السياق، أظهر الكتاب الأبيض السنوي الذي أصدرته غرفة التجارة الأمريكية في الصين في 30 مايو أن ثلث الشركات الأمريكية في الصين تخطط لتوسيع استثماراتها في الصين بأكثر من 10٪. ووفقًا لاستطلاع أجرته غرفة التجارة الأمريكية في الصين وغرفة التجارة الأمريكية في شنغهاي، صدر في أبريل، وشمل 25 شركة أمريكية ذات إيرادات تزيد عن 500 مليون دولار أمريكي في العالم، فإنه على الرغم من أن الوباء قد أثر على أعمالها، فإن 70٪ من الشركات لا تخطط للانتقال.
من جهة أخرى، تهزم سياسات الساسة الأمريكيين الهادفة لخنق شركات التكنولوجيا العالية الصينية نفسها بنفسها. حيث قالت صحيفة "ذي إيكونوميست" البريطانية "إن الحظر المفروض على هواوي قد يتسبب في ابتعاد صناعة أشباه الموصلات عن الولايات المتحدة. لأن تطوير التكنولوجيا والمقر الرئيسي لشركة أشباه الموصلات الأمريكية موجودة في الولايات المتحدة، لكن أغلب عمليات الانتاج في الخارج. وأضافت الصحيفة البريطانية، بأن صناعة أشباه الموصلات قد غادرت أمريكا، وأن تكلفة "الانفصال" عن الصين باهظة. وقال عالم الاقتصاد الأمريكي ديفيد غولدمان في مقال نشره في صحيفة "آسيان تايمز" في 25 مايو، أن انفصال أمريكا عن الصين يعني انفصالها عن آسيا.
في الواقع، يحتاج كل من ترامب والولايات المتحدة إلى الصين. وفي فترة ما بعد الوباء، كان انتعاش الصين أسرع من توقعات السوق الأمريكية، وهو ما عزز ثقة الشركات الأمريكية لتوسيع الاستثمار في الصين. إذ نشرت "ياهو فاينانس" في 27 يونيو مقالًا بعنوان "لماذا ستكون الصين أقوى من الولايات المتحدة بعد الوباء". ورأى المقال إن الصين والولايات المتحدة أنفقتا الكثير على مكافحة المرض. لكن أموال الصين تنفق على الأبحاث الطبية، بالإضافة إلى تتبع الاتصالات الوثيقة، وبناء المستشفيات، والاستثمار في المعدات، ويمكن اعتبار هذه التكاليف استثمارا في حد ذاته.
ويتوقع الاقتصاديون في مؤسسة مورغن ستاينلي، أن الصين ستكون الاقتصاد الوحيد الذي سيحقق نموًا في إجمالي الناتج المحلي في عام 2020 ، وأن عدد الطبقات المتوسطة والعليا في الصين سيستمر في النمو في العقد المقبل، وبأن التعافي في الصين سيكون أسرع من الولايات المتحدة.