نشر دينغ لونغ، باحث في دراسات الانفتاح الوطني ومدير مركز أبحاث الخليج بجامعة الاقتصاد والتجارة الدولية مقالة يوم 6 يوليو في صحيفة غلوبوتايمز التابعة لصحيفة الشعب اليومية، قال فيها انه في ظل انخفاض أسعار النفط، باتت صناعة النفط الصخري الأمريكي تواجه صعوبات غير مسبوقة، حيث تقدمت العديد من الشركات الرائدة بطلب للإفلاس. وقد استغرق النفط الصخري في الانتقال من مرحلة الإنتاج التجاري إلى الموجة الثانية من الثورة الطاقية. ثم إلى معضلته الحالية، قرابة 10 سنوات فحسب. وقد أدى صعود وهبوط النفط الصخري إلى إعادة تشكيل المشهد العالمي للطاقة، ومكّن الولايات المتحدة من تحقيق استقلالية في مجال الطاقة. ومع تحول الولايات المتحدة إلى دولة مصدرة للنفط، انخفضت القيمة الاستراتيجية للنفط والموقع الاستراتيجي للشرق الأوسط. وتسبب هبوط أسعار النفط في دخول صناعة النفط الصخري في عنق الزجاجة، وكان لهذا الوضع تأثيرات كبيرة.
وأشار دنغ الى ان أزمة صناعة النفط الصخري ليست مفاجئة، فهذه الصناعة لديها العديد من العيوب المتأصلة. أولاً، النفط الصخري هو زيت غير تقليدي يصعب استخراجه، وأسعار النفط المرتفعة والتقدم التكنولوجي جعلته متاحًا تجاريًا، لكن رغم ذلك، لا يزال صناعة هشة وحساسة للأسعار. ثانيًا، ينتمي النفط الصخري إلى صناعة الأصول الثقيلة ويدفعه بشكل رئيسي رأس المال المالي. حيث تتدخل رؤوس أموال وول ستريت في صناعة النفط الصخري، مما يتسبب في فقاعات الأصول وزرع جذور أزمة الصناعة. ثالثاً ، تخضع صناعة النفط الصخري لقيود البنية التحتية مثل خطوط أنابيب النفط ولا يمكنها الاستفادة الكاملة من دورة الأسعار. كما أن جودة منتجات النفط الصخري ليست مستقرة مثل النفط التقليدي. رابعاً ، يعد قضم الذات قدر لا مفر منه بالنسبة للزيت الصخر الزيتي. وسيؤدي تطوير صناعة النفط الصخري وزيادة الإنتاج حتمًا إلى انخفاض أسعار النفط، والتكلفة العالية هي بالضبط كعب أخيل لصناعة النفط الصخري.
بالطبع، من السابق لأوانه إصدار "نعي" لصناعة النفط الصخري بالكامل. فمن جهة، تنتظر أسعار النفط فترة انتعاش في المستقبل، وهي صناعة لا تزال في بدايتها، وقد أتاح التقدم التكنولوجي تخفيض تكلفة الاستخراج. ومن جهة ثانية، مكنت ثورة النفط الصخري الولايات المتحدة من تحقيق استقلالية في مجال الطاقة. وبصفتها صناعة ركيزة أساسية، فإن الحكومة الأمريكية والدوائر التجارية والمالية لن تستخف بمكانتها.
ويظن دينغ إن صعود وسقوط صناعة النفط الصخري له آثار سياسية واقتصادية بعيدة المدى. فبصفته الحصان الأسود لصناعة الطاقة، أدى ارتفاع النفط الصخري إلى تغيير خريط النفطي العالمي، وتنويع الإنتاج، وتسبب في خروج الإنتاج عن نطاق السيطرة. ويُظهر المشهد العالمي الحالي للنفط اتجاهاً ثلاثي الأبعاد في المملكة العربية السعودية وروسيا والولايات المتحدة. لا يمكن لأي من هذه الاتجاهات أن تسيطر على السوق العالمية، بل عليها أن تقبل التعايش معا. فقد حاولت الدول المنتجة للنفط التقليدية خنق صناعة النفط الصخري من خلال حروب الأسعار، لكن الطلب الأساسي على الربحية أجبرها على الحد من الإنتاج وضمان الأسعار. وتريد كل من السعودية وروسيا الحفاظ على أسعار مرتفعة نسبيًا وفي ذات الوقت ترغب في خنق صناعة النفط الصخري، وهما هدفان يستحيل الجمع بينهما، مما يخلق فرصًا لصناعة النفط الصخري للبقاء.
وأضاف دينغ انه من حيث التكلفة، يتمتع المنتجون التقليديون للنفط ا بمزايا واضحة، فتكاليف النفط الخام لا تتجاوز بضعة دولارات للبرميل، إلا أن هذه البلدان تمتلك هيكل اقتصادي أحادي، وتعتمد بشكل كبير على عائدات النفط. وسعر النفط الذي تحتاجه لتحقيق التوازن المالي أعلى بكثير من تكلفة النفط الصخري. لذلك فإن تراجع أسعار النفط يؤدي إفلاس صناعة النفط الصخري، وقد يعني أيضا إفلاس المنتجين التقليديين للنفط أيضا. وتشهد صناعة النفط الصخري حاليًا حالة انكماش، ولكن هذا سيؤدي إلى انخفاض العرض وزيادة أسعار النفط ، مما سيساعد الصناعة في النهاية على التعافي. لذلك، فإن ما تعيشه صناعة النفط الصخري هو حالة من "السبات" المؤقت.
ويظن الأستاذ دينغ انه بعد صعود الطاقة الجديدة ومصادر الطاقة البديلة، سقط النفط على المذبح وضعفت أهميته الاستراتيجية. وأصبحت أسعار النفط أكثر تأثرا بالعرض والطلب، كما فشلت الأحداث الجيوسياسية الكبرى مثل الهجوم على أرامكو السعودية في تغيير اتجاه أسعار النفط. ومنذ أزمة النفط، لم يكن يعش العالم نقصا في إمدادات النفط، ولم يتم استخدام النفط كسلاح للعقاب مرة أخرى. وبهذا المعنى، فإن صعود وسقوط صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة، وما إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على الحفاظ على الاستقلالية الطاقية، هي مسألة نطاق اقتصادي بشكل أساسي.
تواجه صناعة النفط الصخري مأزقا في الوقت الحالي، مما يثير نقاشات حول أهمية الطاقة في الشرق الأوسط واستعادة الشرق الأوسط لموقعه الاستراتيجي. مع ذلك، وفي سياق فائض الانتاج وحتى فقدان الأهمية الاستراتيجية، فإن نفط الشرق الأوسط لم يعد نادرا كما كان في الماضي، وتراجع المكانة الاستراتيجية للشرق الأوسط بات اتجاها عاما. وإذ لا تزال الولايات المتحدة تستورد نفط الشرق الأوسط بدافع الحاجة إلى التنويع، لكن تراجع مكانة نفط الشرق بالنسبة لأمريكا أصبح حقيقة واقعة. لذلك، فإن انخفاض إنتاج النفط الصخري قد لا يدفع الولايات المتحدة إلى تحويل انتباهها إلى الشرق الأوسط من جديد. ومع وجود إمدادات كافية من النفط، بات هناك العديد من مصادر النفط المتاحة للولايات المتحدة. وبالنسبة لمنتجي النفط في الشرق الأوسط، فإن تراجع شهية المشترين الكبار للنفط على غرار الولايات المتحدة، هو أمر محبط.
تعتقد أوساط صناعة الطاقة في أمريكا أن سياسات السعودية في ضرب أسعار النفط يجب أن تتحمل المسؤولية الكبرى عن مأساة صناعة النفط الصخري، وأن قطاع الطاقة في أمريكا يجب ألا يخضع لسياسات السعودية ونفط الشرق الأوسط. ويعتقد دينغ ان هذا لا يدل فحسب على أن النفط لم يعد أساس التحالف بين السعودية وأمريكا، بل أنه أصبح أيضًا سببًا للصراع والاحتكاك بين الجانبين. وتحول الحد من الالتزامات في الشرق الأوسط إلى نقطة إجماع بين الحزبين والسياسة الوطنية للولايات المتحدة، مما يعني بأن الولايات المتحدة لن تراجع سياساتها في الشرق الأوسط بسبب مأزق صناعة النفط الصخري.