بقلم محمد مازن
بكين 8 أبريل 2020 (شينخوا) بعد 76 يوما من الإغلاق الصارم، أعيد فتح مدينة ووهان التي كانت أول من يتحمل وطأة ما أصبح وباء عالميا، أمام العالم الخارجي صباح اليوم (الأربعاء).
ومع انخفاض عدد الحالات المؤكدة الجديدة إلى الصفر، رفع المسؤولون عن حاضرة مقاطعة هوبي، المدينة التي يزيد عدد سكانها عن 11 مليون نسمة، أمر الإغلاق الذي تم تطبيقه في 23 يناير. ورغم أنه ليس بمثابة إعلان نصر في ضوء المخاطر والتحديات المستمرة، إلا أن الخطوة تحمل مغزي كبير ليس للصين فحسب، ولكن للعالم بأسره.
-- رسالة أمل إلى بؤر التفشي العالمية
وبينما لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به لإعادة تشغيل الاقتصاد ومنع عودة ظهور فيروس كورونا الجديد المميت، فإن إعادة فتح ووهان يقدم أملا يحتاج إليه مئات الملايين من الناس في جميع أنحاء العالم الذين لا يزالون يمرون بأوقات صعبة بسبب الوباء.
فقد أظهرت ووهان لمدن أخرى مثل ميلانو في إيطاليا ونيويورك في الولايات المتحدة ومدريد في أسبانيا والمدن الأخرى التي تعاني من الوباء، أن العدو غير المرئي رغم خطورته الشديدة، إلا أنه يمكن السيطرة عليه.
فالسماح الآن لسكان ووهان بالدخول والخروج من المدينة وفتح أكبر محاور النقل في الصين مرة أخرى يعني أن الملايين بمقدروهم الآن العودة الي حياتهم الطبيعية وكذا خطوط الإنتاج والشركات، وبالتالي العودة إلى مسار التنمية السريعة والتعافي الكامل.
إن العدو الذي واجهته ووهان هو نفس العدو والخطر ونفس التحدي الذي تواجهه بؤر التفشي الحالية العالمية، ومن خلال تبني اجراءات مماثلة على الرغم من اختلاف الثقافات والأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية، يمكن لتلك المدن أن تتغلب أيضا على الفيروس وتسجل نتائج مشجعة.
مع ذلك، فإن القتال لم ينته بعد. في ووهان، لا يزال المسؤولون حذرين للغاية، مؤكدين أن "عدم وجود حالات جديدة لا يعني عدم وجود مخاطر وأن رفع الحظر لا يعني التخلي عن جهود مكافحة الفيروس". وفي نيويورك، قال رئيس البلدية بيل دي بلاسيو يوم الثلاثاء إنه بينما كان هناك "تقدم"، فإن المدينة لم تصل بعد إلى "نقطة تحول".
-- خطأ الانتقادات الغربية
في المراحل الأولى من تفشي كوفيد-19 في ووهان، اتهم الغرب بكين بانتهاك حقوق الإنسان بوضع ووهان تحت الإغلاق. لكن تلك الانتقادات بدأت تفقد جاذبيتها تدريجيا مع نجاح الإجراءات التي اتبعتها الصين، والتي ثبت أنها لم تكن مدفوعة بأيديولوجية، وإنما كانت نابعة من رغبة حقيقية في السيطرة على الأزمة وإنقاذ الأرواح.
وقال ويليام جونز، رئيس مكتب واشنطن لمجلة ((اكسيكيوتيف انتلجينس ريفيو)) في ولاية فرجينيا "أعتقد أن جميع الإجراءات التي اتخذتها الصين منذ نجاحها في التغلب على فيروس كورونا الجديد كانت مدفوعة بالأمل في إنقاذ الأرواح".
والمفارقة أن الاجراءات الصينية الصارمة في مكافحة الوباء كانت تتوالي، فيما كان يقترح بعض كبار المسؤولين في الولايات المتحدة والدول الأوروبية "حصانة القطيع". حتى أن البعض قال إن كبار السن إذا تم تشخيصهم بكوفيد-19، يجب أن يضحوا بحياتهم لحماية الوضع العام.
-- سلامة النظام السياسي والقدرة على الحكم
بغض النظر عن المسميات والتوصيفات لتداعيات كوفيد-19 ومقارنة البعض لها بالتأثيرات الناجمة عن الحرب العالمية الثانية أو الأزمة المالية العالمية، إلا أن الوباء يشكل اختبارا حمضيا لقدرة البلدان على الحكم.
عندما أصاب فيروس كورونا الجديد ووهان لأول مرة قبل ثلاثة أشهر قامت الصين بفرض اجراءات غير مسبوقة للسيطرة على الوباء وشاركت المعلومات بشأنه مع المنظمات الصحية الكبرى والدول في أنحاء العالم، وحشدت جميع أفراد الشعب في مواجهة الوباء.
وفوق كل ذلك، أفسحت الصين المجال كاملا لمزايا النظام الصيني لكي يعمل. وقد أبلت بلاء حسنا وأظهرت بشكل عام -- بشهادة الخبراء -- قيادة قوية وقدرات صناعية وتكنولوجية في تطبيق الإنترنت والبيانات الضخمة وغيرها.
وبينما كانت الصين تكافح الوباء ولا تزال بشراسة، لم تستغل دول أخرى في الجانب الآخر نافذة الفرصة التي أوجدتها الصين، وأضاعت المزيد من الوقت في انتقاد الصين وتسييسس الوباء حتى ارتداء قناع الوجه. من الواضح أن تلك الدول استخدمت التفشي كاستراتيجية لتقويض صورة الصين، وكانت النتيجة أنها لم تكبح انتشار الفيروس حتى الآن فحسب، بل أظهرت فشلها في إظهار قيادة ومسؤولية على الصعيد الدولي.
-- التضامن طوق النجاة
الفيروس لا يعرف حدودا أو أيديولوجيا. والتضامن والتعاون هما السبيل الوحيد للنجاة. ففي الوقت الذي ترددت فيه دول في تقديم المساعدة لدول أخرى وحتى الحصول على امدادات طبية من غيرها، قدمت الصين يد العون واستجابت بشكل نشط لطلبات الدول الأخرى بالمساعدة.
وفي يوم الجمعة، اتهم وزير داخلية ولاية برلين أندرياس جيزل الولايات المتحدة بالقرصنة بعد أن ورد أن واشنطن حولت شحنة من الأقنعة الموجهة لألمانيا. وأمر البيت الأبيض شركة تصنيع الأقنعة أم3 يوم الخميس بإعطاء الأولوية للطلبات الأمريكية ووقف تصدير الأقنعة إلى كندا وأمريكا اللاتينية.
ومع ذلك، لا تزال الولايات المتحدة تسعى إلى الأحادية والحمائية. ومن جانبها، عملت الصين على تعزيز التعاون الدولي بشكل استباقي، وقدمت الإمدادات الطبية والمشورة إلى البلدان المختلفة بالإضافة إلى إرسال فرق الخبراء الطبيين إلى المناطق المتضررة بشدة.
وقال أود أرني ويستاد، الأستاذ في جامعة ييل الأمريكية، "إن مساعدة الآخرين سترفع دائما مكانة الصين الدولية".
وللمضي قدما، أصبح التعاون العالمي أكثر أهمية من أي وقت مضى، لأنه في حين تتطلب مكافحة الفيروس عمليات الإغلاق، فإن الكفاح من أجل إنعاش الاقتصاد سيتطلب التدفق الحر للسفر والتجارة.
إن الصين سعت وستواصل السعي إلى التعاون مع البلدان الأخرى في مكافحة الوباء، ومن المأمول أن تتمكن جميع الدول من وضع خلافاتها السياسية جانبا والعمل سويا من أجل نفس الهدف ألا وهو هزيمة هذا العدو المشترك وإعادة تشغيل الاقتصاد العالمي.