رام الله 19 نوفمبر 2019 (شينخوا) يرى مراقبون فلسطينيون أن إعلان الإدارة الأمريكية دعم مستوطنات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة يعد بمثابة تقويض فعلي لرؤية حل الدولتين المدعومة دوليا لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
ويؤكد المراقبون في تصريحات منفصلة لوكالة أنباء ((شينخوا))، أن قرار واشنطن يمثل تهديدا واضحا، بإعادة الصراع إلى المربع الأول ويساهم في إطالة أمد النزاع في الشرق الأوسط بدلا من وضع حلول مناسبة له تتوافق مع قرارات الشرعية الدولية.
وقال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو مساء أمس الإثنين ، إن واشنطن لم تعد تعتبر المستوطنات في الضفة الغربية "غير متسقة مع القانون الدولي".
واعتبر المراقبون أن هذه التصريحات "لا تتوافق مع القانون الدولي"، خاصة وأنها تُعبر بشكل واضح عن تراجع عن رأي قانوني صدر عن الخارجية الأمريكية في عام 1978، يقضي بأن المستوطنات في الأراضي المحتلة "لا تتوافق مع القانون الدولي".
وقال بومبيو "بعد دراسة جميع جوانب النقاش القانوني بعناية، توافق هذه الإدارة ... على أن (إقامة) مستوطنات إسرائيلية في الضفة الغربية لا يتعارض في حد ذاته مع القانون الدولي".
وردت الرئاسة الفلسطينية مشددة على ان إعلان بومبيو "باطل ومرفوض ومدان ويتعارض كليا مع القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن خاصة القرار رقم 2334" المناهض للاستيطان الإسرائيلي.
وأكد الناطق باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة في بيان، أن الإدارة الأمريكية "غير مؤهلة أو مخولة بإلغاء قرارات الشرعية الدولية، ولا يحق لها أن تعطي أية شرعية للاستيطان الإسرائيلي".
تناقض مع الإجماع الدولي
يقول الدبلوماسي الفلسطيني السابق نبيل عمرو إن القرار الأمريكي المذكور يناقض كليا واقع الإجماع الدولي شبه الكلي باعتبار الاستيطان غير شرعي، والعقبة الأساسية التي تحول دون السلام والاستقرار في الشرق الأوسط.
ويعتبر عمرو أنه "بالمقياس السياسي المجرد فلا مغزى استثنائي مخيف لقرار واشنطن، وذلك لأن شرعية الاستيطان من عدمها لا تحددها إدارة أمريكية أو أي إدارة أخرى في العالم، لأن أساس رفضها ونزع الشرعية عنها هو بيد الفلسطينيين".
ويضيف أن "هذا القرار غير المنطقي وغير الأخلاقي بشرعنة الاستيطان أمريكيا فقط، لا يعدو كونه أكثر من وضع عصا أمريكية إضافية في عجلة السلام الذي صار مستحيلا في زمن (الرئيس الأمريكي دونالد) ترامب، وكثير من الإسرائيليين يرون ذلك ويقلقون منه".
وسبق أن صرح السفير الأمريكي لدى إسرائيل ديفيد فريدمان بأن الولايات المتحدة تتفهم رغبة إسرائيل بالاحتفاظ بأجزاء من الضفة الغربية، وهي أقوال أيدها المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط جيسون غرينبلات.
وتقاطع السلطة الفلسطينية الإدارة الأمريكية على صعيد الاتصالات السياسية منذ إعلان الرئيس دونالد ترامب نهاية عام 2017 الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
فشل مسبق لصفقة القرن
ويعتبر رئيس مؤسسة الدراسات الديمقراطية في رام الله جورج جقمان، أن قرارات واشنطن المتلاحقة ضد القضية الفلسطينية وآخرها دعم الاستيطان "دليل عملي على فشل مسبق لما تروج له الإدارة الأمريكية من نيتها طرح خطة للسلام تحت اسم صفقة القرن".
ويقول جقمان إن "الخطة الأمريكية تحولت عمليا إلى مجرد لغة إملاءات على الفلسطينيين وبدلا من أن تمهد الطريق لحل سلمي منتظر منذ عقود، جعلت أي مسار سياسي لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي غير ممكن ومستحيل".
ويشير الى أن إدارة ترامب "أضافت تعقيدات شديدة عبر محاولة فرض الاستسلام على الفلسطينيين وابتزازهم سياسيا واقتصاديا من أجل التنازل عن حقوقهم والقضاء على أي فرص حقيقية لإقامة دولة لهم".
وقررت إدارة ترامب في ديسمبر 2017 الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقلت سفارتها في مايو 2018، إلى المدينة التي يطالب الفلسطينيون أن يكون الجزء الشرقي منها عاصمة لدولتهم العتيدة.
كما اتخذت إدارة ترامب خلال العام الماضي سلسلة قرارات وصفت بأنها غير مسبوقة مثل إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن ووقف الدعم المالي عن الفلسطينيين وعن وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
وحتى الآن امتنعت واشطن عن طرح خطتها للسلام التي تسمى إعلاميا "صفقة القرن" كما تعهدت قبل ذلك، وسط مصاعب حادة تتعلق أساسا بالرفض الفلسطيني الشديد للتعامل مع هذه الخطة خاصة أنها لا تستند بشكل واضح حتى الآن على حل الدولتين.
تساوق مع خطط إسرائيل
يرى المحلل السياسي من رام الله أحمد رفيق عوض، أن إدارة ترامب أظهرت تساوقا غير مسبوق مع خطط اليمين الحاكم في إسرائيل لتقويض أي فرصة فعلية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة ومتصلة جغرافيا.
ويقول عوض إن إدارة ترامب "أظهرت بقراراتها المتلاحقة بخصوص القدس والمستوطنات دعما غير محدود لإسرائيل في ظل تفكك فلسطيني داخلي وانشغال عربي ودولي عن القضية الفلسطينية".
وينبه إلى خطورة القرار الخاص بدعم مستوطنات إسرائيل كونه يعني على الأرض إنهاء كليا لاتفاق أوسلو (للسلام المرحلي الموقع بين الفلسطينيين وإسرائيل عام 1993) وإجهاض حلم إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على الحدود المحتلة عام 1967 بما يعيد الصراع إلى المربع الأول.
ويقيم نحو نصف مليون مستوطن إسرائيلي في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية فيما أكدت عدة قرارات دولية أحدها صدر عن مجلس الأمن في نهاية ولاية الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، إدانة الاستيطان وطالبت بإنهائه.
ويعد ملف الاستيطان أبرز أوجه الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي وأحد الأسباب الرئيسية لتوقف آخر مفاوضات للسلام بين الجانبين قبل منتصف عام 2014 الماضي.
أضرار على إسرائيل
رحبت إسرائيل بإعلان الولايات المتحدة أنها لم تعد تعتبر المستوطنات منافية للقانون الدولي.
وصرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بحسب الإذاعة الإسرائيلية العامة، بأن الموقف الأمريكي "يعكس تصحيحا لظلم تاريخي والتأكيد على حقيقة التاريخ اليهودي في أرض إسرائيل".
وأضاف نتنياهو أن السياسة التي أعلنت عنها إدارة ترامب هي "سياسة صائبة تخدم فرص تحقيق السلام".
لكن المحلل الإسرائيلي براك ربيد كتب مقالا استعرض فيه أضرارا محتملة على إسرائيل جراء الإعلان الأمريكي بشأن المستوطنات ومدى قانونيتها.
وقال ربيد إن إعلان بومبيو "خطوة مهمة لأنه يغير الموقف القانوني لوزارة الخارجية الأمريكية الذي كان متبعًا منذ 1978، لكن الإدارة الأمريكية لم تزعم يوما بأن المستوطنات غير قانونية، والقرار الحالي هو مجرد إضفاء طابع رسمي فقط على السياسات التي تم اعتمادها حتى الآن".
ويضيف "هذا قرار تصريحي فقط، ليس له أي تأثير فعلي في المنطقة، وهو قرار سيسمح باستمرار الاتجاه السيء لتحويل إسرائيل لقضية مثيرة للجدل بين الديمقراطيين والجمهوريين في الولايات المتحدة، وسيمس بدعم الحزبيْن لإسرائيل".
ويشير ربيد إلى أنه "من الصعب أن نرى دولًا أخرى في العالم تتبنى نفس الموقف الأمريكي الجديد المتعلق بمسألة المستوطنات"، واستبعد أن يغير الموقف الأمريكي موقف الاتحاد الأوروبي بهذا الخصوص.
وقال انه من المهم أن نذكر أن للموقف الأوروبي بشأن المستوطنات آثارا فعلية على حياة المدنيين في إسرائيل، خلافًا للقرار التصريحي لبومبيو.
ويختم المحلل الإسرائيلي بأن هذا القرار الأمريكي سيشدد من الأزمة بين واشنطن والفلسطينيين، وسيزيد من التوتر مع الأردن، وسيصعّب أي تقدم نحو إجراءات تطبيعية بين الدول العربية وإسرائيل.