تعليق: هونغ كونغ لعبة القوى الكبرى، تمثل واجهة بين الصين والدول الغربية

مازالت "أزمة تعديل قانون تسليم المجرمين الهاربين" في هونغ كونغ مستمرة منذ خمسة أشهر حتى الحين، مما يدل على أن الوضع مازال بالغ التعقيد هناك. إن شوارع المدينة اليوم لا تحدث فيها مجرد مواجهات بين البلطجية والشرطة، لكن الخلفية الفعلية لهذه الفوضى أعمق بكثير من ذلك.

هناك حدس عام مفاده أن شؤون هونغ كونغ مرتبطة ارتباطا وثيقا بتدهور العلاقات الصينية الأمريكية، لكن ليس من السهل شرح ما يحدث هناك بالضبط، لأنه وفي الحقيقة حدس الناس هو الصحيح.

لقد عادت مدينة هونغ كونغ بالفعل إلى الصين وهي جزء لا يتجزأ من أراضيها، وفي الوقت نفسه، فإن نظام "دولة واحدة ونظامين" يشبه الجدار المَخفيّ. تكمن الميزة الخاصة لمنطقة هونغ كونغ الإدارية الخاصة في نظامها الرأسمالي الذي يجعلها مرتبطة بعلاقة خاصة مع المجتمع الغربي. وبشكل مجازي يمكن القول بأن هونغ كونغ هي مخرج الصين للخارج، كما أنها في نفس الوقت تمثل حافة للدول الغربية وصلة للصين مع هذه الدول. 

خلال السنوات التي تفاوضت فيها الصين بريطانيا، كانت علاقات الصين مع الغرب في أفضل حالاتها، وفي السنوات الأولى من اتباع نظام "دولة واحدة ونظامين" كانت العلاقات الصينية الغربية بشكل عام جيدة أيضا. وهذا ما يجعل لـ "دولة واحدة ونظامان" مساحة تنسيق أكبر سواء كان ذلك بالنسبة للصين أو بالنسبة للدول الغربية. وبما أن هونغ كونغ تعتبر صلة بين الصين والغرب فلديها ظروف تشغيل وافرة. خلال تلك السنوات كانت هناك بعض الاحتكاكات، لكنها كانت تحل بشكل سهل نسبيا. 

لكن المشكلة الكبيرة اليوم تكمن في العلاقة المعقدة للغاية بين الصين والولايات المتحدة التي اتخذت الصين منافسا استراتيجيا لها، وتعمل على الترويج للنضال الأيديولوجي والمواجهة مع الصين على المستوى الوطني، وقد تم الاستفادة من كل هذا بشكل كامل كما لم يحدث ذلك من قبل. أدى هذا التغيير في مواقف واشنطن إلى حرص بعض القوى الراديكالية في العالم الغربي على مهاجمة الصين، مما جعل من هذا التوتر الأيديولوجي بين البلدين الظاهرة الأبرز بين كل من الصين والولايات المتحدة (الغرب) منذ بداية تطبيق الصين لسياسة الإصلاح والإنفتاح.

وبالتالي فإن هونغ كونغ تواجه هذه المشكلة بمثابتها صلة بين الصين والغرب. الولايات المتحدة وبعض القوى الغربية الأخرى لم تعد على استعداد للعمل مع الصين للحفاظ على عمل هذه الصلة، بل على العكس من ذلك هي تعمل على تدميرها بشكل نشط. 

ونتيجة لذلك، فإن حكم تنفيذ القانون الذي يعتبر جوهر القيم الأساسية في هونغ كونغ، فقد سلطته في كبح الأنشطة العنيفة في المدينة، كما أن الولايات المتحدة تقوم بدعم هذه الأنشطة في إطار سياستها الخاصة المتعلقة بصراعها مع الصين. وبما أن هونغ كونغ تخضع لحكم الصين، فإن قدرات الولايات المتحدة وبعض القوى الغربية على التدخل فيها محدودة. كل هذا أدى إلى طريق مسدود فيما يتعلق بأزمة تعديل قانون تسليم المجرمين الهاربين، واستفحال مشاهد العنف التي تزداد سوءً. 

إن ازدهار هونغ كونغ يرجع لكونها صلة بين الصين والغرب، مما جعل منها حالة فريدة لا تتكرر في شرق آسيا بأكملها. وإذا كان هناك طرف واحد مصمم على التخلي عن هذه الصلة سواء كانت الولايات المتحدة أو البر الرئيسي الصيني فإن ذلك يعني كارثة حقيقية لمستقبل هونغ كونغ. والآن تعمل الولايات المتحدة على تشريع "قانون هونغ كونغ للديمقراطية وحقوق الإنسان" ما يعني التهديد العاري بأن واشنطن تريد التخلي عن هذه الصلة. 

تتمثل الطريقة الصحيحة بالنسبة لمجتمع هونغ كونغ في بذل جهود نشطة للحفاظ على دوره كصلة بين الصين والولايات المتحدة وبين الصين والقوى الغربية الأخرى، وألا يسمح بإعطاء الفرص للتدمير الخارجي لهذه الواجهة. في الوقت الحالي هناك بعض الأهالي في هونغ كونغ يشاركون في لعبة إغراء الذئاب للدخول إلى المنازل وهم غير مدركين تماما للخطر الذي يتهددهم.

لقد دمرت هذه الأزمة والعنف الناتج عنها إلى حد الآن سيادة القانون والحداثة في هونغ كونغ تقريبا، وحتى لو عاد الأمن والسلام إليها فمن الصعب للغاية إعادة بناء النظام والمؤسسات. وحتى استرجاعها مجددا للمزايا التي كانت تتمتع بها من قبل كمركز مالي دولي فمن الصعب ضمان ذلك أيضا. 

فقط عندما يتحد أهالي هونغ كونغ مع بعضهم البعض، يمكنهم إنقاذ مدينتهم من الحظ السيء الذي يتربص بها وذلك قبل فوات الأوان وانهيارها. يعتمد مصير الشخص في المقام الأول على نفسه، والشيء ذاته بالنسبة للمدينة أيضا.