بكين 5 يونيو 2019 / "السفينة الكبيرة، يمكنها أن تقطع رحلة طويلة"، هكذا قال شي جين بينغ نقلا عن قول روسي مأثور خلال أول زيارة له لروسيا بصفته رئيسا للصين في عام 2013.
كان الرئيس شي بقوله هذا يدعو الصين وروسيا إلى بذل جهود منسقة لبناء علاقاتهما لتصبح سفينة كبيرة وقوية بما يكفي لشق عباب البحر المتقلب للوضع الدولي.
إنه يطبق ما يدعو إليه. فخلال السنوات الست الماضية، التقى الرئيس شي بنظيره الروسي فلاديمير بوتين 30 مرة تقريبا في سلسلة قوية على نحو غير معتاد من دبلوماسية رؤساء الدول، وحول الرئيسان العلاقات الصينية الروسية إلى سفينة كبيرة تتسم بأعلى درجات الثقة المتبادلة، وأعلى مستويات التنسيق، وأعلى درجات الأهمية الاستراتيجية.
وذكر الرئيس شي خلال مقابلة مع وسائل الإعلام الروسية يوم الثلاثاء قبل زيارته الرئاسية الثامنة لروسيا "لقد أجريت تفاعلات أوثق مع الرئيس بوتين مقارنة بأي من الزملاء الأجانب الآخرين. إنه أفضل وأقرب صديق لي. وأنا أعتز اعتزازا كبيرا بصداقتنا العميقة".
وفي الوقت الذي تحتفل فيه الدولتان هذا العام بالذكرى الـ70 لإقامة العلاقات الدبلوماسية فيما بينهما، سافر الرئيس شي إلى روسيا اليوم (الأربعاء) في زيارة دولة أخرى إلى الجارة الشمالية للصين، حيث سيحضر أيضا ولأول مرة منتدى سان بطرسبرغ الاقتصادي الدولي.
وقال الرئيس شي إنه يتطلع إلى رسم مسار العلاقات الصينية الروسية مع الرئيس بوتين ورؤية أن شراكة التنسيق الاستراتيجية الشاملة بينهما تخطو إلى عصر جديد.
-- صداقة عريقة
أبحرت الصداقة بين الرئيسين في مطلع ربيع عام 2013 عندما وصل شي إلى العاصمة الروسية موسكو في أول زيارة خارجية له بصفته رئيسا للصين.
وإلى جانب حضوره أكثر من 20 نشاطا ولقاء مع أشخاص روس من مختلف مناحي الحياة، أصبح شي أول رئيس دولة أجنبي يقوم بجولة في مركز القيادة القتالية للقوات المسلحة للاتحاد الروسي.
وأكد الرئيس بوتين، الذي قضى ثماني ساعات مع الرئيس شي خلال زيارة الأخير التي استمرت يوما ونصف يوم، أن الزيارة كانت ذات أهمية تاريخية.
وفي واحدة من أكثر اللحظات التي لا تنسى في هذه الزيارة، أزاح الرئيس شي الستار في الكرملين عن صورة بورتريه لبوتين مطرزة بخيوط حريرية من 70 لونا. وأعجب بها بوتين إعجابا شديدا قائلا "إنها أسطورية، وفائقة الجمال، ومدهشة للغاية".
وقال الرئيس بوتين مازحا "لقد كنت أرتدي نفس ربطة العنق"، مشيرا إلى ربطة العنق القرمزية التي كان يرتديها في ذلك اليوم.
وقبل الزيارة التاريخية بفترة طويلة، تطور لدى الرئيسين شغف ببلد كل منهما الآخر.
فقد تأثر الرئيس شي، الذي وُلد في خمسينات القرن الماضي، بالأدب الروسي شأنه شأن آخرين من جيله في الصين. وأشار إلى كتاب روس بدءا من الشاعر ألكسندر بوشكين وصولا إلى الروائي أنطون تشيكوف عندما ألقى خطابا في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية.
وذكر الرئيس شي "لقد لمست سحر الأدب الروسي".
ويعد بوتين، المحب للرياضة، أحد محبي فنون القتال الصينية للدفاع عن النفس. وخلال زيارة دولة قام بها للصين في عام 2006، زار معبد شاولين، مهد رياضة الكونغ فو الصينية، الكائن عند السفح الغربي لجبل سونغشان في مقاطعة خنان بوسط الصين.
وبعد مشاهدته عرضا لفنون القتال، سار الرئيس الروسي نحو من قدموا العرض وقذف براهب يبلغ من العمر 8 سنوات إلى السماء والتقطه بثبات على كتفه.
-- رباط لا ينفصم
في سبتمبر عام 2016، كانت مدينة هانغتشو شرقي الصين تكتوى بالحر القائظ. وحينها، قام الرئيس بوتين، الذي وصل إلى هذه المدينة لحضور قمة مجموعة العشرين، بإهداء الرئيس شي مرطبات مثالية -- عبارة عن علبة من الآيس كريم الروسي.
وبعدها، انطلق في الصين شغف بهذا المنتج الروسي المميز، ليعود بالفائدة على الكثير من صانعي الآيس كريم. فقد استقبلت شركة متخصصة في صناعة الآيس كريم ومقرها مدينة خاباروفسك بالشرق الأقصى الروسي، وفقا لما ذكره مديرها، ما يقرب من 100 مستورد صيني في غضون ثلاثة أشهر بعد القمة.
ويعد هذا مثالا بارزا على الطريقة التي حفزت بها التفاعلات بين الرئيسين شي وبوتين التعاون بين بلديهما.
وقال الرئيس شي خلال زيارة دولة لروسيا في عام 2015 "يولي كلانا أنا والرئيس بوتين اهتماما كبيرا بالتعاون بين الصين وروسيا في مجال التجارة والاقتصاد ونعمل بنشاط على تعزيزه".
وعندما قررت الصين استضافة منتدى دولي في عام 2017 حول مبادرة الحزام والطريق، وهو اقتراح يهدف إلى بناء شبكة من التجارة والبنية التحتية تربط آسيا بأوروبا وإفريقيا بطول المسارات التجارية لطريق الحرير القديم، كان الرئيس بوتين من أوائل الزعماء الذين قبلوا الدعوة. وحضر أيضا الدورة الثانية من المنتدى.
وتحت قيادة الرئيسين، تجسدت إنجازات بارزة في تحقيق الترابط بين مبادرة الحزام والطريق والاتحاد الاقتصادي الأوروآسيوي الذي تقوده روسيا. ولم يؤد هذا الترابط إلى تعزيز الازدهار الإقليمي فحسب، وإنما بعث أيضا برسالة للعالم بشأن التزام الصين وروسيا باقتصاد عالمي مفتوح.
وبنفس هذه الروح من الدعم المتبادل حضر الرئيس شي المنتدى الاقتصادي الشرقي الذي عُقد في مدينة فلاديفوستوك الروسية وسيعتلى المنصة في منتدى سان بطرسبرغ الاقتصادي الدولي.
أما الأمر الذي يحمل أهمية أبعد أثرا، فيكمن في أن الرئيسين أثرا أيضا في كيفية رؤية الشعبين الصيني والروسي لكل منهما الآخر وتعاملهما مع بعضهما البعض.
وفي عام 2015، عندما كان الرئيس شي يمنح أوسمة تذكارية لمحاربين قدامى روس قاتلوا في ساحة المعركة بالصين خلال حرب المقاومة الصينية ضد العدوان الياباني، شاهد أحدهم وكان يبلغ من العمر 90 عاما وهو يواجه صعوبة في المشي.
"دعني آتي إليك"، هكذا قال الرئيس شي للجندي المخضرم. وأثار هذا الموقف المؤثر في نفوس الشعبين الصيني والروسي ذكريات حية للصداقة العريقة التي تضرب بجذورها في أعماق التاريخ بين البلدين والتي تشكلت بالروح والدم إبان فترة الحرب.
وارتكازا على هذا الأساس، ينقل الشعبان أواصر العلاقات بينهما من جيل إلى جيل.
-- فكر متشابه
في عام 2017، منح بوتين شي أرفع الأوسمة الروسية، وهو وسام القديس أندراوس. وقال بوتين لشي "رغم أنك قائد بلد عظيم، إلا أنك لم تتحدث كثيرا عن مساهماتك الخاصة. أنك في غاية التواضع".
وأشار إلى أن "العديد من القضايا الرئيسية بين روسيا والصين إما تم حلها أو إحراز تقدم فيها بفضل جهودكم الشخصية"، مضيفا أن "هذا دليل على مساهماتكم البارزة في بناء العلاقات الروسية الصينية".
وبعد مرور عام، قام شي بمنح بوتين وسام الصداقة الأول من نوعه لجمهورية الصين الشعبية.
إن دور القيادة العملي الذي يقوم به الرئيسان في تعزيز العلاقات الصينية الروسية ينبثق عن منظورهما المشترك حول أهمية العلاقات الثنائية وحول القضايا الدولية.
وقد قال الرئيس شي في مقابلة مع وسائل الإعلام الروسية "إننا نتقاسم وجهات نظر متشابهة بشأن المشهد الدولي وأساليب الحوكمة الوطنية"، مضيفا "...والأهم من ذلك، أننا نتقاسم درجة عالية من التوافق حول الأهمية الإستراتيجية للعلاقات الصينية الروسية وبالتالي نفس التصميم والرغبة في تعميق نموها واستدامته".
كما أكد الرئيس بوتين في مناسبات عدة أن تعميق شراكة التنسيق الإستراتيجية الشاملة مع الصين يعد أحد أولويات السياسة الخارجية لروسيا.
وذكر الرئيس شي، خلال زيارة الدولة الأولى التي قام بها لروسيا قبل ست سنوات، أن الصين وروسيا تتمتعان بأحد أهم العلاقات الثنائية وأفضل العلاقات بين الدول الكبرى في العالم.
ويرى أن العلاقات الصينية الروسية رفيعة المستوى والقوية لا تخدم مصالح الجانبين فحسب، وإنما تلعب أيضا دورا هاما في الحفاظ على التوازن الإستراتيجي الدولي والسلام والاستقرار العالميين.
وذكرت يانا ليكسيوتينا الأستاذ بجامعة سان بطرسبرغ الحكومية أن هذا الخط من التفكير وجه التفاعل بين الصين وروسيا داخل كل من الإطارين الثنائي ومتعدد الأطراف، مشيرة إلى أنه "على مدى سنوات عديدة، بذل البلدان جهودا لتحسين نظام الحوكمة العالمي لجعله أكثر إنصافا وشمولا".
وصرح دميتري نوفيكوف النائب الأول لرئيس لجنة الشؤون الدولية بدوما الدولة الروسي في مقابلة أجرتها معه وكالة أنباء ((شينخوا)) مؤخرا بأن التفاعل رفيع المستوى على نحو لم يسبق له مثيل بين الصين وروسيا أصبح نموذجا متقدما للعلاقات بين الدول في عالم اليوم.
وأضاف "ليس من المبالغ فيه أن نقول إن الناس العاديين على كوكب الأرض ينظرون إلينا بأمل وثقة، في انتظار إنشاء نظام عالمي أكثر إنصافا".