أصدر مكتب الإعلام لمجلس الدولة صباح أمس الاحد 2 يونيو الجاري كتاب أبيض حول "موقف الصين إزاء المشاورات الاقتصادية والتجارية الصينية-الأمريكية" الذي من المقرر ان يتم نشره بثماني لغات، بما في ذلك الصينية والإنجليزية والفرنسية والروسية والألمانية والإسبانية والعربية واليابانية وغيرها من اللغات الاجنبية الاخرى. وتعتبر هذه النسخة الثانية من " الكتاب الابيض" التي تصدرها الصين في أعقاب النسخة الاولى من الكتاب حول حقائق الاحتكاكات الاقتصادية والتجارية بين الصين والولايات المتحدة والموقف الصيني الصادرة في 24 سبتمبر من العام الماضي.
يعتبر الكتاب الأبيض بيانا رسميا للحكومة الصينية، ولا يمكن التقليل من أهمية ما يتضمنه من محتوى، ونبرز فيما يلي النقاط الرئيسية الأربعة في النسخة الثانية من " الكتاب الابيض" حول المشاورات الاقتصادية والتجارية الصينية-الأمريكية": ـ
أولا: اختيار التوقيت
أصدرت النسخة الثانية من " الكتاب الابيض" يوم 2 يونيو، بعد يوم واحد من بدأ سريان الجولة الجديدة من التدابير المضادة التي اتخذتها الصين ضد الولايات المتحدة: فرض الصين رسومات جمركية من 25 ٪ إلى 5 ٪ على المستوردة من الولايات المتحدة، تصل قيمتها بنحو 60 مليار دولار. لكن، الامر المثير للاهتمام بعد اعلان الجانب الصيني دخول التدابير المضادة حيز التنفيذ هو اصدار موقع مكتب الممثل التجاري الامريكي رسالة مفادها طلب تمديد موعد تنفيذ الرسوم الجمركية 25 ٪ المقرر يوم 1 يونيو الى ما بعد نصف شهر.
والجدير بالذكر هو أن " الكتاب الأبيض" تم اصداره قبل الجولة المقبلة من المشاورات الاقتصادية والتجارية بين الصين والولايات المتحدة ، وخاصة قبل قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان. ما جعل العالم الخارجي يتطلع الى معرفة ما إذا كان قادة الصين والولايات المتحدة سيعقدون اجتماعًا حول القضايا الاقتصادية والتجارية في هذه القمة، وماذا سيتناول الاجتماع من مواضيع؟ لذلك، يمكن اعتبار النسخة الثانية من " الكتاب الابيض" بأنها موقف الصين من الجولة المقبلة من المشاورات الاقتصادية والتجارية وحتى الاجتماع بين قادة الصين والولايات المتحدة.
ثانيا: الدفاع بالسلاح الأمريكي
استشهدت النسخة الثانية من " الكتاب الابيض" حول "موقف الصين إزاء المشاورات الاقتصادية والتجارية الصينية-الأمريكية" لدحض الاتهامات الامريكية الكاذبة بآراء وبيانات المسؤولين الأمريكيين والغرفة التجارية ومركز الفكر ومنظمات الدولية الأخرى، على سبيل المثال، دعوة الولايات المتحدة إلى فرض رسوم جمركية على الصين، مما سيؤدي الى تضييق العجز التجاري بين البلدين وجعل الولايات المتحدة "عظيمة مرة أخرى"، لكن العكس هو الصحيح. وقد تضمن " الكتاب الابيض" " تقرير تصدير الولايات الى الصين ـ 2019" الصادر عن اللجنة الوطنية للتجارة الأمريكية -الصينية: خلال الفترة من 2009 الى 2018، دعمت الصادرات الامريكية الى الصين أكثر من 1.1 مليون وظيفة في الولايات المتحدة. وعندما اشتدت الاحتكاكات التجارية بين الصين والولايات المتحدة في عام 2018، تراجعت الصادرات من 34 ولاية أمريكية الى الصين، وأصيبت ولايات الغرب الأوسط الزراعية بأكبر قدر من الضرر.
ووفقًا لتقرير بحثي صادر عن "شركاء تجاريون" من مجموعة الأبحاث الأمريكية، فإن فرض الولايات المتحدة تعريفة جمركية بنسبة 25٪ على جميع الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة، سيتم تخفيض الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة بنسبة 1.01٪، وسيتم تخفيض الوظائف بمقدار 2.16 مليون، وستزيد النفقات السنوية لأسرة مكونة من أربعة أفراد سنويًا بمبلغ 2،294 دولار. ولكن لماذا لا تزال الحكومة الأمريكية تصر على حرب تجارية؟ بكل بساطة، عندما لم تتمكن الاصلاحات المحلية من تحريك مجموعة المصالح، فإن الولايات المتحدة تبحث عن " كبش فداء"، لتخبر الناخبين أن الصين سرقت التكنولوجيا الأمريكية، وسرقت الوظائف في البلاد، وسرقت أموال الولايات المتحدة. وهذه مجموعة من "خطاب البلاغة الانتخابية".
ثالثا: الجانب الأمريكي مسؤول عن عدم نجاح المفاوضات
الجميع يتذكر المشاورات قبل شهر، وكيف غير ترامب وجهه فجأة قبل ذهاب الوفد الصيني الى الولايات المتحدة للتشاور متهما الصين بتأخير عملية التفاوض وهدد بفرض تعريفة بنسبة 25 ٪ بمقدار 200 مليار دولار أمريكي. وأصدرت الولايات المتحدة في وسائل الإعلام الدولية عددًا كبيرًا من الأخبار بأن موقف الصين يتراجع وأن الصين تقوض المفاوضات، بهدف دفع مسؤولية الإحباط من التشاور إلى الجانب الصيني. ولأول مرة، تكشف الصين عن تراجع الولايات المتحدة عن وعودها في 3 عمليات خلال عام واحد، ليعرف الجميع المسؤول الحقيقي في خرق الاتفاق. وذكر الكتاب الابيض: " الدولة المتحضرة لا تلجأ إلى تدابير قوية إلا عندما تفشل الأساليب اللطيفة." والمعنى واضح للغاية، الصين تتشاور مع الآخر قبل كل عملية، لكن إذا كان المنافس يفقد روح التشاور، فإنها ستتخذ التدابير اللازمة للرد.
رابعا: لا تنازل في القضايا المبدئية
كشف نائب رئيس مجلس الدولة الصيني ليو خه، لأول مرة خلال لقائه مع وسائل إعلام صينية، عقب اختتام الجولة الـ11 للمشاورات الاقتصادية والتجارية رفيعة المستوى عن الشواغل الأساسية الثلاثة للصين يمكن تلخيصها على النحو التالي: ـ
أولاً، إلغاء جميع التعريفات الجمركية المضافة شرط مسبق للتوصل الى اتفاق.
ثانياً ، ضرورة الاعتناء بواقع التنمية في الصين في مسألة زيادة حجم المشتريات التجارية، وليس بشكل مبالغ فيه.
ثالثا، التمسك بتوازن النص، وهذه المسألة تنطوي على السيادة والكرامة. والصين لن تغير نظامها وإجراءاتها تلبية لمتطلبات أمريكا من أجل التوصل الى اتفاق، لان هذا تدخل في الشؤون الداخلية.
واوضحت النسخة الثانية لـ " الكتاب الابيض "أيضًا: أن على كل من الصين والولايات المتحدة أن يريا ويعترفا بالاختلافات في مستوى ومراحل التنمية في البلدين، وتحترما مسار التنمية والنظام الأساسي لكل منهما. ومن المستحيل توقع حل جميع المشكلات من خلال اتفاقية واحدة، وكذلك يجب أن يسد احتياجات كلا الطرفين وتحقيق توازن الاتفاقية.
ويمكن تلخيص ذلك في نقطة واحدة: "الصين لن تتنازل في القضايا المبدئية".
التفاوض والتشاور هي لعبة بين كيانين متساوين ، والموقف الأساسي هو أن تكون متساوية ومتبادلة المنفعة ونزيهة ، وإذا تراجع خطوة إلى الوراء، فسأرجع خطوة إلى الوراء. كيف يمكن لأحد الطرفين أن يقدم الشروط وقبول الطرف الآخر بشكل سلبي فقط، وهذا ما يسمى "معاهدة غير متكافئة". وتلمس هذه الكلمة الأعصاب التاريخية في العالم الروحي للشعب الصيني وترتبط بالكرامة الوطنية. وإذا كانت الولايات المتحدة تفهم التاريخ الصيني، فلا ينبغي أن تكون مذنبة بهذه القضية.