بكين 27 ابريل 2019 /عندما أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الموجود في بكين لحضور الدورة الثانية لمنتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي، مجددا أن مصر كانت أول دولة عربية أقامت العلاقات الدبلوماسية مع الصين وذلك خلال لقائه الرئيس الصيني شي جين بينغ يوم 25 ابريل الجاري، فلا يجسد هذا التأكيد افتخار مصر بقرارها التاريخي الصائب فحسب، بل يعكس ما تتحلى به من الرؤية الاستراتيجية الثاقبة.
ومعلوم أن مصر هي أول دولة عربية وأفريقية أقامت علاقات دبلوماسية مع الصين عام 1956، كما سبقت بالفعل أيضا الدول العربية والأفريقية الأخرى لإقامة علاقات التعاون الاستراتيجي مع الصين في عام 1999، الأمر الذي يبرز الذكاء السياسي والرؤى بعيدة المدى للبلدين.
وبعدما طرحت الصين مبادرة الحزام والطريق عام 2013، سرعان ما ارتقت الصين ومصر بعلاقاتهما إلى شراكة استراتيجية شاملة في ديسمبر 2014 خلال زيارة دولة قام بها الرئيس السيسي للصين، وبذلك أصبحت مصر ثاني دولة عربية تقيم علاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة مع الصين.
ومنذ ذلك الوقت، دشنت الصين ومصر فصلا ذهبيا جديدا على ضوء البناء المشترك للحزام والطريق، لاسيما وأن مصر قد أضحت واحدة من طليعة الدول المشاركة في بناء الحزام والطريق مع الجانب الصيني.
وعندما طرحت الصين مبادرة الحزام والطريق التي تمثل طموحا صينيا تاريخيا يهدف الى تعزيز ترابط شبكات البنية التحتية وتيسير الاستثمار والتجارة في شتى أرجاء العالم على أساس التشاور الشامل والبناء المشترك والنفع المتبادل، كانت مصر صاحبة الرؤية البعيدة المدى على دراية تامة بالفرص الضخمة الناتجة عن المبادرة.
ولم يكن حرص مصر على بناء الحزام والطريق حبرا على ورق، بل سعت لتحويل الأقوال إلى أفعال على أرض الواقع، حيث تعد مصر واحدة من الدول الـ57 المؤسسة للبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية والذي يقدم دعما ماليا ضخما لبناء الحزام والطريق. وتتعاظم أهمية مشاركة مصر في تأسيس هذا البنك بالأخص عندما نعلم أن الدول الـ57 تضم بلدين أفريقيين فقط هما مصر وجنوب أفريقيا.
وعلى صعيد متصل، وقعت الصين ومصر على مذكرة تفاهم بشأن بناء الحزام والطريق في يناير 2016 خلال زيارة دولة قام بها الرئيس شي لمصر. كما تم توقيع عدة اتفاقيات للتعاون الثنائي تتضمن مجالات البنية التحتية والكهرباء والمالية والثقافة وغيرها.
وأثمرت الجهود الصينية المصرية نتائج ايجابية عديدة بشأن البناء المشترك للحزام والطريق. فعلى سبيل المثال، جنت منطقة السويس للتعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين ومصر ثمارا متزايدة حيث احتضنت 77 شركة باستثمار فعلي يتجاوز مقداره مليار دولار أمريكي مقابل ما يربو على مليار دولار امريكي من قيمة المبيعات حتى نهاية 2018. كما ساهمت المنطقة التي تنشئها شركة تيدا الصينية بما يعادل 3500 فرصة عمل مباشرة ونحو 30 ألف فرصة عمل غير مباشرة للمصريين فضلا عن تحقيق إيرادات ضريبية بقيمة مليار جنيه مصري للحكومة المحلية.
وبات من الواضح أن مبادرة الحزام والطريق فتحت فضاء رحبا للتعاون الصيني المصري، حيث وقعت الدولتان على اتفاقية حول بناء أكبر مشروع عالمي لتوليد الكهرباء بالفحم النظيف في مصر بالعام 2018.
ومن بناء العاصمة الإدارية الجديدة إلى تدشين مشروعات رئيسية في البنية التحتية بمصر، دائما ما تلعب الشركات الصينية دورا مميزا، ما يرمز الى الثقة المتبادلة بين البلدين.
وفي الوقت الذي تضفي فيه المشروعات الكبرى بعدا هاما على التعاون الصيني المصري، يحظى التعاون الثنائي بدعم فكري هام حيث تأسس مركز دراسات وأبحاث طريق الحرير بالتعاون بين جامعة الشعب الصينية وجامعة عين شمس، والذي يعد أول مركز لدراسة الحزام والطريق في مصر.
ولا يخفى على أحد أن الصين ومصر شريكان وثيقان وستسطران صفحة أجمل في بناء الحزام والطريق، لاسيما وأن التصريحات الأخيرة لزعيمي الدولتين قدمت أقوى تفسير وأفضل دليل على ذلك، حيث قال الرئيس الصيني شي جين بينغ إن حضور الرئيس السيسي لمنتدى الحزام والطريق الثاني للتعاون الدولي يعكس مشاركة مصر بإخلاص في مبادرة الحزام والطريق.
ومن جانبه، قال السيسي إن مصر ترغب في التعلم من خبرة الصين الناجحة في التنمية ومواءمة خطة التنمية بها مع مبادرة الحزام والطريق وتعميق التعاون الثنائي في نطاق واسع من المجالات.
كما أكد في كلمته خلال مراسم افتتاح المنتدى أن حرصه على المشاركة في المنتدى إنما ينبع من اهتمام مصر بمبادرة الحزام والطريق، حيث تتناول المبادرة قطاعات ومجالات حيوية ذات أولوية بالنسبة لمصر في إطار رؤية مصر 2030.
الأمر الآخر اللافت للنظر أن الزيارة الجارية للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي هي زيارته السادسة للصين خلال خمس سنوات، مما يدل على الجهد الحثيث للرئيس السيسي والدبلوماسية العملية لمصر، حيث سرعان ما أصبح السيسي صديقا قديما للشعب الصيني في وقت قصير كونه يسعى الى خلق مستقبل جديد وأفضل لمصر.
ولا شك أن الجهود الدؤوبة للجانبين الصيني المصري في إطار البناء المشترك للحزام والطريق ستقوي التقارب والتفاهم والمنفعة المتبادلة للدولتين المنفتحتين والمحبتين للسلام.