بكين 26 مارس 2019 / بسطور قليلة ذات خط جميل على صفحة عنوانه، قدمت النسخة الفرنسية الأصلية من كتاب "مدخل إلى تعاليم كونفوشيوس"، وهو الكتاب الذي نشر في عام 1688 بغطاء أمامي بني اللون، إلى الرئيس الصيني شي جين بينغ هدية وطنية من نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، عندما اجتمع الزعيمان يوم الأحد في مدينة نيس بفرنسا.
وهذه ليست المرة الأولى التي ترحب فيها الدولة، المشهورة بمتحف اللوفر وتصميمات الموضة، بوصول الرئيس شي. وفي عام 2014، ألقى الزعيم الصيني خطابا مهما في مقر اليونيسكو في باريس، مستعرضا رؤيته الحضارية التي تتسم بالتنوع والمساواة والشمول.
وقال شي "نحتاج إلى تشجيع الحضارات المختلفة على احترام بعضها البعض والعيش معا في تناغم في حين تعزيز التبادلات والتعلم المتبادل على أنه جسر للصداقة بين الشعوب وقوة دافعة خلف المجتمع الإنساني وسند قوي للسلام العالمي."
وعلى مدار خمس سنوات، تشارك الصين الدول والمناطق المختلفة في تعزيز التبادلات بين الحضارات.
تناغم دون تطابق
وقال شي في اليونسكو إن "تحقيق التناغم مثل إعداد حساء سميك. فقط مع المقادير المناسبة من الماء والخل وصوص اللحم والملح وثمار البرقوق والنار المناسبة للطهي يمكن طبخ السمك واللحم بمذاق طيب ومضبوط ... من يستطيع تناول الحساء بالماء فقط دون باقي المكونات؟"
ونقلا عن باحث صيني قديم، قدم شي للعالم الفهم الصيني للتناغم المتأصل في روح الشعب الصيني وينعكس في الممارسات الدبلوماسية للبلاد.
وقال شي في مؤسسة (كوربر) بألمانيا عام 2014 إن "الصين قدمت للعالم إعلانها الرسمي منذ فترة طويلة بأنها ملتزمة بدفع التنمية السلمية. وتسعى من أجل تطوير نفسها عن طريق التمسك بالسلام العالمي والحفاظ عليه من خلال تنميتها."
وشدد شي بشكل متواصل، خلال سلسلة من المناسبات العالمية، على حكمة "التناغم دون التطابق" التي يلتزم بها الصينيون ويقدرونها.
وأضاف أن الصين تحتاج إلى السلام "مثلما يحتاج البشر إلى الهواء والنبات إلى ضوء الشمس. لا توجد الهيمنة أو العسكرة في جينات الصينيين."
وفي كلمته المهمة في مكتب الأمم المتحدة في جنيف عام 2017، قال شي إن "الصين ستقوم بدورها جيدا فقط عندما يقوم العالم بدوره جيدا والعكس صحيح". بما أن الصين أكبر دولة نامية في العالم، وجدت الصين أنها لن تستطيع تحقيق أهدافها التنموية أو تحقيق إسهامات أكبر في العالم دون سعي قوي وثابت للتنمية السلمية.
وبما أن الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم وأكبر دولة صناعية وتجارية بالعالم، فإن الصين، التي تمتلك أكبر احتياطي من النقد الأجنبي، ساهمت بأكثر من 30 بالمئة في نمو الاقتصاد العالمي وانتشلت أكثر من 700 مليون من مواطنيها من الفقر.
ومنذ ما يقرب من قرن مضى، قال الفيلسوف البريطاني بيرتراند راسل، قال إنه يوجد شيء في القيم والأخلاقيات الصينية يعني الكثير للعالم المعاصر. واليوم ووسط التعافي الضعيف للاقتصاد العالمي وازدياد الصراعات الإقليمية وزيادة الإرهاب، وجه العالم نظره نحو الشرق.
وبدون الشوفينية وعقلية اللعبة الصفرية، تعزز الصين الاحترام المتبادل والمساواة والتعاون المربح للطرفين. ولعبت البلاد دورا بناء في معالجة القضايا العالمية مثل نزع السلاح النووي من شبة الجزيرة الكورية والصراعات في الشرق الأوسط.
وقال مارتن جاك، بروفيسور في جامعة كامبريدج، إن الصين تقدم "نموذجا جديدا" و"إمكانية جديدة" للعالم.
وذكر بيتر بيسترون، عضو في لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الألماني، أن "السياسة السلمية الصينية عامل رئيسي للاستقرار في العالم وملاذ للسلام في آسيا."
الشمول والتعلم المتبادل
وقال شي في اليونسكو "زرت العديد من المناطق في العالم. وأفضل شيء أريد فعله هو التعرف على الحضارات الأخرى من الخمس قارات، ومعرفة ما يجعلها مختلفة وفريدة وكيف تفكر شعوبها في العالم والحياة وما تعتز به."
وأوضح "تعزيز أنشطة التبادلات والتعلم المتبادل بين الحضارات يمكنه زيادة إثراء ألوان الحضارات المتنوعة وزيادة تمتع الشعوب بالحياة الثقافية وفتح مستقبل بخيارات أكثر."
وعلى مدار الخمسة أعوام الماضية، زار الرئيس الصيني أكثر من 50 دولة، وخلال جولاته استشهد بالشاعر الهندي رابيندرانث تاجور والكاتب المسرحي الإنجليزي وليام شيكسبير والمؤلف الأمريكي مارك تواين لتدعيم التبادلات الثقافية وتقديم الفكرة الصينية الخاصة بالتمسك بالشمول للعالم.
وفي الكتاب الأكثر مبيعا بالولايات المتحدة بعنوان "عصر شي جين بينغ: استراتيجيته الشاملة تجاه الحلم الصيني"، يصور شي على أنه رجل له رؤية ثقافية عظيمة ولديه معرفة عميقة بالفلسفة والتاريخ والأدب والفنون والموسيقى.
وفي خطابه في جامعة أوروبا في بلجيكا عام 2014 ذكر شي أنه "بالنسبة إلي، شارب الشاي المعتدل والمحب الكبير للجعة يمثلان طريقين لفهم الحياة ومعرفة العالم، وأجدهم متساويين في المنفعة والتكافؤ."
وقال في زيارة الدولة التي أجراها في الهند 2014 إنه "توجد أوجه تشابه مدهشة بين التايتشي الصيني واليوجا الهندي، والطب التقليدي الصيني وأيورفيدا الهندي. الفلسفة الحياتية لشعبينا على مدار آلاف السنين متشابهة للغاية."
وفي خطاب آخر له في جيلدهول في لندن عام 2015، قال الرئيس الصيني إن تانغ شيان تسو، كاتب مسرحي صيني، كان معاصرا لوليام شيكسبير، وتوفيا عام 1616.
وفي عيون المراقبين الأجانب، يعد شي سيد سرد القصص وقصصه ممتعة ولها معنى.
وفي 27 سبتمبر 2014، شهدت الذكرى الـ10 لأول معهد كونفوشيوس تلقي الزعيم الصيني رسائل من 286 معهد كونفوشيوس من أكثر من 90 دولة ومنطقة.
والآن، أقامت الصين 548 معهد كونفوشيوس و1193 فصل دراسي لكونفوشيوس في 154 دولة ومنطقة، بوجود 1.87 مليون طالب مسجل، بحسب أحدث البيانات.
وقال شي على طاولة حوار القادة في منتدى التعاون الدولي للحزام والطريق عام 2017 "نأمل في بناء جسور التبادلات الشعبية وتحقيق حياة أفضل للشعوب."
مجتمع دولي له مصير مشترك
وفي خطابه بمناسبة العام الجديد عام 2019، قال شي "سنواصل دفع البناء المشترك للحزام والطريق ودعم تنمية مجتمع مصير مشترك للبشرية. وسنعمل دون كلل من أجل مزيد من الازدهار والجمال في العالم."
وتجلب هذه الكلمات لذاكرتنا خطابه في اليونسكو، حيث دعا المجتمع الدولي إلى السعي نحو أخذ "الحكمة والغذاء من الحضارات المختلفة. والعمل معا لمعالجة التحديات التي تواجه البشرية."
وفي المؤتمر الوطني الـ19 للحزب الشيوعي الصيني عام 2017، حث شي شعوب كل الدول على "بناء عالم منفتح وشامل ونظيف وجميل يتمتع بالسلام الدائم والأمن الشامل والرخاء المشترك."
وعلى مدار العامين الماضيين، دمجت دعوة شي في الوثائق المختلفة مثل قرارات مجلس الأمن وقرارات مجلس حقوق الإنسان وإعلان تشينغداو لمجلس رؤساء الدول الأعضاء في منظمة شانغهاي للتعاون والمنتدى بشأن خطة عمل بكين للتعاون الصيني-الأفريقي (2019-2021).
وقال ديفيد جوسيت، مؤسس المنتدى الأوروبي-الصيني، إن الصين تتبع مفهوم "داتونغ" أو "عالم بتناغم كبير" منذ العصور القديمة، وفكرة بناء مجتمع مصير مشترك للبشرية هو إعادة تفسير لـ"داتونغ" في القرن الـ21.
وأضاف أنه مع التنمية المتواصلة للصين، فإن الفكرة -- المتعمقة في الحكمة الصينية -- سيكون لها تأثير عميق على العالم.
وبناء على فكرة المصير المشترك، أطلقت الصين سلسلة من المشروعات في إطار مبادرة الحزام والطريق من أجل توفير فرص تنموية للدول على طول المبادرة.
وفي عام 2018، وخلال إلقاء كلمته في ندوة في بكين بمناسبة الذكرى الخامسة للمبادرة، أشار شي إلى أنها مبادرة للتعاون الاقتصادي وليست للتحالف الجيوسياسي أو التحالف العسكري، وهي مبادرة منفتحة وشاملة وليست تكتلا خاصا أو "نادي الصين".
واليوم وقعت 123 دولة و29 منظمة دولية على إجمالي 171 اتفاقية للحزام والطريق مع الصين.
وأقيم خط سكة حديدية مومباسا-نيروبي بمساعدة الشركات الصينية وأطلق في 2017، ووفر 50 ألف فرصة عمل للسكان المحليين. ومن المتوقع أن يدفع إجمالي الناتج المحلي الكيني بنحو 1.5 بالمئة على أساس سنوي.
ويوفر خط السكة الحديدية السريع الصين-أوروبا فرصا جديدة لأوروبا ويضخ زخما جديدا في التجارة الصينية-الفرنسية التي تجاوز حجمها 60 مليار دولار أمريكي عام 2018.
وقال كيث بينيت، نائب رئيس "نادي مجموعة 48" البريطاني، إن مبادرة الحزام والطريق شاملة وتوفر فرصا عظيمة للاستثمار والتنمية لعقود."
وأضاف أنها "تركز على البنية التحتية والارتباطية وتوفر أفضل أساس ممكن لتعزيز التنمية الاقتصادية الشاملة وتحسين أحوال معيشة الشعوب في المستقبل."