سيم رياب، كمبوديا 30 يناير2019 / مع غروب الشمس فوق مدينة أنغكور التراثية العريقة في منطقة غابات شمال غربي كمبوديا، يشع مجمع معابد على جبل تا كيو، ويلمع كالذهب مع شعاش الشمس.
لقد تُرك مجمع المعابد هذا لنحو 900 سنة، ولكنه بعد وقت قصير من بدء أعمال ترميمه وتزيينه، عاد هذا المجمع النفيس، إلى رونقه، على أيدي خبراء آثار مختصين من الصين وكمبوديا.
هذا المشروع الجاري حاليا هو المرحلة الثانية من دعم تقدمه الحكومة الصينية لتجديد وتحديث والحفاظ على معابد أنغكور، بعدما تم إكمال مشروع تطوير وإحياء معبد تشاوساي تيفادا، عام 2008.
لقد ظل الخبراء الصينيون يعملون مع نظرائهم المحليين لنحو عقدين من الزمن، للحفاظ على هذا التراث النفيس في كمبوديا.
إن التعاون الصيني-الكمبودي في الحفاظ على معابد أنغكور وحمايتها هو نموذج للصداقة الطويلة الأمد والروابط الثقافية الوثيقة بين البلدين. ويعكس أيضا تعزيز إطار التعاون المتنامي بين الصين ورابطة دول جنوب شرقي آسيا(الآسيان)، من أجل المزيد من دفع وتوثيق التبادلات الشعبية.
--إحياء وحماية كنوز حضارية
يضم مجمع معابد أنغكور 200 صرحا معماريا صخريا تمتد على مساحة 400 كم مربع شمال غربي كمبوديا. وقد تم ضم المجمع إلى قائمة التراث الثقافي العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتعليم والعلوم والثقافة (اليونيسكو)، عام 1992.
ولكن، بسبب الأمطار الغزيرة، وحوادث سرقة ونقص الحماية على مدى قرون عديدة، تعرضت معظم معابد أنغكور، التي بُنيت بين القرنين الـ7 والـ13، لدمار خطير.
ومن أجل توفير أفضل الحماية لهذه الكنوز الحضارية الإنسانية، انضمت الصين بحرص ونشاط إلى لجنة التنسيق الدولية لصيانة وتطوير الموقع التاريخي لأنغكور، وهي حملة عالمية أطلقتها كمبوديا واليونيسكو عام 1993.
ومن تشاوساي تيفادا إلى تا كيو، حظي فريق الخبراء الصيني بثقة الشعب الكمبودي، وحقق سمعة طيبة بفضل عمله وتجاربه الثمينة.
لقد وصل جين تشاو يو، وهو مهندس حماية آثار من الأكاديمية الصينية للتراث الثقافي، إلى أنغكور، أول مرة، عام 2013، وكان في الـ35 من عمره.
قال جين في حديث مع ((شينخوا)) "لقد قرأت الكثير جدا من الوثائق ورأيت الكثير من الصور لجبل تا كيو وأنا في الصين، ولكن مازلت أشعر بالدهشة والخشوع لرؤية عظمته مباشرة"، ولذلك، كرس نفسه لحماية هذه المعابد العريقة، رغم أن هذه العظمة والقيمة التراثية، تضع الخبراء الصينيين أمام تحد صعب.
--الحفاظ على العراقة الفريدة
قال جين إنه بالمقارنة مع الموقع التراثي الذي أكملت صيانته عام 2008، يغطي موقع جبل تا كيو مساحة أكبر، وهو أكثر خطورة صخرية وتعرجا بالممرات، وضعفا بقنوات الصرف الصحي، وهناك أجزاء بناء هامة سقطت بفعل الزمن، ومن الصعب إعادتها.
وأضاف "أن كل جزء حجري في هذا المجمع، يتميز بموقع فريد مميز. وإذا وضعناه بموقع خطأ، فستتوسع فجوة الخطأ مع استمرارنا بالعمل طبقة إثر طبقة، وهذا يعني استحالة تحقيق إعادة الترميم بشكل دقيق".
وأوضح قائلا "أقول بصراحة، إن جوهر عملنا هو البحث ثم المطابقة، يعني أن نجد الأجزاء الساقطة من البناء المعماري، وإعادتها بصورة دقيقة تماما إلى مواقعها".
وعرض المهندس جين نظاما كومبيوتريا لنموذج ثلاثي الأبعاد 3D، يستخدمه فريق الخبراء الصيني في بحوثه مئات المرات، وقال جين "يمكنني من خلال الكومبيوتر، قياس أبعاد كل حجر، وكل فجوة تركها سقوط حجر، وأبحث عن الحجر المناسب الذي يسد الفجوة تماما وبشكل دقيق تماما".
ورغم دقة شرحه، ولكن يبدو أن القول أسهل من الفعل. لقد عمل عشرات من الخبراء الصينيين من مجالات مختلفة، منها رسم الخرائط والتصاميم وجيولوجيا المنطقة والتراث والهياكل المعمارية والبيئة الحيوية، عملوا معا مع نظرائهم الكمبوديين للتغلب على عقبات جمة، وأمضوا 8 سنوات، حتى يعيدوا إحياء هذا الموقع العريق على جبل تا كيو.
إن الحفاظ على معابد أنغكور التراثية الهامة، هو المرة الأولى التي تشارك فيها الصين رسميا في برنامج تراث عالمي كبير، وهذا يعكس إلى حد ما التعاون الثقافي ضمن مبادرة الحزام والطريق، مع دول الآسيان، وفقا لما قاله شيو يان، نائب مدير الأكاديمية الصينية للتراث الثقافي.
أضاف شيو"لقد حققنا التكامل بين مفاهيم حماية تراث معترف بها عالميا وبين مبادئ حماية صينية، وطورنا أسلوبنا الصيني لعملنا في حماية وصيانة أنغكور. وقد حظي عملنا بإشادة عالية من كمبوديا واليونيسكو ولجنة التنسيق الدولية لصيانة وتطوير الموقع التاريخي لأنغكور".
--تعزيز التبادلات الشعبية
لقد وضعت الصين ورابطة الآسيان خريطة طريق هي رؤية الشراكة الاستراتيجية بين الصين وآسيان لعام 2030، من أجل المزيد من تعزيز شراكتهما الاستراتيجية، وتحقيق المزيد من التعاون الثنائي المنفعة، وصولا لهدف بناء مجتمع أكثر وثوقا ومصيرا مشتركا بين الصين والآسيان.
قال هو بنغ، نائب مدير الإدارة الوطنية للتراث الثقافي بالصين، إن حماية التراث الثقافي لها أهمية كبرى للتنمية المستدامة للبشرية، ويمكن أن تكون منصة بالغة الأهمية لتعزيز التبادلات بين الشعوب.
أما وزير الثقافة والفنون الجميلة الكمبودي، فويرنغ ساكونا، فقال لـ((شينخوا)) إن الصين ظلت شريكا رئيسيا في المساعدة على إحياء وصيانة التراث الثقافي الكمبودي.
وأضاف "أقدر عاليا وأشكر كثيرا الحكومة الصينية لدعمها كمبوديا في صيانة تراثنا الثقافي"، مشيرا إلى أن هذه المساعدة من الصين لا تحمي المعابد العريقة فحسب، بل تسهم أيضا في تدريب الآثاريين الكمبوديين وتطوير مهاراتهم في التجديد والصيانة.
من جانبه، قال نيوث بيونغ، رئيس فريق التقنيين الكمبوديين في مشروع موقع جبل تا كيو، وهو يجلس على سلم صخري قرب مجمع المعابد إنه "عندما نعمل هنا، يمضي عملنا، كلا فريقي العمل الصيني والكمبودي، بشكل سلس، ونتعامل مع بعضنا البعض كالأخوة".
وأضاف "لقد تعلمنا الكثير من المعارف والمهارات منهم (فريق الخبراء الصيني). إن مشروع موقع تا كيو يكتمل، ولكني أرغب فعلا ببقائهم هنا معنا، ومساعدتنا على صيانة المزيد من المعابد في أنغكور."
وبعد وقت قصير، ستبدأ أعمال التحديث والصيانة للقصر الملكي في أنغكور، بمساعدة مالية من الصين.
وباعتباره المرحلة الثالثة من الدعم الصيني لكمبوديا لحماية وصيانة معابد أنغكور، من المتوقع أن يستمر مشروع القصر الملكي 11 عاما.
قال الوزير ساكونا "نحن واثقون من إمكانيات الخبراء الصينيين. ومن خلال هذه المشاريع، نأمل بأن يصبح الخبراء الكمبوديون أكثر إمكانية للقيام بأعمال الترميم والصيانة بأنفسهم في المستقبل.