نيويورك 25 ديسمبر 2018 /مازالت مخاطر الهبوط قائمة بالنسبة للنفط الخام وسط الاضطراب المستمر في نهاية العام في كل من السعرين القياسيين، رغم التعهد الذي قطعته منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) على نفسها بخفض الإنتاج في العام المقبل.
وتزايد الحذر بين المستثمرين بسبب المخاوف من أن يصبح السوق راكدا وعالقا بين زيادة العرض وضعف الطلب. وفي خضم المخاوف المتراكمة، يتم تداول النفط الخام بالقرب من أدنى مستوى له في 18 شهرا، مع تراجع كل من السعرين القياسيين بأكثر من 40 في المائة منذ أن سجلا أعلى مستوياتها في أربع سنوات في أوائل أكتوبر.
وبدءا من يوم الاثنين، وفي جلسة التداول الأخيرة قبل الكريسماس، انخفض خام غرب تكساس الوسيط إلى أدنى مستوى له وهو 42.53 دولار أمريكي، فيما استقر خام برنت عند 50.47 دولار، ليقفل عند أدنى مستوى له في 16 شهرا.
-- تزايد العرض رغم اتفاق أوبك بخفض الإنتاج
ثمة قلق واسع النطاق من أن السوق العالمية ستواجه وفرة في العرض في عام 2019، رغم اتفاق بين أعضاء أوبك ودول أخرى منتجة رئيسية للنفط بما في ذلك روسيا لتخفيض الإنتاج في العام المقبل.
وينص الاتفاق، الذي وقع في السابع من ديسمبر في فيينا، على خفض الإنتاج بمقدار 1.2 مليون برميل يوميا خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2019، حيث تعهد أعضاء أوبك بخفض 800 ألف برميل يوميا، فيما تعهد المنتجون من خارج أوبك بخفض إنتاجهم بواقع 400 ألف برميل يوميا.
ومع ذلك، لايزال المستثمرون متشككين فيما إذا كان التخفيض المحتمل سيخفف فائض العرض، حيث تقوم البنوك الاستثمارية الكبرى بإضاءة الأضواء الحمراء.
ومن المتوقع أن يصل سعر خام برنت إلى ما يزيد قليلا عن 69 دولارا أمريكيا للبرميل فى عام 2019، وهو أقل من توقعات نوفمبر التي بلغت حوالى 77 دولارا أمريكيا، وفقا لما أظهره استطلاع أجرى مؤخرا وشمل 13 بنكا استثماريا وأجرته صحيفة ((وول ستريت جورنال)).
ومن المتوقع أن يصل سعر خام غرب تكساس الوسيط إلى ما يزيد قليلا عن 63 دولارا أمريكيا في المتوسط للبرميل، مقارنة بتوقعات نوفمبر التي بلغت 70 دولارا.
وجاء هذا الاستطلاع في وقت تسارع فيه نمو الإنتاج هذا العام من قبل دول منها الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وروسيا.
وقال فرانسيسكو بلانش، رئيس بحوث السلع والمشتقات في مؤسسة ميريل لينش التابعة لبنك أوف أمريكا، قال لوكالة أنباء ((شينخوا)) "في النهاية، جاءت أوبك + المصالح في المرتبة الأولى، كما توقعنا، فيما جاءت بقية دول العالم في المرتبة الثانية. فالبلدان الأعضاء لديها قضاياها الخاصة في الميزانية واحتياطي النقد الأجنبي، وأمريكا الآن مستقلة في الطاقة".
فمن المتوقع أن يصل إنتاج سبعة أحواض من الصخر الزيتي في الولايات المتحدة إلى 8.166 مليون برميل يوميا في يناير، وذلك بفضل تسجيل أكبر زيادة وهي 134 ألف برميل يوميا منذ شهر سبتمبر، وفقا لأحدث تقرير صدر عن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية.
وفي الوقت الحالي، تعتبر الولايات المتحدة أكبر منتج للنفط في العالم من خلال ضخ ما يقدر بـ10.88 مليون برميل يوميا، متخطية السعودية وروسيا. وتراجعت مخزونات النفط الأمريكية أخيرا للأسبوع الثالث على التوالي بعد الزيادات التي سجلت على مدة 10 أسابيع على التوالي، وفقا لبيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية.
وقال ريموند كاربوني رئيس شركة ((بارامونت أوبشنز)) ومقرها نيويورك إن "أرقام الإنتاج الأمريكية مدهشة للغاية"، واصفا الأمور التي تحدث في سوق النفط بأنها "تخلق عاصفة من الهبوط".
ومع الازدياد المستمر في الإمداد الأمريكي، قالت مؤسسة ((وود ماكنزي)) وهي مؤسسة بحوث واستشارات مقرها بالمملكة المتحدة، في مطلع ديسمبر، إنها تتوقع زيادة سنوية بمقدار 2.4 مليون برميل يوميا، في إنتاج خارج أوبك.
وقالت آن لويس هيتل، نائبة رئيس المؤسسة لشئون أسواق النفط "إن هذا يقارن مع توقعاتنا للطلب على النفط، حيث ستزداد بواقع 1.1 مليون برميل يوميا خلال عام 2019، الأمر الذي يترك مجالا صغيرا لزيادة ملموسة في إنتاج أوبك خلال العام المقبل، ويجعل تخفيض الإنتاج ضروريا لتحقيق استقرار الأسعار".
-- مخاوف من نمو اقتصادي منخفض
لقد توقعت وكالة الطاقة الدولية انخفاضا آخر في الطلب على النفط عالميا، بواقع 1.4 مليون برميل يوميا، خلال عام 2019، بينما توقعت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية زيادة مقدرة بـ1.5 مليون برميل يوميا.
ويتوقع بأن مثل هذا القلق سببه هو المخاوف المتعمقة إزاء النمو الاقتصادي العالمي المتباطئ، وسط علامات مثل البيع المتسرع للأسهم العادية، والتحديات العالمية الناجمة عن التوترات التجارية والعقوبات الأمريكية على إيران.
قال وزير الطاقة السعودي خالد الفالح للصحفيين في الرياض في وقت سابق "إن ما حدث مؤخرا حسب رأيي هو نتيجة تأثير العديد من القضايا غير النفطية، ومنها قضايا جيوبوليتكية". ومن المتوقع أن يلتقي أعضاء أوبك ومنتجين من خارج المنظمة في إبريل القادم 2019.
ومن المتوقع أن استهلاك النفط في اقتصادات ناشئة في آسيا، مثل الصين والهند، اللتين تشكلان نحو ثلثي الطلب العالمي على النفط، سينخفض نتيجة انخفاض متوقع في النمو الاقتصادي.
قالت مؤسسة ((بانك أوف أميريكا- ميريل ليتنش)) مؤخرا إنه "من المحتمل أن تشهد معظم الاقتصادات الرئيسية انخفاضا في النشاط، ويتوقع أن يكون النمو الحقيقي في إجمالي الناتج المحلي هو 1.4 بالمائة في كل من اوروبا واليابان، و4.6 بالمائة بشكل عام بين الأسواق الناشئة".
وكان الدولار الأمريكي القوي قد وضع هو الآخر ضغطا على النفط في الأشهر الأخيرة، لأن التقلبات المستمرة في أسواق الأسهم قد دفعت قيمة هذه العملة التي تعتبر ملاذا آمنا، لمستوى أعلى، وجعلت النفط المُسعّر بالدولار عموما، أغلى. وساهمت زيادة مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لسعر الفائدة للمرة الرابعة هذا العام، بالمزيد من تعقيد الوضع من خلال تأجيج القلق إزاء النمو الاقتصادي المتباطئ.
وكان الأثر المركب للدولار المتزايد القيمة، وكلفة الإقراض الأعلى، قد أعاق الطلب في اقتصادات الأسواق الناشئة الرئيسية، وجعل المستثمرين يتفادون الأسهم والأصول المالية ذات المخاطرة على ضوء الاقتصاد العالمي، ومنها النفط الخام والأسهم العادية.
وما زاد الأمر سوءا هنا هو الإغلاق الجزئي للحكومة الأمريكية وما أسهم به من خسائر في الأسهم العادية، حيث هبط مؤشر داو جونز الصناعي 600 نقطة، بينما كان مؤشرا ناسداك وستاندر آند بورز S&P500 مترنحين بالسوق يوم الإثنين.
وهبطت أسعار النفط بالعقود الآجلة تماشيا مع هبوط أسعار الأسهم، حيث شكلت أسهم الطاقة نحو 6 بالمائة من رأس مال السوق عالميا، وفقا لمؤسسة ((يو بي اس UBS)) السويسرية.
وقالت هذه المؤسسة الاستثمارية في تقرير مؤخرا "إن الألم القصير الأمد لأسعار النفط المنخفضة بالنسبة للشركات وللمنتجين يمكن أن يغطي على مكاسب على المدى الطويل لمستهلكي النفط، كما في عام 2015. وفي 18 ديسمبر، ساهم انخفاض 2.4 بالمائة في أسهم الطاقة بمحو مكاسب مبكرة في مؤشر S&P".
ويشعر المحللون أيضا بالقلق إزاء ما يمكن أن يحدث لاحقا بعد أن ينتهي خفض الإنتاج الذي تقوده أوبك، في النصف الثاني من عام 2019، رغم أن الوزير السعودي الفالح قد عبر عن التفاؤل الأسبوع الماضي، بإمكانية تمديد اتفاق ديسمبر بقيادة أوبك.
وقال وزير الطاقة السعودي "سنلتقي في إبريل، وأنا متأكد من أننا سنمدده(الاتفاق). ونحتاج لمزيد من الوقت لتحقيق هذه النتيجة".