دمشق 2 نوفمبر 2018 / يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية عالقة الآن في وضع حرج في شمال سوريا بين حلفائها المتصارعين، وهما الأتراك والأكراد، وتحاول تخفيف حدة التوتر الواقع بينهما من خلال نشر قوات للفصل بينهما.
لقد دأبت الولايات المتحدة على دعم قوات سوريا الديمقراطية المعروفة اختصارا (قسد)، ومساندتها منذ فترة طويلة في المعارك ضد مقاتلي تنظيم"الدولة الإسلامية-داعش"، حيث تمكنت(قسد) من هزيمة تنظيم (داعش) في عاصمته الفعلية بالرقة في شمال سوريا في عام 2017.
واستمر الدعم الأمريكي لقوات سوريا الديمقراطية في حربها ضد تنظيم (داعش) في الجيب الأخير على الضفة الشرقية لنهر الفرات في محافظة دير الزور الشرقية بالقرب من الحدود العراقية.
ولكن قوات سوريا الديمقراطية عانت من نكسة في الموجة الأولى من الهجوم الذي انطلق في 10 سبتمبر/ أيلول الماضي، حيث شن تنظيم (داعش) هجوما مضادا مؤخرا مستغلا سوء الأحوال الجوية، وتمكن من استعادة جميع المناطق التي سقطت في يد قوات سوريا الديمقراطية، في وقت كانت فيه قوات سوريا الديمقرطية تحشد قواتها وتستقدم تعزيزات عسكرية لخوض معركة للقضاء على تنظيم (داعش) في الجيب الأخير في ريف دير الزور الشرقي بمحاذاة الحدود العراقية .
ورأى محللون أن الخطة قد تمضي بسلاسة مع الهجوم الثاني لـ(قسد) واعتقدوا أنه سيكون أكثر قوة لتحقيق هدفه وهو القضاء على (داعش) في شرق الفرات. لكن دخول تركيا، المعروفة بعدائها للأكراد في الشمال السوري، وإطلاقها تصريحات بأنها مستعدة لشن هجمات على مواقع تابعة للأكراد في شرق تركيا، بجانب نهر الفرات، قد تسبب في إرباك المشهد.
وبدأت القوات التركية بالفعل في قصف مواقع تابعة لقوات سوريا الديمقراطية في شمال سوريا خلال الأيام القليلة الماضية، مما دفع قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة إلى وقف مؤقت لبدء المرحلة الثانية من المعارك لمدة 24 ساعة، قبل استئنافها يوم الخميس الماضي .
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان، ومقره لندن، في تقرير له يوم الجمعة إن القوات التركية قد قصفت فعلا قرية خاضعة للسيطرة الكردية في ريف محافظة الرقة مساء الخميس.
وأضاف المرصد، الذي يعتمد على شبكة ناشطين على الأرض، أن "الاستعدادات مستمرة على الضفة الغربية لنهر الفرات من جانب القوات التركية وحلفائها من المسلحين السوريين، لشن هجمات على القوات الكردية".
وعلى الرغم من التوتر المتوقع أن يتفاقم مع الولايات المتحدة، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم الثلاثاء الماضي إن بلاده انتهت من وضع خطط لعملية "شاملة وفعالة" تستهدف الجماعات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة في شرق نهر الفرات.
ويعكس الموقف التركي الرغبة في دحر الميليشيا الكردية في شرق الفرات، بعد أن دفعتهم تركيا بالفعل إلى الانسحاب من الجانب الغربي للنهر في عمليتين عابرتين للحدود في عامي 2016 و 2018.
وفي ظل هذا الوضع بالذات، أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية في وضع حرج بين تركيا، التي تعتبر حليفاً أساسياً بحلف الناتو، والأكراد، حلفاء واشنطن الموثوق بهم على أرض الواقع في سوريا، والذين يحققون مكاسب إقليمية ضد (داعش) في شرق سوريا.
ولتخفيف حدة التوتر، نشرت الولايات المتحدة يوم الجمعة قوات على طول الخط الفاصل بين جانبي نهر الفرات لاحتواء الوضع، وفقا لما ذكره المرصد السوري لحقوق الإنسان.
كما أنها تقوم بدوريات مشتركة مع تركيا بين منطقة مجلس منبج العسكري الذي يتزعمه الأكراد، والمسلحين المدعومين من تركيا في ريف مدينة منبج.
وتخضع منبج في ريف حلب الشمالي لسيطرة مجلس منبج العسكري، المدعوم من قوات سوريا الديمقراطية التي يتزعمها الأكراد، في حين أن الريف في المدينة يسيطر عليه المسلحون المتحالفون مع تركيا داخل مظلة تسمى "درع الفرات".
وذكر المرصد السوري أن الولايات المتحدة نشرت أيضا قوات على الشريط الحدودي بين تركيا وسوريا في المنطقة الواقعة بين نهري الفرات ودجلة.
بالإضافة إلى ذلك، انتشرت القوات الأمريكية أيضًا في مدينة عين العرب (كوباني) التي يسيطر عليها الأكراد، في الريف الشمالي من حلب على الجانب الشرقي من الفرات، لمنع أية مواجهة.
وقال أيهم ماجد، الخبير السياسي السوري في القضايا الكردية، لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن الولايات المتحدة تشعر حاليا بالحرج بسبب قصف القوات التركية للقوات الكردية.
وأضاف أن القيام بدوريات بين الأكراد والقوات المدعومة من تركيا هو محاولة من قبل الولايات المتحدة لاحتواء الموقف.
ويعتقد ماجد أن هدوءا نسبيا سيسود بعد الدوريات المشتركة حتى نهاية العام، مشيرا إلى أنه في غضون شهرين، يمكن للقوات الكردية أن تسيطر على ما تبقى من الجيب في شرق سوريا.
وأكد الخبير السياسي أن الجانب التركي سيكون أكثر جدية في استهداف الأكراد فيما بعد.
وقال "خلال الشهرين المقبلين، ستتاح الفرصة للأكراد لتعزيز مفاوضاتهم مع دمشق، حيث أن الطريقة الوحيدة لحماية المناطق في شرق الفرات هي من خلال نشر قوات الحكومة السورية".
وخلال الحرب المستمرة منذ أكثر من سبع سنوات في سوريا، أوضحت تركيا أنها لن تتسامح مع نفوذ الأكراد المتزايد شمال سوريا بالقرب من الحدود التركية.
ودعمت أنقرة بالفعل المسلحين السوريين لدفع القوات الكردية للخروج من مدينة عفرين شمال سوريا في وقت سابق من هذا العام. وفتحت الحكومة السورية مؤخراً الباب أمام المفاوضات مع القوات الكردية .
وفي الوقت نفسه، شددت الحكومة السورية أيضا على أن جميع المناطق السورية يجب أن تعود تحت سيطرة الحكومة.