بكين 31 أكتوبر 2018 /اختتم نائب الرئيس الصيني وانغ تشي شان يوم الثلاثاء جولة بدأت يوم 22 أكتوبر الجاري إلى بلدان عربية وهي فلسطين ومصر والإمارات العربية المتحدة، حيث التقى رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمد الله، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ونائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، على التوالي.
وخلال جولته، أجرى نائب الرئيس الصيني وانغ تشي شان محادثات مثمرة مع زعماء الدول الثلاث، حيث ناقشوا موضوعات التعاون في شتي المجالات. وأشاد نائب الرئيس الصيني وانغ تشي شان بالثقة السياسية المتبادلة بين الصين والدول الثلاث والتعاون الثنائي المثمر معها. كما اتفقوا على تعزيز التفاهم والدعم المتبادل في الشؤون ذات الصلة والشؤون الإقليمية والدولية. وأعربوا عن عزمهم وتطلعهم إلى الارتقاء بالعلاقات الثنائية إلى مستوى جديد. كما تم التوقيع على مذكرة تفاهم حول بدء محادثات التجارة الحرة بين الصين وفلسطين وغيرها من الوثائق، إلى جانب التوقيع على وثائق تعاون في مجالات الزراعة والتعليم والثقافة مع مصر.
وقد قوبلت زيارة نائب الرئيس الصيني وانغ تشي شان بأصداء إيجابية من المسؤولين ووسائل الإعلام في الدول الثلاث، حيث قال وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي إن زيارة نائب الرئيس الصيني وانغ تشي شان لفلسطين أظهرت أن الصين تعلق أهمية كبرى على القضية الفلسطينية وعملية السلام بين فلسطين وإسرائيل، بالإضافة إلى خلق مناخ يفضي إلى السلام والاستقرار في الشرق الأوسط والعالم. وفي مصر، أشارت صحيفة ((الأهرام)) إلى أن زيارة نائب الرئيس الصيني وانغ تشي شان تبرز دعم بلاده للجهود التي تبذلها مصر في مجال التنمية وفي إطار مكافحة الإرهاب واقتلاع التطرف والتوصل إلى حلول سياسية لتسوية الأزمات التي تمر بها المنطقة. أما في الإمارات، فقد أشار وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش إلى أن دولة الإمارات تتشرف بالترحيب بزيارة نائب الرئيس الصيني وانغ تشي شان، مؤكدا أن الزيارة ستعطي دفعة جديدة لروابط الصداقة بين الإمارات والصين.
جدير بالذكر أن مبادرة "الحزام والطريق" كانت من أهم الموضوعات التي أدرجت على جدول الأعمال خلال زيارة نائب الرئيس الصيني وانغ تشي شان إلى الدول العربية الثلاث. وعبر وانغ عن تقديره لمشاركة كل من الدول العربية الثلاث في بناء "الحزام والطريق" والإنجازات التي حققتها المبادرة بالتعاون معهم. وتعهد بأن تعمل الصين على تعزيز التعاون العملي المتكامل مع الدول الثلاث في هذا الإطار بما يخدم المصالح المشتركة للشعوب.
وتعد زيارة نائب الرئيس الصيني وانغ تشي شان المهمة توطيدا وامتدادا لثمار التعاون الثنائي التي طرحتها سلسلة من التبادلات الصينية العربية المكثفة في العام الجاري، حيث سجلت هذه التبادلات على المستويين الرفيع والشعبي إنجازات ملحوظة، ما كان إيذانا بدخول العلاقات بين الصين والعالم العربي مرحلة جديدة.
فقد فُتح فصل جديد في العلاقات الصينية العربية مع قيام الرئيس الصيني شي جين بينغ بزيارة إلى دولة الإمارات في الفترة من 19 إلى 21 يوليو الماضي. وعكست زيارة الرئيس شي مكانة الإمارات في "دائرة أصدقاء" الصين، حيث تعد الإمارات أول دولة يزورها شي بعد إعادة انتخابه رئيسا للصين في مارس الماضي. وخلال الزيارة، تعهد الجانبان بتعزيز التعاون الشامل في مختلف المجالات، واتفقا على الارتقاء بالعلاقات الثنائية من علاقات الشراكة الإستراتيجية إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية الشاملة. كل ذلك يعكس مدى التطور الذي شهدته العلاقات الثنائية وبلوغها قمة تألقها، كما يقدم نموذجا للتعاون الثنائي الإيجابي.
وفي الواقع، لا يقتصر التعاون الصيني العربي على التعاون بين الصين ودولة عربية ما، بل يمتد إلى البلدان العربية كافة. والدورة الثامنة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي التي عقدت في بكين يومي 10 و11 يوليو الماضي خير دليل على ذلك حيث كانت حدثا مهما آخر في مسيرة العلاقات الصينية العربية.
فبعد 14 عاما من تأسيسه، جاء منتدى التعاون الصيني العربي في دورته الثامنة على خلفية سعي الصين والعالم العربي إلى التغلب على الفوضى في منطقة الشرق الأوسط وتحقيق اختراقة جديدة في التعاون. على سبيل المثال، قدم البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية 210 ملايين دولار لتمويل مشروع للطاقة المتجددة في مصر، ليصبح هذا أول تمويل يمنحه البنك لدولة خارج آسيا. ووقعت الصين وسلطنة عمان مذكرة تفاهم لبناء "الحزام والطريق" في مايو الماضي، وبذلك صارت "دائرة أصدقاء" الصين على طول "الحزام والطريق" تضم تسع دول عربية. كما أطلقت الصين بنجاح أول قمر اصطناعي جزائري للاتصالات من مقاطعة سيتشوان جنوب غربي الصين، ليصبح هذا أول مشروع تعاوني بين الصين والجزائر في مجال الفضاء... وكل هذا أرسى حجر أساس للدورة الثامنة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي في إطار مبادرة "الحزام والطريق".
وفي ظل ذلك، أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ في المنتدى أن الصين والدول العربية اتفقتا على تأسيس "شراكة إستراتيجية ذات توجه مستقبلي للتعاون الشامل والتنمية المشتركة". ورغم أن الصين أقامت شراكة إستراتيجية مع الكثير من الدول العربية منذ زمن، إلا أن هذه هي المرة الأولى التي تقيم فيها الصين شراكة إستراتيجية مع الدول العربية مجتمعة. وهكذا، ضخ المنتدى قوة دفع في مسار العلاقات بين الصين والعالم العربي وحدد اتجاها ثابتا ورسم طريقا واضحا لتنمية الشراكة الإستراتيجية بين الجانبين.
جدير بالذكر أنه تم خلال المنتدى التوقيع على الإعلان التنفيذي بين الصين والدول العربية الخاص ببناء "الحزام والطريق"، حيث تعد الصين والدول العربية شريكا تعاون طبيعيين في بناء "الحزام والطريق". وفي هذا الإطار، طرحت الصين في المنتدى سلسلة من الإجراءات العملية التي تغطي كافة المجالات بين الجانبين وتتمثل فيما يلي: أعلنت الصين عزمها منح قروض للتنمية الاقتصادية قيمتها 20 مليار دولار لعدة دول عربية، وتم تأسيس الرابطة الصينية العربية للبنوك، كما تم إنشاء المركز الصحفي الصيني العربي وتدشين المكتبة الرقمية العربية الصينية...وبهذا، لا تطرح الصين خطة ضخمة للتعاون الثنائي فحسب، وإنما تتخذ أيضا إجراءات تفصيلية لتطبيق هذه الخطة.
أما من ناحية التعاون الثقافي والشعبي الذي يلعب دورا فريدا في دفع العلاقات الصينية العربية، فها هو يشهد تقدما وازدهارا هذا العام، حيث عقدت الدورة الرابعة لاجتماع وزراء الثقافة لمنتدى التعاون الصيني العربي يوم 25 أكتوبر الجاري في مدينة تشنغدو بمقاطعة سيتشوان، بمشاركة مندوبين من 21 دولة عربية. وقد تعهدت الصين بتنظيم تبادلات بين خمس آلاف فنان من الصين والدول العربية في السنوات الأربع المقبلة، ودفع التعاون بين أكثر من مائة جهاز ثقافي صيني وعربي.
وفي نفس اليوم، اختتمت في مدينة تشنغدو الدورة الرابعة لمهرجان الفنون العربية التي أعلن انطلاقها في منتدى التعاون الصيني العربي في يوليو الماضي. وفي غضون ثلاثة أشهر فقط، أقام الجانبان الصيني والعربي أكثر من 20 فعالية في الصين تغطي مجالات الكتب والرقص وفن الخط والتصوير وغيرها من المجالات. وهذه الفعاليات تدفع التفاهم والصداقة بين الجانبين وتلعب دورا إيجابيا في الربط بين قلوب الشعب الصيني والشعوب العربية، الأمر الذي يسهم في مواجهة التحديات الثقافية الهائلة في ظل العولمة.
وفي هذا الإطار، يمضى التعاون والعلاقات بين الصين والدول العربية قدما في كافة المجالات مدفوعا بسلسلة من الزيارات رفيعة المستوى والفعاليات المهمة. ومن المتوقع خلال الشهرين المتبقيين من العام الجاري أن يبرز على طريق التعاون بين الجانبين مزيد من المعالم البارزة ومن بينها على سبيل المثال لا الحصر معرض الصين الدولي للواردات المقرر إقامته بمدينة شانغهاي في الفترة من 5 إلى 10 نوفمبر بمشاركة عدة دول عربية، ما سيسهم بدوره في دفع العلاقات الثنائية في المرحلة الجديدة.
وتتشارك الصين والدول العربية، باعتبارهما قوتين سياسيتين مهمتين على المسرح الدولي، في هدف التنمية المشتركة وحلم النهوض. وارتكازا على التعاون الجيد ومنصة التعاون الثابتة متعددة الأطراف والتوافقات المشتركة القيمة، تقف العلاقات الصينية العربية أمام آفاق واسعة ومشرقة.