تسببت الحرب التي دامت أكثر من سبع سنوات في سوريا في اضرار بشكل لم يسبق له مثيل. ووفقا لبيانات لجنة الامم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا)، كلفت الحرب سوريا خسائر بلغت حوال400 مليار دولار، وهذا الرقم لا يشمل الخسائر الناجمة عن الاصابات وهجرة الكفاءات العالية. وفي نفس الوقت، تسببت الحرب في سقوط مئات الآلاف من القتلى، وحوالي 1.5 مليون شخص معاق، واختلال خطير بين نسبة الذكور والاناث.
في الوقت الحاضر، وجهات النظر الأكثر شيوعا في مختلف القطاعات في سوريا هي سيطرة الجيش على تسوية القضية السورية ودخول المرحلة السياسية، وضرورة تنفيذ عملية اعادة الاعمار في سوريا في آن واحد. ولا تتعلق عملية المفاوضات السياسية حول القضية السورية بالوضع في ساحة المعركة الداخلية السورية فحسب، وإنما تتأثر بشدة من الوضع الاقليمي والجيوساسي للبلدان الكبرى، ويتسبب هذا ايضا في صعوبة احراز تقدم في المحادثات حول القضية السورية بقيادة الامم المتحدة في جنيف، والوساطة الدولية بقيادة روسيا وتركيا وإيران في استانا.
وبالمقارنة مع المفاوضات السياسية المعقدة، تخضع اعادة البناء الاقتصادي لسوريا الى قيود من قبل الدول الغربية برئاسة الولايات المتحدة بالإضافة الى عوامل أمنية موضوعية. حيث تصر الدول الغربية مثل الولايات المتحدة وأوروبا على عدم تمويل اعادة البناء أو رفع العقوبات ضد سوريا دون اتفاق سياسي. وتشمل هذه العقوبات مجموعة واسعة النطاق من الطاقة، والتمويل، والمعدات، والأسلحة، والضروريات اليومية، والمعادن الثمينة، والممتلكات الشخصية والشركات إلخ. وقد أدى هذا الوضع الى خلق مخاطر كبيرة على الاستثمارات الأجنبية في سوريا. ومنذ مايو من هذا العام، قامت العديد من البعثات التجارية الصغيرة من مختلف ابلدان والمناطق بزيارة سوريا، وعلى الرغم من مجالات التركيز المختلفة، إلا انهم توصلوا ال نفس النتيجة، هي أن الطلب على الاستثمار المحلي قوي جدا، ولكن بالنظر إلى عوامل السلامة ومختلف المخاطر التي لا يمكن السيطرة عليها، الاستثمار في عملية إعادة الإعمار السورية يتطلب درجة عالية من الحذر والترقب.
سواء كانت المفاوضات السياسية أو إعادة البناء الاقتصادي، فإن السلام شرط هام ولا غنى عنه، وفي نفس الوقت الصوت المتحمس للشعب لسوري ايضا. وأن الاهتمام بالمطالب الواقعية للشعب السوري وتجنب الاجراءات التي قد تودي إلى التوترات وانهيار المفاوضات، ليس اجماع جميع الاطراف المعنية في المجتمع الدولي فحسب، وأنما الجانب الاخلاقي أيضا.
لا يمكن معالجة الاعراض والاسباب الجذرية للقضية السورية المعقدة إلا بالسلام والوئام. وفي الوضع الحالي، يجب أن تكون جميع الاطراف عقلانية وأن تُظهر المرونة اللازمة، والبحث عن الحل الذي يتسق بالوضع الفعلي في سوريا ويأخذ في اعتبار مخاوف جميع الاطراف تحت إطار الامم المتحدة ومن خلال الحوار السياسي الشامل. وفي نفس الوقت، يجب الاحترام الكامل لاستقلال السيادة والسلامة الاقليمية لسوريا، والحفاظ على حق الشعب السوري في تقرير مستقبله.