برلين 27 أكتوبر 2018 /لم تقم الشركات الأجنبية بسحب أعمالها من الصين، وإنما تعيد الاستثمار للاستفادة من الفرص الجديدة المنبثقة عن مواصلة الصين لانفتاحها.
وقد ذكر تقرير صدر عن الأمم المتحدة مؤخرا أنه في النصف الأول من عام 2018، تصدرت الصين العالم في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي اشتملت على تدفقات رأس مال تبلغ قيمتها حوالي 70 مليار دولار أمريكي.
-- تدفق الاستثمارات
ذكر تقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) أن تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى الصين نما بنسبة 6 في المائة ليصل إلى 70 مليار دولار أو حوالي 15 في المائة من الإجمالي العالمي.
وفي تناقض حاد مع ذلك، انخفض المبلغ العالمي في هذا الصدد خلال نفس الفترة بواقع 41 في المائة ليصل إلى أدنى مستوى له منذ عقد من الزمان.
وقال جيمس تشان مدير شعبة التجارة والشركات في الأونكتاد لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن "بذل المزيد من الجهود المكثفة لجذب الاستثمارات الأجنبية وفتح الأسواق، مثل مناطق التجارة الحرة الرائدة والمناطق الغربية الأكثر انفتاحا، هي الأسباب الرئيسية وراء زيادة تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى الصين".
وتعتبر الصين وجهة استثمارية جذابة حيث شهدت مناطق التجارة الحرة الرائدة لديها وعددها 11، شهدت في سبتمبر زيادة في تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة بلغت نسبتها 14.7 في المائة، حسبما كشفت بيانات وزارة التجارة الصينية.
وفي وقت سابق من الشهر الحالي، أعلنت شركة "ريكس بي في" الهولندية لصناعة بطاريات الليثيوم قرارها استثمار 1.6 مليار يورو (1.8 مليار دولار) في مصنع لإنتاج بطاريات ليثيوم-أيون في شرق الصين، وهو الثاني من نوعه. ومن المقرر البدء في تشغيل المصنع الجديد بطاقة إنتاج سنوية تبلغ 8 جيجاوات/ الساعة وهي تكفي لتشغيل 160 ألف سيارة، وذلك في أوائل عام 2012.
وقال رئيس الشركة الهولندية كيز كولين "نحن في الصين مرة أخرى لأنها تتحرك أسرع من غيرها، فهي تتخذ القرارات بسرعة".
والشركة الهولندية ليست وحدها. فقد وقعت العديد من الشركات اتفاقيات استثمار خلال زيارة رئيس مجلس الدولة الصيني لي كه تشيانغ لهولندا في الأسبوع الماضي.
ومن بينها شركة رويال داتش شل والخطوط الجوية الملكية الهولندية ومؤسسة إنترناشونال ندرلاندن غروب. وتتعلق الاتفاقيات، التي تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات، بمشروعات قائمة ومشروعات مشتركة جديدة مع الشركاء الصينيين.
-- مزيد من الانفتاح
لقد خفضت الصين بشكل كبير من الروتين الحكومي، ورفعت القيود، وعززت حماية حقوق الملكية للمستثمرين الأجانب.
فعلى سبيل المثال، قامت مصلحة الدولة للنقد الأجنبي مؤخرا برفع القيود المفروضة على المدفوعات المسبقة من الاستثمارات الأجنبية المباشرة وشروط التحقق من صلاحية الحسابات.
وقال رئيس مجلس الدولة لي كه تشيانغ خلال زيارته لهولندا إن "سياسة الانفتاح التي ننتهجها ثابتة وتطبق على الجميع دون تمييز".
وذكر هيرالد كروجر الرئيس التنفيذي لشركة صناعة السيارات الألمانية "بي أم دبليو" في كلمة ألقاها في وقت سابق من هذا الشهر في مدينة شنيانغ بشمال شرق الصين حيث يقع المشروع المشترك الرئيسي لشركته "نحن مقبلون الآن على عصر جديد".
وقد أعلنت "بي أم دبليو" عن استثمارات تصل قيمتها إلى 3.6 مليار يورو (4.1 مليار دولار) لزيادة حصتها في المشروع المشترك "بي بي أيه" مع شركة بريليانس القابضة المحدودة للسيارات من 50 إلى 75 في المائة، وهي خطوة تهدف إلى تحقيق مزيد من النمو لصالح جميع الأطراف، حسبما قال نيكولاس بيتر المدير المالي.
ويرى المحللون الغربيون في مجال الصناعة أن هذه الخطوة، التي جاءت بعدما أعلنت الصين عن خططها الرامية إلى إلغاء سقف الملكية الأجنبية في مشروعات السيارات المشتركة على مدى خمس سنوات، تعد بمثابة "اختراقة كبيرة".
ومن ناحية أخرى، تعتزم فولكسفاجن أكبر شركة ألمانية لصناعة السيارات والتي تعد أيضا واحدة من أوائل شركات صناعة السيارات الأجنبية التي دخلت الصين، ضخ استثمارات ضخمة في الصين تصل إجمالي قيمتها إلى 15 مليار يورو (17 مليار دولار) حتى عام 2022، مع التركيز بشكل كبير على السيارات الكهربائية والقيادة الآلية والرقمنة وخدمات التنقل الجديدة.
وقال تشانغ شوي شين نائب الرئيس التنفيذي لفرعها في الصين إن "هذا العام يصادف الذكرى الأربعين لبدء تطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح في الصين"، مضيفا "الآن هناك إجراءات جديدة وقواعد جديدة تفتح عصرا جديدا لجميع شركات صناعة السيارات الأجنبية".
وذكر تشانغ أن صينا أكثر انفتاحا تعنى بيئة تنافس أكثر نزاهة للمستثمرين الأجانب. وإن السياسة الجديدة للصين، والمتمثلة في فتح قطاع الصناعات التحويلية على نحو أكبر من خلال رفع القيود عن الملكية الأجنبية، تطبق على الجميع.
وفي يوليو، أعلنت شركة "بي أيه أس أف" الألمانية العملاقة للصناعات الكيميائية استثمار 10 مليارات دولار في جنوب الصين لبناء موقع فربوند لإنتاج الكيماويات. وسيكون هذا أكبر استثمار للشركة على الإطلاق، وأيضا أول مصنع مملوك بالكامل لها في الصين.
-- فرص جديدة
كما تبحث المزيد والمزيد من الشركات الألمانية الصغيرة والمتوسطة الحجم عن فرص في الصين.
فقد قال رودولف شاربينج وزير الدفاع الألماني السابق ورئيس الوزراء السابق لولاية راينلند بالاتينات، قال لـ((شينخوا)) إن الصين مازالت "الأكثر جاذبية للاستثمار الأجنبي" رغم ارتفاع تكلفة الإنتاج والعمالة والأرض.
وذكر أن "حجم السوق وتطوير التكنولوجيا كما هو مخطط في "صنع في الصين 2025" والعمال الطموحين والمهارات المتزايدة --- هذه المزايا تأتي ليكون لها كامل التأثير حيث صارت البنية التحتية للصين ممتازة أكثر فأكثر فيما تشهد قوة الابتكار تطورا تدريجيا والبيئة القانونية تحسنا".
وتابع شاربينج بقوله إنه "مع مبادرة الحزام والطريق، تعد الصين جزءا أساسيا من التنمية الاقتصادية العالمية".
كما لفت إلى أن الصين تقوم بإعادة تعديل نمطها من النمو حيث ستكون جودة واستدامة المنتجات والتكنولوجيات والخدمات حاسمة، مضيفا أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة ستكون أكثر تركيزا على هذا النوع من التنمية سواء في الداخل أو الخارج.
وقد أظهرت البيانات الرسمية أنه في الأرباع الثلاثة الأولى، ارتفعت الاستثمارات الأجنبية المباشرة في قطاعات التكنولوجيا الفائقة بالصين بنسبة 6.8 في المائة وشكلت 22.5 في المائة من الإجمالي.
وقال شي شي وي أستاذ الاقتصاد الزائر بجامعة برلين الحرة إن "الصين تنمو باستمرار في مجال تطوير التكنولوجيا وخاصة في مجال البيانات الكبيرة، ما يجعل ميزتها التنافسية الجديدة في كسب الاستثمارات الأجنبية".
وأضاف أن حقبة العمالة الرخيصة في الصين تتلاشي. ويميل اتجاه الصناعات والاستثمارات الموجهة للتصدير وكثيفة العمالة للخروج من الصين إلى بلدان الجوار حيث توجد قوى عاملة رخيصة.
وفي الوقت ذاته، يعتقد على نطاق واسع أن الحضرنة الجارية حاليا في الصين ورفع مستوى الاستهلاك والتحول إلى النمو عالي الجودة يتيح فرصا جديدة للشركات الأجنبية المنافسة.