تحقيق إخباري: دبس العنب غذاء ودواء وتقليد متوارث من الأجداد في جنوب سوريا

السويداء ـ سوريا 8 أكتوبر 2018 / لا يكاد يخلو دبس العنب الذي تشتهر بصناعته محافظة السويداء (جنوب سوريا)، من أي منزل فيها، بل ويتصدر صحن الدبس على الموائد في تلك المحافظة نظرا لفائدته الغذائية الغنية بالفيتامينات والسكر الطبيعي، وقدرته على مكافحة بعض أمراض السرطان، ولكونه تقليد تراثي عرفه الأبناء عن الأجداد منذ مئات السنين.

وحافظت صناعة دبس العنب طيلة السنين الماضية على طابعها التقليدي ولم تتراجع هذه الصناعة امام منافسة الكثير من الصناعات الغذائية المتنوعة، وبقيت تحظى باهتمام الأجيال لما له من قيم غذائية عالية.

وفي السنوات العشر الأخيرة، دخلت المكننة على صناعة دبس العنب، مع ازدياد كمية العنب، وانتشار زراعته بمساحات كبيرة في السويداء، وكان الهدف لتوفير الجهد والتعب، مع المحافظة على الطقوس التراثية التي كانت ترافق تلك العملية.

ويقول أبو عدنان (62 عاما) من قرية من ميماس بريف السويداء الجنوبي لوكالة أنباء ((شينخوا)) بدمشق اليوم (الاثنين) إن عملية صنع دبس العنب لها طقوس جميلة، تبدأ بقطف ثمار العنب بعد ان تصبح نسبة الحلاوة مرتفعة فيه، فتجد عشرات الشبان والصبايا الذين يساعدون أقاربهم في عملية قطف عناقيد العنب، وتسمى (الفزعة) باللغة المحلية، في جو من الفرح وترديد بعض الاهازيج الشعبية، ثم ينتقلون لمكان آخر في اليوم التالي وهكذا".

وأشار أبو عدنان، وهو صاحب بستان يحتوي على مئات الدوالي من الكرمة (العنب)، ويرتدي شماخ مقطع بلونين ابيض واسود، إلى أنه بعد انتهاء عملية قطف العنب، يتم نقله إلى المعصرة، لتبدأ بعدها عملية تحويل العصير إلى دبس عنب.

وبدوره، قال أبو تميم سليم كيوان (70 عاما) من ريف السويداء الجنوبي، إن "دبس العنب تراث اجدانا، وحريصون على نقله لأولادنا وأحفادنا بكل طقوسه"، مبينا أنه في سنوات الازمة التي عصفت بالبلاد منذ أكثر من سبع سنوات تأثرت صناعته بالازمة، ولم نعد نستطيع تسويقه إلى الداخل والخارج.

وأضاف أبوتميم إن "غلاء أسعار الادوية الزراعية والمبيدات الحشرية، إضافة لارتفاع أجور اليد العاملة التي زادت من معاناة الفلاح الذي ينتج العنب، مشيرا إلى أن كل ذلك لم "يمنعه من الاستمرار في تحويل محصوله من العنب إلى دبس".

وعن طريقة صنعه في المعاصر، قال أبو حسين ثامر (60 عاما) لوكالة ((شينخوا)) إن "صناعة دبس العنب صناعة قديمة ومتوارثة جيلا بعد جيل نظرا لانتشار زراعة العنب على نطاق واسع في السويداء وهذه الصناعة هي بمثابة تقليد سنوي يقام بنهاية موسم العنب حيث تجتمع العائلة في جو من البهجة والفرح وكثيرا ما ينضم الجيران والأصدقاء للمساعدة والفزعة، كما نسميها وللسهر حتى الفجر وتداول القصص والاحاديث ريثما نحضر الدبس".

وتابع أبو حسين يقول، في البداية نقوم بفرز العنب ونأخذ العنب ذا النوع السلطي فهو أنسب الأنواع لصنع الدبس وبعد ذلك نقوم بغسله بالماء جيدا لإزالة الأتربة والأوساخ منه وتفرط العناقيد ويستبعد التالف منه ويؤخذ إلى أحواض حجرية مخصصة تسمى المداعس والمعاصر ويهرس العنب اما بالشكل البدائي بالقدمين، مع مراعاة ارتداء لباس مخصص لغرض العصر، أو عند طريق المكابس الكهربائية، وبعد الانتهاء من العصر نأخذ العصير الناتج ونضعه في أكياس قماشية أو خيشية معلقة وبداخل الأكياس تراب أبيض يسمى الحور والهدف منه تنقية العصير وإزالة الشوائب والحموضة منه ويترك يوما كاملا بعد ذلك يؤخذ العصير ويوضع في قدور تسمى الدست بحيث يصبح جاهزا للغلي نقوم بتجهيز مواقد الحطب ونضع الدست على النار حتى يغلي العصير ويكثف ويصبح دبقا كالعسل وبعد الانتهاء نتركه ليبرد ويعبأ في برطمانات زجاجية خاصة وتغلق جيدا لحين استعمالها.

وأضاف أبو حسين إن العامل المسئول عن طهي الدبس يبقى ساعات وهو يحرك العصير بملعقة كبيرة، ويقوم بين الحين والأخر بحركات رشيقة برفع العصير إلى الأعلى لمعرفة اذا تحول العصير إلى دبس.

وأثناء ذلك، يجلس أهالي القرية لساعات طويلة وهم يتسامرون ويتناولون بعض الأطعمة التراثية التي تخص طقس صناعة الدبس، في حالة يلفها الفرح والسعادة لمعرفة الكمية التي سيحصل عليها بعد تعب سنة كاملة.

وبدوره، تحدث الطبيب ادهم الحجار، وهو أخصائي طب عام، عن فوائد دبس العنب، قائلا "للعنب فوائد كثيرة سواء بشكله الطازج، أو المنتجات التي تُصنع منه كالدبس، فهو غني بالفيتامينات، والأملاح المعدنية، والألياف".

وينصح الطبيب أدهم، الجميع ومن مختلف الأعمار، بتناول دبس العنب، واصفاً إياه بـ"الصيدلية الطبيعية"، التي تساعد الجسم على مقاومة الكثير من الأمراض، لاسيما فقر الدم، لغناه بمادة الحديد، فضلاً عن أنه يقوّي الدورة الدموية، ويقي من ارتفاع ضغط الدم، ويساعد على منع حدوث الأزمات القلبية لاحتوائه على مضادات الأكسدة.

ووفق الطبيب نفسه، يمدّ دبس العنب، الجسم بالطاقة بشكل سريع، وذلك لاحتوائه على مواد سكرية سهلة الامتصاص، ويساعد على تخفيض معدلات الكولسترول في الجسم، وهو مهدئ للأعصاب، ومنشط للعضلات.

ودبس العنب يفضل كثيرون من أهالي السويداء على تسميه بالعسل الأسود، فهو حسب رأيهم وقناعتهم مفيد ولا يقل أهمية عن العسل.