بغداد 18 سبتمبر 2018 / بعد ان انجز البرلمان العراقي اولى مهامه في انتخاب هيئة رئاسته المكونة من الرئيس ونائبيه، يتجه لحسم مهمتين اساسيتين عاجلتين للعملية السياسية ومستقبل العراق وهما، انتخاب رئيس للبلاد ومن ثم حسم قضية الكتلة الاكبر والمصادقة على رئيس الحكومة المقبلة وبرنامجه السياسي الذي يجب ان يتضمن تحسين الخدمات وتوفيرها للشعب العراقي الذي عانى الكثير.
وانتخب البرلمان العراقي يوم السبت الماضي محمد الحلبوسي، محافظ الانبار السابق، رئيسا له، بدعم من تحالف الفتح المقرب من إيران، فيما انتخب حسن كريم الكعبي مرشح تحالف سائرون المدعوم من الزعيم الشيعي البارز مقتدى الصدر، بمنصب النائب الأول لرئيس البرلمان، الامر الذي عده المراقبون بانه اقرار من التحالف الذي يضم سائرون بانه لم يعد الكتلة الاكبر، كما انتخب بشير الحداد من الحزب الديمقراطي الكردستاني نائبا ثان للرئيس.
ويؤكد المراقبون أن العملية التي تمت فيها انتخاب رئيس البرلمان لا تخلوا من وجود توافق من نوع ما بين الكتل الرئيسية، وهذا يعطي انطباعا بانها قد تضطر مرة اخرى للتوافق على مرشح لمنصب رئيس الحكومة المقبلة يكون مستقلا، وهذا ما نوه اليه رئيس البرلمان الجديد في تصريح ادلى به لقناة ((العراقية)) المملوكة للدولة.
وكان الشيعة انقسموا إلى تيارين أعلن كل منهما بانه صاحب الكتلة الاكبر التي ستشكل الحكومة المقبلة، الاول بزعامة الصدر، وحيدر العبادي رئيس الوزراء المنتهية ولايته، ورجل الدين الشيعي عمار الحكيم، واياد علاوي زعيم القائمة الوطنية، التي تضم شخصيات سنية، وكتل صغيرة أخرى، والثاني محور هادي العامري - المالكي الذي تحالف معه المحور الوطني (أكبر الكتل السنية) وعدة كتل صغيرة أخرى.
ومع اقتراب استحقاق رئيس الجمهورية ما يزال الاكراد لم يحسموا امرهم بشأن انضمامهم لاي من المحورين الشيعيين اللذين اعلنا انهما الكتلة الاكبر، لوجود خلافات بينهم على الشخصية التي ستشغل منصب رئيس الجمهورية، حيث يصر الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي كان يتزعمه الرئيس الراحل جلال طالباني، على ان هذا المنصب من حصته، فيما يؤكد شريكه الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني أن المرشح لهذا المنصب يجب ان يحظى بموافقة الحزبين معا.
وتشير آلية تشكيل الحكومة إلى أن ينتخب البرلمان رئيسا له ونائبين للرئيس خلال الجلسة الاولى بالاغلبية المطلقة، وجرى العرف أن يكون رئيس البرلمان من السنة وله نائب كردي وأخر شيعي، بعدها ينتخب البرلمان رئيسا جديدا للجمهورية خلال 30 يوما من انعقاد الجلسة الأولى بأغلبية ثلثي الأصوات، وجرى العرف أن يكون الرئيس كرديا، بعدها يكلف رئيس الجمهورية الكتلة الأكبر في البرلمان بتشكيل الحكومة الجديدة خلال 30 يوما، وجرى العرف ان يكون رئيس الوزراء شيعيا.
وعن ما جرى بجلسة البرلمان التي طال انتظارها لاكثر من اربعة اشهر على الانتخابات وتم فيها انتخاب رئيس للبرلمان، قال المحلل السياسي صباح الشيخ لوكالة أنباء ((شينخوا)) "أظهرت عملية انتخاب محمد الحلبوسي رئيسا للبرلمان ان الامور حسمت بشأن الكتلة الاكبر لصالح محور (العامري - المالكي)، لان الحلبوسي دعم من قبل تحالفهما، مقابل خسارة خالد العبيدي وزير الدفاع السابق مرشح تحالف الاصلاح بزعامة (الصدر- العبادي) وبفارق 80 صوتا".
وأشار إلى أن تحالف البناء ظهر في الجلسة اكثر استقرارا وتنظيما وانسجاما وكسب المزيد من اعضاء البرلمان، حيث اعلن احمد الجبوري النائب عن محافظة نينوى واحد المرشحين لرئاسة البرلمان انسحابه من تحالف الصدر العبادي وانضمامه لتحالف العامري المالكي، فيما بدى محور (الصدر العبادي) اقل تماسكا وظهرت خلافات ومشادات بين اعضاءه وبات تصدعه واضحا وخسارته لبعض الاعضاء جليا.
واضاف الشيخ "ان هذه النتيجة تؤشر إلى أن المحور الاقرب إلى طهران حقق تقدما على حساب المحور القريب من واشنطن، وهو الذي سيختار رئيس الحكومة المقبلة، او على الاقل سيطر صاحب الصوت الاعلى في اختياره، بعد ان اتضحت معالم الكتلة الاكبر في قاعة البرلمان عند التصويت لصالح الحلبوسي".
وتابع الشيخ "ان الاجواء السياسية التي افرزت انتخاب الحلبوسي رئيسا للبرلمان الجديد تعطي انطباعا بان العملية السياسية لن تستقر وستتعرض لمزيد من الازمات بسبب الضغوط الاقليمية والدولية على الاطراف العراقية، الامر الذي ينبأ بحصول ازمات مستقبلية، لان واشنطن لن تسلم بخسارتها وتترك العراق لطهران تفعل به ما تشاء"، على حد تعبيره.
وأكد الشيخ أن مهمتين عاجلتين باقيتين للبرلمان يجب اتمامهما ضمن السقوف الدستورية، وهما انتخاب رئيس للجمهورية، والذي حدد رئيس البرلمان يوم (الثلاثاء) المقبل طرح اسماء المرشحين لهذا المنصب، والذي لم يتفق الاكراد لحد الان على من سيشغله، والمهمة الاخرى هي المصادقة على رئيس الحكومة واعضاء حكومته وبرنامجه، والتعاون معها لتقديم الخدمات والبدء باعمار المدن المدمرة.
إلى ذلك، أكد تحالف البناء أن اختيار هيئة رئاسة البرلمان بعيدا عن التدخلات والضغوط الخارجية ستفشل المشروع الأمريكي في ترشيح الرئاسات الثلاث واهمها اختيار رئيس الوزراء المقبل.
وقال عضو التحالف، حسن شاكر في تصريح صحفي، إن "اختيار هيئة رئاسة البرلمان تعد الجولة الأولى في إفشال المخططات الأمريكية ومشروع واشنطن في التدخل بشأن اختيار رئيس الحكومة والرئاسات الثلاث"، مضيفا إن "واشنطن ستسعى من خلال الكتل السياسية المؤيدة لمشروعها بعرقلة اختيار رئيس الوزراء المقبل كخطوة أخيرة لتحقيق أهدافها السياسية وإضعاف القرار الحكومي".
وتابع إن "تحالف البناء المتمثل بالفتح ودولة القانون وبعض القوى الأخرى سيستمر بإفشال تلك المخططات"، مبينا إن تحالفي سائرون والفتح اتفقا على آلية اختيار رئيس الوزراء القادم دون طرح الأسماء لتولي المنصب.
ومضى يقول إن "الاتفاقات التي تجري في الوقت الحالي بين سائرون والفتح وبعض القوى السياسية ستنجح في قطع طريق التدخلات الأمريكية والخارجية".
من جانبه، قال المحلل السياسي ابراهيم العامري لـ ((شينخوا)) "إن انتخاب الحلبوسي كسر الجمود السياسي واعتبر خطوة مهمة لتشكيل حكومة جديدة تشترك فيها جميع القوى السياسية الرئيسية، بعد تخلي الكتل التي لفتت إلى انها ستلجأ للمعارضة عن الشروط التي وضعتها للمشاركة في الحكومة".
واضاف "ان الكابينة الوزارية الجديدة ورئيسها ستكون قمة الصراع السياسي بين الكتل الشيعية، وخاصة بعد دخول المرجعية الدينية في النجف على خط الأحداث السياسية الساخنة ورفضها استلام رئاسة الحكومة، من قبل شخصية مجربة سابقا، وهذا سيدفع الكتل إلى اللجوء لخيار التوافق على شخصية مقبولة من جميع الاطراف، والتخلي عن الشخصيات التي طرحت سابقا والتي شغلت مناصب رفيعة واولهم العبادي والمالكي وبعض الشخصيات التي شغلت مناصب رفيعة".
وأكد العامري أن الشخصية التي ستشغل منصب رئيس الحكومة المقبلة يجب أن تحظى بموافقة وقبول كل من الولايات المتحدة وإيران، فضلا عن المرجعية الدينية العليا المتمثلة بالمرجع الشيعي الاعلى علي السيستاني، معربا عن اعتقاده بتوصل تحالف سائرون والفتح إلى تفاهم بينهما لترشيح شخصية مستقلة ترضي بها الاطراف الخارجية والداخلية.
وفي تطور جديد، أعلن هادي العامري رئيس تحالف البناء صباح اليوم (الثلاثاء) سحب ترشيحه لرئاسة الحكومة المقبلة، مؤكدا ضرورة أن يحظى المرشح لمنصب رئيس الحكومة المقبلة بتوافق جميع الكتل، داعيا للتعاون من أجل قديم افضل الخدمات وبناء العراق، قائلا "إن المرجعية تريد تشكيل الحكومة برؤية جديدة ونفس جديد".
وشدد المحلل السياسي على ان انتخاب رئيس البرلمان ونائبيه بالتوافق والتفاهم بين الكتل النيابية يعد كسرا للجمود وبداية الانفراج في الساحة السياسة العراقية امام الاستحقاقات المقبلة المتمثلة باختيار رئيس الجمهورية، ومن ثم رئيس الوزراء وفريقه الوزاري الذي سيدير البلاد لمدة اربع سنوات، وهي بحاجة إلى اعادة اعمار وتوفير الخدمات الاساسية.
وعقد البرلمان العراقي جلسته الاولى في الثالث من سبتمبر الجاري، بعد نحو اربعة اشهر على الانتخابات التي جرت في 12 مايو، والتي فاز بها تحالف سائرون بـ 54 مقعدا، وتحالف الفتح بـ 48 مقعدا، وتحالف النصر 42 مقعدا، ودولة القانون بـ 25 مقعدا وائتلاف الوطنية بـ 22 مقعدا، وتيار الحكمة بـ 19 مقعدا، والحزب الديمقراطي الكردستاني بـ 25 مقعدا والاتحاد الوطني الكردستاني بـ 18 مقعدا.