بغداد 13 أغسطس 2018 / القت العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة الامريكية بظلالها على الشارع العراقي بشقيه السياسي والاقتصادي، ففي حين اعلنت الحكومة العراقية موافقتها على القرار الامريكي ابدت حركات سياسية رفضا واضحا للعقوبات ولموقف الحكومة العراقية، فيما أكد خبراء اقتصاديون أن قطعات مهمة من الاقتصاد العراقي ستتأثر بقرار العقوبات.
وقال الخبير الاقتصادي الدكتور عبدالعزيز شويش، استاذ العلوم المالية والمصرفية بجامعة تكريت لوكالة انباء (شينخوا)، إن العراق وبحكم كونه دولة مجاورة لايران وتربطه بها علاقات سياسية واقتصادية متميزة، نتيجة لسيطرة الاحزاب الاسلامية الموالية لايران على زمام الامور فيه، سيتأثر بالعقوبات الامريكية على ايران أكثر من غيره من بلدان المنطقة.
وأضاف أن العراق وبعد 2003 اصبح يعتمد على ايران في كل المجالات الاقتصادية بدا من الفواكه والخضر وصولا إلى الاجهزة الكهربائية والسيارات وقطع غيارها وكذلك المشتقات النفطية والغاز والكهرباء، مبينا أن ارادات سياسية عراقية عملت طوال السنوات الماضية على تعطيل الانتاج المحلي العراقي في مختلف المجالات لصالح استيراد المنتجات الايرانية وهذا الامر سيتفاقم مع دخول العقوبات الامريكية على ايران حيز التنفيذ.
وأوضح شويش، أن قطاعات المصارف والسياحة الدينية وصناعة السيارات والمشتقات النفطية والغاز ستتأثر بشكل واضح بهذه العقوبات، خصوصا وان الحكومة العراقية قد اعلنت عن التزامها بهذه العقوبات، وهذا يعني ان العديد من المصارف ستتأثر بهذا القرار لوجود تعاملات مالية كبيرة بين الجانبين الامر الذي قد يؤدي إلى خسارة هذه المصارف لجزء كبير من رأس مالها خصوصا وان العملة الايرانية قد فقدت قرابة 40 بالمائة من قيمتها، كما يمكن ان تقع بعض هذه المصارف تحت طائلة العقوبات الامريكية، فضلا عن الخسائر المالية التي سيمنى بها تجار ومواطنون عراقيون لديهم رؤوس أموال كبيرة في المصارف والسوق الايرانية.
واعتبر ان الاقتصاد الايراني الذي يعاني حاليا من تدهور سريع سيستعيد استقراره بشكل تدريجي رغم الصعوبات الكبيرة التي سيمر بها لان لدى ايران الكثير من العوامل التي ربما تساعدها في مقاومة العقوبات المفروضة عليها ومنها ان دول الاتحاد الاوربي وروسيا، ما زالت تصر على التعامل معها وكذلك ان ايران تمتلك حدود برية وبحرية طويلة تربطها بالعديد من الدول وستعمد إلى استغلالها لكسر العقوبات والحصول على ما تريده.
ورأى شويش أن العراق وان كان موقفه المعلن هو الالتزام بالعقوبات فان ايران بما تملكه من سطوة في الساحة العراقية قد تحوله إلى ممر لتعاملاتها ولو بشكل غير علني وسيتحمل الاقتصاد العراقي المرهق اصلا بفعل الحروب وعدم الاستقرار والفساد المستشري في المؤسسات الحكومية جزءا كبيرا من تبعات العقوبات المفروضة على ايران التي ستحاول جاهدة تكريس سيطرتها على هذا البلد من الناحية الاقتصادية كسوق لبضاعتها الرديئة ومن الناحية السياسة كعامل ضغط في مفاوضتها مع الولايات المتحدة ان عاجلا او اجلا.
من جانبه، أكد الدكتور عباس محمد، المدرس في كلية الادارة والاقتصاد بالجامعة المستنصرية، أن العقوبات التي فرضتها الادارة الامريكية على إيران لن تكون بعيدة التأثير على الشارع العراقي سياسيا واقتصاديا، مبينا ان العامل التجاري وطبيعة العلاقات بين القوى السياسية الحاكمة في العراق وارتباطها الوثيق مع ايران ستجعل العراق يتأثر بالعقوبات أكثر من غيره.
وأضاف أنه من المؤكد ان ايران التي تجد في العراق العصب الرئيس لاقتصادها، سوف تستخدم ثقلها السياسي والاقتصادي في العراق للحصول على مزيد من الاستثمارات والفرص الاقتصادية لتخفيف حدة العقوبات الامريكية على اقتصادها.
وتابع أن إيران ستسعى إلى وقف انهيار عملتها المحلية عبر الحصول على الدولار باي ثمن، مبينا ان العراق سيكون الخيار الاول لايران لتحقيق هذا الغرض، سوء عن طريق زيادة صادراتها إلى العراق أو عن طريق شراء الدولار من السوق العراقية عبر تجار ووسطاء وهذا الخيار قد يؤدي إلى انخفاض قيمة الدينار العراقي مقابل الدولار.
وبين محمد، ان إيران سبق وان استفادت من العراق لتخفيف الضغط الدولي عليها من خلال تصدير كميات كبيرة من السلع وابرزها السيارات التي امتلأت بها شوارع العراق، رغم ردائه نوعيتها الا ان اسعارها الزهيدة دفعت بالاف العراقيين إلى شراءها وبالمحصلة خسر العراق الكثير من العملة الصعبة مقابل الحصول على سلع رديئة.
وأشار إلى أن قطاع صناعة السيارات واستيراد المواد الاحتياطية لها والذي تسيطر ايران على الجزء الكبير منه سيكون من اكبر المتضررين من العقوبات الامريكية، مبينا أن خط انتاج السيارات الايرانية في الشركة العامة لصناعة السيارات بمنطقة الاسكندرية جنوب بغداد والذي توقف على خلفية العقوبات على ايران سيؤدي إلى فقدان نحو 5 الاف عامل لوظائفهم، في الوقت الذي يعاني فيه العراق من ارتفاع معدلات البطالة اصلا.
وشدد على ان قطاع السياحة الدينية سيتضرر هو الاخر من هذه العقوبات، حيث شهدت السنوات الماضية دخول نحو ثلاثة ملايين زائر ايراني إلى العراق سنويا، لزيارة المراقد المقدسة في مدن كربلاء والنجف وسامراء وبغداد، اذ يدفع كل زائر مبلغ 40 دولارا للحصول على تأشيرة دخول فضلا عن عمليات الشراء والفنادق ووسائط النقل التي يستخدمونها داخل العراق والتي تدر أموالا طائلة وتوفر فرص عمل للكثير من العراقيين، وتطبيق العقوبات سيحد من دخول الزائرين ويحرم العراق من مورد مالي جيد.
ولفت محمد إلى أن الجانب الرسمي العراقي أعلن عن التزامه بالعقوبات، الا ان الاحزاب السياسية والمليشيات المسلحة الموالية لايران اعلنت بوضوح عن رفضها للعقوبات الامريكية، مبينا ان حزب الدعوة الاسلامي بزعامة نوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي السابق وأطراف من تحالف الفتح بزعامة هادي العامري وكتائب حزب الله وكتائب سيد الشهداء وعصائب أهل الحق، قد اكدت موقفها الرافض للعقوبات وانها ستعمل على كسرها، الامر الذي سيجعل الحكومة العراقية في موقف حرج، ويفتح باب التهريب والسوق السوداء خصوصا وان البلدين تربطهما حدود طويلة تصل إلى نحو الف كيلو متر.
اما خالد علي وهو صاحب شركة لبيع وشراء العملات الاجنبية في حي المنصور غربي بغداد، فقال إنه بعد دخول العقوبات الامريكية على ايران حيز التنفيذ اوقف شراء العملة الايرانية بشكل كامل، كما ان عمليات بيع الريال الايراني اصبحت محدودة جدا لان العملة الايرانية في تدهور مستمر ولا نستطيع التعامل بها.
وأضاف إنه في ضوء إعلان الحكومة العراقية التزامها بالعقوبات على ايران فان مستقبل العملة الايرانية اصبح مجهولا بالنسبة لنا في الوقت الحالي على اقل تقدير ولحين اتضاح الصورة وما اذا كانت هذه العملة ستستقر عند حد معين ام تستمر بالتدهور فالامر مقلق بالنسبة لنا.
وأكد فائز ابراهيم، الذي يمتلك مكتبا لتجارة الاجهزة الكهربائية واجهزة التبريد في منطقة الاعظمية ببغداد، أن السوق العراقي سيتأثر حتما بالعقوبات على ايران لانه يعتمد بشكل اساسي على المنتجات الايرانية بمختلف انواعها لتلبية احتياجاته، لافتا إلى أن البضاعة المستوردة من ايران تكون اقل سعرا من البلدان الاخرى وذلك لقرب المسافة وفرق سعر صرف العملة وبتطبيق العقوبات سيحرم التاجر العراقي من هذه الميزة وهذا ينعكس على السوق.
وبلغ حجم التبادل التجاري بين العراق وإيران خلال العام الماضي نحو 6.7 مليار دولار، بينها 77 مليون دولار فقط هي قيمة صادرات بغداد إلى طهران، وفقا لمصدر رسمي في وزارة التجارة العراقية.
وكان حيدر العبادي رئيس مجلس الوزراء العراقي، قد اعلن (الثلاثاء) الماضي، عن رفضه للعقوبات الامريكية ضد ايران، وعدم التفاعل معها، مشددا على انه سيلتزم بها من أجل مصلحة الشعب العراقي.
وقال العبادي في مؤتمره الصحفي الاسبوعي إن "الحصار والعقوبات تدمر المجتمعات ولن تؤدي إلى هدفها المعلن عنه ولن تضعف الانظمة، لذلك لدينا موقف مبدئي من رفض العقوبات".
وأضاف "لن نتعامل مع العقوبات الامريكية ضد ايران ولن نتفاعل معها، ولكننا سوف نلتزم بها من أجل مصلحة الشعب العراقي"، واصفا تلك العقوبات بانها خطأ جوهري واستراتيجي وعقوبات ظالمة".
وكانت ايران والدول الست (روسيا والولايات المتحدة وبريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا) أبرمت في يوليو 2015، اتفاقا يفرض قيودا على تطوير البرنامج النووي الإيراني مقابل رفع العقوبات الاقتصادية والمالية، لكن الرئيس الامريكي دونالد ترامب أعلن في الثامن من مايو الماضي الانسحاب من الاتفاق وقرر استئناف العقوبات في المستقبل حتى تغير السلطات الإيرانية سياساتها الداخلية والخارجية.
ودخلت العقوبات الأمريكية ضد ايران حيز التنفيذ (الثلاثاء) الماضي، وبموجب هذه العقوبات ستمنع إيران من التعامل بالدولار الأمريكي في تجارتها الخارجية، بما في ذلك التعامل النفطي الإيراني، الذي تشكل إيراداته مصدر دخل رئيسي لإيران، كما أعلنت واشنطن أنها ستفرض عقوبات على الدول، التي لا تلتزم بقرارها وتواصل تبادل التجارة مع إيران.