3- عيوب جسيمة تشوب الديمقراطية الأمريكية
ازداد توغل المال السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية بشكل أعمق في العام 2017، حيث سيطرت جماعات ولوبيات الثروة على التنمية السياسية، بينما واجهت الجماعات المحرومة وغير المستفيدة المزيد من العقبات والحواجز في التصويت، لتتواصل الفضائح التي طالت مختلف السياسيين.
وزاد المال السياسي من مفاقمة حالة عدم العدالة والمساواة في البلاد ، وقالت صحيفة "فايننشال تايمز" على موقعها الإلكتروني في 15 يوليو 2017، إن النظام السياسي في الولايات المتحدة بات مشوها جدا بسبب الأموال الضخمة. وأظهرت بيانات صادرة عن لجنة الانتخابات الفيدرالية أن العشرات من لجان العمل السياسي جمعت عشرات ملايين الدولارات في الفصل الأول من العام 2017. وأسهم المتبرعون الأفراد بـ 236.4 مليون دولار أمريكي إلى لجان العمل السياسي والكيانات السياسية المتعلقة، بزيادة نحو 30 بالمئة أكثر من حجم المساهمات المسجلة خلال نفس الفترة سباق الانتخابات الرئاسية الامريكية في عام 2013 (www.bizjournals.com, May 8, 2017). كما أصدر مركز السياسات الاستجابية على موقعه الإلكتروني في 27 ديسمبر 2017 بيانات أظهرت حجم إنفاق اللوبيات في العام 2017، حيث كان الأعلى من نوعه في السنوات الخمس الماضية (www.opensecrets.org, December 27, 2017).
وقالت صحيفة "نيويورك تايمز" على موقعها الإلكتروني في 20 سبتمبر 2017 : إن الديمقراطية الأمريكية تغرق في المال" حيث جعل المال السياسي السياسات الاقتصادية الأمريكية خلال السنوات الأربعين الماضية "تعكس بشدة خيارات وتفضيلات الطبقة الأكثر ثراء، ولا تلقي بالا ولا تكثرت تقريبا لأي تفضيلات ومصالح من شأنها خدمة الطبقتين الوسطى والفقيرة من الشعب الامريكي ".
وزاد ضعف السياسات الديمقراطية، فقد أشار مسح متخصص حول الديمقراطية الأمريكية ان 89 بالمئة من المستجيبين يعتقدون بأن العدالة والمساواة الديمقراطية في الولايات المتحدة قد تراجعت كثيرا في السنوات العشر الماضية (www.authwarningsurvey.com, June 28, 2017). أما موقع أتلانتك الإلكتروني فقد ذكر في 21 يونيو 2017 أن معظم المستجيبين للاستطلاع المذكور حول الديمقراطية الأمريكية لم يوافقوا أو يؤيدوا أبدا الكلام القائل بأن الولايات المتحدة تلاقي وتستوفي المعايير الخاصة بمنح المواطنين حقوقا وفرصا متساوية في التصويت، ووقف المسؤولين عن استغلال مناصبهم العامة من أجل التربح وتحقيق مكاسب خاصة، وتنفيذ وتشكيل السياسات.
واجه المنتخبون من ذوي الدخول المنخفضة العديد من العقبات والحواجز، فقد ذكر تقرير صدر في 21 نوفمبر 2017 على موقع مجلة "نيوزويك" أن مئات آلاف الأمريكيين قد أُنكر عليهم حقهم في التصويت بسبب فقرهم فقط. وفي تسع ولايات أمريكية؛ سن المشرعون قوانين تمنع أو تحرم أي شخص فشل في دفع رسوم أو غرامات قضائية عن التصويت، تمنعه من التصويت. أما في آلاباما ؛ فإن أكثر من مئة ألف شخص من المدينين بالأموال ، تقريبا 3 بالمئة من أعداد المؤهلين للتصويت والانتخاب في الولاية المذكورة قد تم منعهم من ممارسة حقهم الانتخابي. وقال التقرير معلقا على تلك الوقائع إن منع الناس من ممارسة حقهم الانتخابي بسبب تراكم رسوم قانونية أو غرامات قضائية هو أمر يكمم أفواه الأمريكيين من ذوي الدخول المنخفضة في وقت مهم من تاريخ الأمة الأمريكية ، بينما بات الأغنياء وأصحاب الثروات يملكون المزيد من القوة والقرار السياسي أكثر من أي وقت مضى.
كما واجه كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة المزيد من العقبات التي تمنعهم من ممارسة حقوقهم الانتخابية ، فقد أشار تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" نشرته على موقعها الإلكتروني في 24 نوفمبر 2017، أن آلات التصويت في الأماكن المخصصة كانت صعبة الوصول والاستخدام بشكل كبير بالنسبة لكبار السن أو لذوي الاحتياجات الخاصة من المواطنين الأمريكيين من أي شريحة عمرية. كما أظهرت نتائج مسح شملت 178 موقعا للتصويت، استمرار مواجهة غالبية الناس لمشاكل وعوائق خارجية (مثل منحدرات شديدة أو مواقف غير مناسبة) أو عقبات داخلية لا تشجع او تساعد وتستبعد ذوي الاحتياجات الخاصة المؤهلين للتصويت من ممارسة حقهم الانتخابي.
وعانت وسائل الإعلام الأمريكية من قمع كبير. ففي عام 2017؛ تم رفض حضور عدد كبير من المؤسسات والمنظمات الإعلامية لتغطية المؤتمرات الصحفية للحكومة الأمريكية والنشاطات الحكومية الأخرى ، كما واجهت مؤسسات إعلامية بارزة مثل "سي ان ان" و "نيويورك تايمز" والعديد من المؤسسات الإعلامية الأخرى عقبات وعوائق لحضور وتغطية المؤتمرات الصحفية التي عقدها البيت الأبيض. وانخفضت حرية الصحافية في الولايات المتحدة الأمريكية إلى أدنى مستوياتها المسجلة في 13 عاما، وذلك بحسب 2017 (www.cnn.com, April 28, 2017). بينما أشار مسح آخر لمركز "بيو" البحثي في 4 ابريل 2017 إلى أن 73 بالمئة من البالغين المستجيبين للاستطلاع أعربوا عن قناعتهم الشديدة بأن التوتر والضغط الشديدين بين الحكومة الأمريكية ووسائل الإعلام الإخبارية كان متمثلا في الوصول إلى المعلومات والأخبار السياسية الوطنية الهامة (www.journalism.org, April 4, 2017).
تفشي واندلاع فضائح الفساد. فقد أظهرت نتائج مسح في العام 2017 أن ستة من أصل عشرة أمريكيين تقريبا يعتقدون بارتفاع مستويات الفساد الحكومي في العام 2017، وأن سبعة من كل عشرة أمريكيين قالوا إن الحكومة قامت بأعمال سيئة في محاربة الفساد، وقال موقع " سي بي إس" الإخباري في 14 مارس 2017 إن تسعة ضباط عسكريين بما فيهم الأدميرال البحري المتقاعد بروس لوفيليس قد تورطوا في فضيحة رشوة بقبولهم لخدمات جنسية ووجبات طعام فخمة ورحلات فاخرة من متعاقدين ومتعهدين في وزارة الدفاع ، وقد كشفت الفضيحة المذكورة عن تورط أكثر من عشرين مسؤولا عسكريا في القوات البحرية الأمريكية سواء من المتقاعدين أو ممن لا زالوا على رأس عملهم .
كما استمرت الفضائح الجنسية بالتفشي بين صفوف رجالات الكونغرس الأمريكي، فقد ذكر موقع " يو إس إيه توداي" في 20 نوفمبر 2017 أنه ومنذ العام 2016، أنه تم اتهام أكثر من 40 مشرعا في عشرين ولاية أمريكية من قبل أكثر من 100 شخص باعتداءات وتحرشات جنسية. أما موقع "الجزيرة" فقد ذكر في 12 ديسمبر 2017 أن آل فرانكين عضو الكونغرس الأمريكي عن الحزب الديمقراطي وآخرين واجهوا اتهامات ومزاعم بقيامهم بتحرشات جنسية. وبحسب تقرير نشرته "واشنطن بوست" على موقعها الإلكتروني في 21 ديسمبر 2017، فإن مكتب سيناتور استخدم أموالا من وزارة الخزانة الأمريكية لتسوية مزاعم وادعاءات حول تمييز وتحرشات جنسية، كما تورط مجلس النواب في تسويات مماثلة طالت عشرة مزاعم بالتحرش أو الاعتداءات أو التمييز الجنسي منذ العام 2008. بينما ذكر تقرير آخر للـ "واشنطن بوست" أيضا نشر على موقعها الإلكتروني في 1 ديسمبر 2017 بأن الإدعاءات بالجرائم والتحرشات الجنسية المرتكبة من قبل العديد من الشخصيات السياسية قد تم التعتيم والتغطية عليها من قبل الأحزاب السياسية التي ينتمي إليها أولئك المتهمون، ما رسم صورة بشعة عن السياسيين الأمريكيين .
4- استمرار توسع الفوارق بين الأغنياء والفقراء
توسعت الفوارق الطبقية بشكل كبير بين الأغنياء والفقراء في الولايات المتحدة الامريكية ، حيث تم تسجيل أعداد متزايدة من المشردين والأشخاص من دون مأوى في البلاد . فضلا عن زيادة استخدام المخدرات والعقاقير المحظورة بشكل سيئ، بينما عانى الفقراء من ظروف معيشية بائسة ومدقعة الفقر. وقال خبير مستقل في حقوق الإنسان تم تعيينه من قبل مجلس حقوق الإنسان العالمي في الأمم المتحدة للنظر في أحوال حقوق الإنسان في العديد من دول العالم، قال في تقرير له :" إن الحلم الأمريكي يقترب بشكل سريع ليصبح الوهم الأمريكي " (www.theguardian.com, December 15, 2017).
وبقيت أوضاع الأشخاص الذين يعيشون الفقر في الولايات المتحدة مقلقة وغير ثابتة، حيث ذكر موقع "الجارديان" الإخباري في 8 ديسمبر 2017 أن 52.3 مليون أمريكي عاشوا في مجتمعات اقتصادية محزنة ومحبطة، ما يمثل 17 بالمئة من إجمالي عدد سكان البلاد (www.theguardian.com, December 8, 2017). وأشارت معظم الإحصاءات الأخيرة الصادرة عن المركز الأمريكي للتوافقات إلى أن أكثر من أربعين مليون أمريكي يعيشون الفقر، ونصفهم تقريبا أي 18.5 مليون شخص يعيشون فقرا مدقعا، حيث سجلت دخول تلك الأسر الفقيرة مستويات أدنى بنصف من المعدلات المعنية المحددة لعتبة الفقر (www.ohchr.org, December 15, 2017). وبحسب تقرير نشره مركز ستانفورد حول الفقر وعدم المساواة في العام 2017، فإن مستويات الفقر الشامل في المناطق الريفية بجنوبي الولايات الأمريكية كان 20 بالمئة، بينما سجل السود والنساء السوداوات في المناطق المذكورة نسبتي 33 و 37 بالمئة على التوالي. وكانت نسبة الفقر للأمريكيين الأصليين في المناطق الريفية الغربية 32 بالمئة (inequality.stanford.edu). وبعد زيارة استمرت أسبوعين للولايات المتحدة، قال فيليب آلستون المقرر الخاص للفقر المدقع وحقوق الإنسان في الأمم المتحدة: إن الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر واحدة من أغنى دول العالم كما أنها القوة العظمى والدولة الأكثر إبداعا، لكن وعلى الرغم من كل ذلك؛ لم يتم تسخير ثروتها ولا قوتها ولا إبداعاتها من أجل معالجة مشكلة الفقر المدقع التي يعيشها حوالي 40 مليون شخص من المواطنين الأمريكيين، وخلص في ختام تقريره للقول :" إن الإصرار على استمرار مشكلة الفقر المدقع في الولايات المتحدة الأمريكية هو قرار سياسي اتخذه الذين في السلطة " (www.theguardian.com, December 15, 2017).
تدهور مستوى عدم المساواة والعدالة، واصلت الفجوة في الاتساع ما بين الأغنياء والفقراء في الولايات المتحدة الأمريكية ، فبحسب أرقام قاعدة البيانات العالمية لعدم المساواة في الدخل، كانت الولايات المتحدة الامريكية سجلت أعلى معدل جيني، بين جميع الدول الغربية. وكانت الولايات المتحدة الامريكية تقع في المركز 35 من أصل 37 دولة عضو في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ، بالنسبة لمستويات الفقر وعدم العدالة والمساواة ( www.theguardian.com, December 15, 2017). وفي تقرير أصدره تورستين سولك رئيس البنك الألماني والخبير الاقتصادي الدولي البارز، قال إن ثروة الأسر حسب مستوى الدخل في الولايات المتحدة تظهر بأن 0.1 بالمئة من الأسر الأمريكية تستحوذ وتهيمن نفس حجم الثروات لـ90 بالمئة من الأمريكيين الذين يعيشون في الأسفل. ونشر موقع "بوستن ريفيوز" على موقعه الإلكتروني الرسمي في أول سبتمبر 2017 بأنه وبينما نمت مداخيل 80 بالمئة من الأمريكيين بنحو 25 بالمئة في العقود الأربعة الماضية، إلا أنها تضاعفت عند الأغنياء الذين يشكلون 20 بالمئة. بينما اتهم المراقب الأممي الخاص بمتابعة الفقر وحقوق الإنسان ، قادة الولايات المتحدة الأمريكية بالسعي لتحويل البلاد إلى "بطل العالم في عدم المساواة الشديدة" (www.theguardian.com, December 15, 2017).
حياة المشردين كانت غاية في البؤس. فقد نشر موقع "الغارديان" في 6 ديسمبر 2017 أن 553742 مواطنا أمريكيا كانوا من المشردين لليلة واحدة على الأقل في الولايات المتحدة العام الماضي، بزيادة بنسبة 4.1 بالمئة في نيويورك. وفي مخيم للمشردين في لوس أنجلوس، يتشارك نحو 1800 مشرد 9 مراحيض دون أبواب في الليل (www.theguardian.com, June 30, 2017). وقال ماثيو ديسموند في كتابه " المطرود" إن ملايين الأمريكيين طردوا من ديارهم المستأجرة سنويا لأنهم لا يمكنهم دفع الإيجار، ليكون هؤلاء بحق الفقراء المنسيين بكل معنى الكلمة (www.theguardian.com, February 24, 2017).
وفشلت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية في السيطرة على المخدرات والإدمان على العقاقير الطبية، فقد نشر موقع "ميديكال برس" تقريرا في 13 يونيو 2017 قال فيه إن 7.7 ملايين أمريكي استخدموا العقاقير الطبية المخدرة بشكل غير قانوني. و في 14 ديسمبر 2017 قالت شبكة "سي إن إن" الإخبارية إن نحو 40 بالمئة من طلاب المرحلة الـ12، و 28 بالمئة من طلاب المرحلة العاشرة، و 12.9 بالمئة من طلاب المرحلة الثامنة استخدموا بعض أنواع العقاقير الطبية المخدرة غير المشروعة في السنة الماضية. وذكر موقع " سي بي إس" في 6 يونيو 2017 على موقعه الإلكتروني الرسمي إنه تم وصف نحو أربعة مليارات حبة أفيون مخدر ما بين عامي 2011 و 2015 في ولاية أوهايو الأمريكية وحدها. كما أن الجرعات الزائدة للعقاقير الطبية المخدرة غير القانونية تعتبر السبب الرئيس لموت الأمريكيين ممن هم تحت سن الخمسين. وبحسب تقرير نشره مركز الولايات المتحدة للوقاية ومراقبة الأوبئة في شهر ديسمبر 2017، فقد تم تسجيل أكثر من 63.6 ألف حالة وفاة بسبب الجرعات الزائدة للعقاقير الطبية غير القانونية في العام 2016. وفي 12 ديسمبر 2017، نشرت شبكة أخبار " إيه بي سي" تقريرا حول تزايد استخدام عقار الأفيون المخدر ما دفع عشرات الآلاف من الأطفال الأمريكيين لمغادرة منازلهم عبر أرجاء الولايات المتحدة الامريكية، مستشهدا بتصاعد نسبته 32 بالمئة في قضايا الرعاية الطبية ما بين عامي 2012 حتى 2016.
وشهد نظام الرعاية الصحية في الولايات المتحدة عيوبا كثيرا، فقد ذكر فيليب آلستون المقرر الخاص للفقر المدقع وحقوق الإنسان في الأمم المتحدة في تقرير له أن "الفجوة الكبيرة في الرعاية الصحية" بين الولايات المتحدة الأمريكية ونظيراتها من الدول واصلت ارتفاعها وسط تقديرات بأن الأمريكيين يعيشون حياة أقل وحياة مليئة بالأمراض. بينما واصلت تكاليف النفقات الطبية والتأمين الطبي ارتفاعها حيث سجلت أسعار الدواء الخاصة بالأمراض المزمنة بدءا من الربو وحتى السرطان، مستويات قياسية في الولايات المتحدة وذلك حسبما ذكرت " الجارديان" في تقرير لها في 15 ديسمبر 2017 (www.theguardian.com, December 15, 2017). كما كشفت نتائج مسح أجراه مركز "بيو" البحثي في 14 ديسمبر 2017 تراجع المستويات الإيجابية للطريقة التي تعالج فيها الحكومة قضايا الوصول للضمان الطبي والصحي بنسبة عشرين نقطة مئوية منذ 2015 (www.people-press.org, December 14, 2017).