بقلم: نؤاس الدراجي
طرابلس 20 مارس 2018 / مثلما كان متوقعا أعلن سيف الإسلام القذافي ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة في ليبيا، ليعيد إلى أنصار الجماهيرية نظام والده الراحل معمر القذافي، بريقا من الأمل لعودة سيف الإسلام إلى واجهة السياسة، بعدما أطاحت ثورة 17 فبراير به وبعائلته بين ملاحق ومقتول ومسجون في الداخل والخارج.
هذه العودة للمشهد السياسي من الباب الواسع، تصطدم بعدد كبير من الصعوبات والعراقيل، لعل أبرزها العائق القانوني المرتبط بأحكام قضائية صدرت بحق نجل القذافي، إلى جانب مطالبات دولية بتسليمه للمحكمة الجنائية الدولية، ولا يقل الأمر أهمية بمدى احتفاظه بشعبيته بين الأوساط الشعبية.
وكان سيف الإسلام القذافي قد أعلن الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة يوم أمس (الاثنين)، بإعلان برنامج إصلاح ورؤية مستقبلية لتجاوز الأزمة في ليبيا.
وجاء هذا الإعلان، عبر مؤتمر صحفي عقده في تونس، على لسان مسؤول برنامجه السياسي أيمن أبوراس، الذي أكد استعداد سيف الإسلام الخروج بخطاب تلفزيوني خلال الأيام المقبلة، لعرض خطته الانتخابية أمام الشعب الليبي، مؤكدا أنه طليق ويتمتع بحريته ولم يغادر ليبيا.
عوائق قانونية
" ينبغي عدم إغفال أن سيف الإسلام القذافي صدرت بحقه أحكام قضائية، إضافة إلى صدور مذكرات جلب من طرف المحكمة الجنائية الدولية، وبالتالي كلها ملفات مهمة يتحتم عليها معالجتها أو موجهتها، قبل التفكير في الدخول إلى المعترك السياسي، لأنه ببساطة سيواجه هجمات شرسة"، هكذا وصفت ابتسام محمود المستشارة السابقة لدى المحاكم الليبية، إعلان نجل القذافي ترشحه للانتخابات المقبلة.
وأضافت المستشارة الليبية في تصريح لوكالة أنباء ((شينخوا)) اليوم (الثلاثاء)، أن " المحكمة العليا تنظر في حكم محكمة الاستئناف الذي أدان سيف الإسلام القذافي بالإعدام غيابيا، وبالتالي هذه القضية ليست سياسية بل هي شأن قضائي بامتياز، حيث تم الحكم عليه وفق أدلة وتحقيقات النيابة العامة استمرت لسنوات، بل وحظي بمحاكمة عادلة توفرت فيها كل الشروط اللازمة أسوة برموز النظام السابق".
كما لفتت المستشارة ابتسام محمود إلى أن المحكمة الجنائية الدولية لم تسقط حتى اليوم، مطالباتها بالقبض على سيف الإسلام وجلبه للقضاء الدولي، وهي قضية معقدة أيضاً تواجهه، خاصة في ظل تكرار دعوات المحكمة للسلطات الليبية بتسليمه للنظر في القضية المتهم فيها بارتكاب جرائم ترقى لمصافي جرائم الحرب.
وصدر بحق سيف الإسلام (46 عاما) في يوليو 2015، حكم الإعدام غيابياً من طرف محكمة الاستئناف في طرابلس، بتهم الإبادة الجماعية وجلب مرتزقة وتكوين تشكيلات مسلحة أثناء أحداث ثورة 17 فبراير 2011 التي أطاحت بحكم أبيه القذافي.
وكان البرلمان الليبي أصدر نهاية العام 2015 قانون (العفو العام)، عن كل الليبيين منذ تاريخ 15 فبراير 2011، حتي تاريخ إعلان القانون.
وأعلنت كتيبة أبوبكر الصديق التي كانت تحتجز سيف الإسلام في الزنتان، إطلاق سراحه "تطبيقا لقانون العفو العام الصادر من البرلمان".
وفور إعلان إطلاق سراحه، طالبت المحكمة الجنائية الدولية، المساعدة في القبض على سيف الإسلام القذافي، لتقديمه للمحاكمة بشكل فوري.
ولا يعرف المكان الذي يتواجد فيه سيف الإسلام، حيث تتضارب الروايات بين وجوده داخل أو خارج ليبيا.
كما طالبت المدعية العامة للمحكمة فاتو بنسودا، إلقاء القبض على سيف الإسلام وتقديمه فورا إلى المحكمة، مؤكدة اتخاذ الخطوات اللازمة لتحديد مكان نجل القذافي، دون أن تفصح عن طبيعة هذه الخطوات.
شعبية نجل القذافي
ويرى محمد الناجح ، وهو أحد قادة مشروع "ليبيا الغد" الذي أطلقه سيف الإسلام القذافي العام 2006، أن " فرصة توليه للحكم من الناحية النظرية ممكنة، لكن عملياً قد تواجه عقبات قانونية فقط ولا شيء آخر ".
وأكد الناجح في حديثه ل((شينخوا)) عبر الهاتف، " سيف الإسلام يحظى بشعبية كبيرة بين أوساط الليبيين، وعلى الرغم من محاولات التشويه التي تعرض لها طيلة السنوات الماضية، ومحاولة إظهاره بصورة المجرم والذي قتل الليبيين إبان أحداث 17 فبراير، إلا أن طيفا واسعا من الشعب يحب وجوده ...".
وحول فرص نجاحه في تولي رئاسة الدولة، قال الناجح " سيف الإسلام القذافي لديه علاقات واسعة مع المكونات الاجتماعية والقبلية في البلاد، وبمجرد توجيه نداء أو الدعوة لعقد ملتقى مصالحة أو ما شابه، فإن الجميع سيلتف حوله ويسمع كلمته (...)".
ومشروع (ليبيا الغد)، الذي أطلقه سيف الإسلام القذافي نهاية العام 2006، هو بمثابة تيار إصلاحي لنظام الجماهيرية السابق، الذي كان يحكم من خلاله العقيد معمر القذافي ليبيا، حيث دعا إلى استحداث دستور.
كما دعا في خطاباته إلى التحول السياسي مما وصفه "ليبيا الثورة" إلى "ليبيا الدولة"، ووجه انتقادات حادة للنظام السياسي لوالده، كما حاول من خلال (ليبيا الغد) إخراج ليبيا من العزلة الدولية، التي فرضت عليها نتيجة سياساتها المعادية للولايات المتحدة والغرب بشكل عام.
رفض دولي
المجتمع الدولي لا يظهر إشارات قبول ظهور سيف الإسلام القذافي على المشهد الليبي من جديد، وهو أمر أظهره المبعوث الدولي للأمم المتحدة غسان سلامة، عندما أشار في تصريحات صحفية نهاية العام الماضي، إلى عدم سعيه للقاء نجل القذافي، كونه مطلوب من القضاء الدولي.
هذا التصريح فسره مراقبون ، بأنه موقف يعكس عدم اهتمام المجتمع الدولي بأي دور مستقبلي لسيف الإسلام، لكن هذا الموقف ربما يتغير في حال استمرار فشل كل جهود إنهاء الأزمة السياسية في ليبيا.
وقال محمد عبد الله ، النائب في البرلمان الليبي، إن سيف الإسلام يظل ورقة مهمة في اللعبة الدولية التي تجرى في ليبيا، من أجل ضمان مصالح دول بعينها وضمان عدم ضياعها.
وأضاف " من ناحية قانونية فقد أصدر البرلمان قانوناً للعفو العام ، واعتقد أنه بغض النظر عن شمول سيف الإسلام بالقانون من عدمه، لا يعني أن لا يملك فرصة في الصعود السياسي من جديد، لكن الأمر متوقف على فشل جهود الوساطة الدولية في إنهاء الصراع السياسي، وحينها ربما تتغير المواقف وتلجأ دول بعينها إلى الاستعانة بنجل القذافي للتدخل وضبط الأمور في ليبيا ".
ونوه البرلماني الليبي ، بأن البعض قد يرى في السيناريو معقد وقد يفاقم الأزمة، لكنه يظل خياراً نكتشف نجاعته خلال الأشهر القليلة المقبلة، والتي ستحمل تغيرات كبيرة على المستوى السياسي وربما تصالح بين أنصار فبراير والفاتح، في إشارة لثورة الفاتح التي أتت بالقذافي على رأس السلطة عام 1969، وثورة 17 فبراير التي أطاحت بحكمه، بحسب وصفه.
وتسعى بعثة الأمم المتحدة في ليبيا لدعم عملية إجراء انتخابات قبل نهاية سبتمبر 2018، حسب ما أعلن رئيس البعثة غسان سلامة نهاية نوفمبر العام الماضي.
وطرح سلامة أمام مجلس الأمن في سبتمبر 2017 ، خطة تتضمن الدخول في جولة مفاوضات نهائية لتعديل الاتفاق السياسي المتعثر، إضافة إلى وضع خارطة طريق لإنهاء المرحلة الانتقالية، تنتهي بإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية قبل نهاية العام 2018.