بعد دوي أصوات معارك وانفجارات تصمّ الآذان، أصبح الآن ثمة صوت أكثر فرحا يُسمع في حمص، ثالث أكبر مدن سوريا، والتي دمرتها حرب أهلية وهجمات شنها تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي (داعش) في فترة ما بين عامي 2011 و2014.
هو صوت صياح بط لدى تهادي مجموعة من البطات عند بركة ماء بجانب الطريق أثناء نقرها للطعام.
إذ أنهم يعبرون عن مشهد متناقض في حي تظهر فيه مبان دمرتها القنابل والنيران. وكانت حمص فيما مضى مركزا صناعيا في وسط سوريا قبل أن تدمرها أعمال عنف وتشرد آلاف من أهلها.
وكان ربيع سحلول، وهو نجار يبلغ من العمر 43 عاما، أول رجل يعود إلى منزله بعد انتهاء أعمال العنف.
وقال سحلول، وهو يقف في الشارع الرئيسي في حي الحميدية، "لقد كانت ضربة كبيرة، أن أرى منزلي وقد احترق كله عندما عدت".
وكان سحلول يملك منزلا من طابقين. وكانت ورشته في الطابق الأول في حين عاشت عائلته في الطابق الثاني. وقد لازمه أمل محموم بأنه سيكون قادرا على العودة يوما ما، وذلك خلال أربع سنوات من حياة عصيبة عاشها بعد فراره مع أسرته من أعمال العنف التي ضربت المدينة.
وقال والألم يعتصره "لكن لا يمكن أن تعود إلى حياة قديمة دُمرت، كان يجب أن أبدأ من جديد". وكان أول ما فعله هو إعادة بناء منزله. واستغرق الأمر منه أكثر من سنة لترميم وبناء الجدران والسلالم والأبواب والنوافذ. والآن بات منزله مجددا بعد أن انتقل إليه مع زوجته وأطفاله الأربعة. وأصبحت رائحة الطعام الزكية، الذي يتم طهوه، تنبعث من مطبخ منزله.
وكان المكان مهجورا وساكنا بشكل مخيف عندما عاد سحلول. لذلك قرر تربية بط كنوع من الصحبة. وكسرت بطاته المفعمة بالحيوية الصمت الكئيب السائد في الشارع الذي تحيط به منازل متهدمة وخاوية ما ساعده على التخفيف من شعور الوحدة الذي كان يحس به، بحسب ما ذكر.
وفي وقت لاحق، عادت سبع عائلات إلى الحي. واليوم، عاد قرابة خُمس سكان مدينة حمص القديمة إلى بيوتهم.
ويشعر سحلول بالسعادة لرؤيته المزيد من الأبواب والنوافذ الجديدة على الجدران التي اسودت جراء نيران المعارك. وعادت ورشته إلى العمل مرة أخرى. وتشهد الزخارف الدقيقة على العديد من الأبواب الخشبية على حرفيته.
وعادت إمدادات المياه والكهرباء وكذلك شبكة الاتصالات إلى المنطقة، وقالت الحكومة إنها سترسل مهندسين لتقييم الأضرار التي لحقت بالمنازل في 13 حيا في المدينة القديمة، حيث سيتم إعادة بناء المنازل التي تبلغ نسبة التضرر فيها 70 في المائة.
بيد أن عملية إعادة الإعمار تعد عملية صعبة. ولا تستطيع الحكومة أن تفعل ذلك بمفردها، ويلزمها دعم من المجتمع الدولي.
بالإضافة إلى البط، يقوم سحلول حاليا بتربية الدجاج والحمائم أيضا.
وقال إن "الشارع يتمتع بـ (نبض) حياة أقوى، والناس هنا والمارة يرون المزيد من الحيوية ويشعرون بمزيد من التفاؤل".