على ضوء ما يقدمه التاريخ من دروس حول القضية النووية في شبه الجزيرة الكورية، سيكون توقع أن تنزع بيونغ يانغ برنامج سلاحها النووي تحت ضغط العقوبات، أمرا مخيب للآمال ، ناهيك عن أنه عقيم تماما.
في يوم الإثنين ، تبنى مجلس الأمن الدولي المزيد والأشد من العقوبات ضد جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية، بسبب تجربتها النووية السادسة في مطلع هذا الشهر، وهي التجربة أو التفجير الأقوى لهذا البلد حتى الآن .
العقوبات الجديدة استثنت حظرا نفطيا ورد في المشروع الأول للقرار، وطالبت بالحظر على صادرات كوريا الديقمراطية من الأنسجة تبلغ قيمتها 800 مليون دولار أمريكي، وهي ثاني أكبر صادرات البلاد بعد الفحم.
إنها المرة الثامنة التي تفرض فيها الأمم المتحدة عقوبات على بيونغ يانغ منذ تجربتها النووية الأولى تحت الأرض ، عام 2006.
رغم ذلك، وعلى مدى عقد أو أكثر، ظلت الأزمة النووية في شبه الجزيرة الكورية تدور في دوامة عميقة لا نهاية لها، وتسبب التجارب النووية والصاروخية المزيد والأشد من العقوبات، وهو ما يحفز على المزيد من التجارب.
قبيل تصويت الأمم المتحدة يوم الإثنين، حذرت كوريا الديقراطية في بيان لوزارة خارجيتها، من أنها مستعدة للرد على أية عقوبات جديدة "بأي شكل من الوسائل القصوى".
ورغم كل هذه السنين من العقوبات، وعلى ضوء ما أعلنته بيونغ يانغ من أنها اختبرت بشكل ناجح، قنبلة هيدروجينية يمكن تحميلها على صاروخ عابر للقارات، فإن إمكانية أن ترضخ بيونغ يانغ لمثل هذه العقوبات الأخيرة، تبدو غائبة تماما، في حين أن فرص إجراء المزيد من التجارب وخاصة الصاروخية، عالية جدا.
لقد حان الوقت الآن ، للعديد من أعضاء المجتمع الدولي، ولاسيما واشنطن، لاتخاذ نهج أكثر واقعية وشمولية، لإخماد التوترات النووية في شبه الجزيرة الكورية.
منذ أن أصبح دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة، بدا هو وفريقه للأمن القومي، بعزم أقوى وأكثر إلحاحا، لكبح وإنهاء البرنامج النووي لكوريا الديمقراطية.
لقد أعلن البيت الأبيض الأمريكي رسميا إنهاء السياسة التي أتبعها الرئيس السابق باراك أوباما حول الصبر الإستراتيجي تجاه بيونغ يانغ، والتحول إلى ما يسمى بـ"الخنق الإستراتيجي "، من خلال زيادة الضغوط على هذا البلد الواقع شمال شرقي آسيا، ورفض التفاوض مع بيونغ يانغ.
ومن خلال رفضها التفاوض الدبلوماسي، فإن إدارة ترامب تعيد نفس الخطأ الذي يسلمه رئيس أمريكي سابق لمن يليه، خلال التاريخ المعاصر.
حاليا، لا أحد يجادل في أن فرض العقوبات على بيونغ يانغ، تصويب خاطئ على هدف ، ومن المؤكد أن الصورة غير مكتملة هكذا. إن الهدف الأساسي لهذه الخطوات ينبغي أن يكون إعادة هذا البلد إلى طاولة تفاوض تجلس عليها كافة الأطراف المعنية، لبحث السبل الكفيلة فعلا بتجميد أو وقف الخطط النووية لكوريا الديمقراطية، وضمان تحقيق السلام والاستقرار الدائمين بالمنطقة.
إن تحقيق بدء مثل هذه المفاوضات أمر صعب حاليا بسبب غياب الثقة بين بيونغ يانغ وواشنطن ، وعدم إمكانية تحسينها بسبب توجه إدارة ترامب لإرسال رسائل مختلطة مشووشة بين حين وآخر.
فمن جهة، تعهد وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيليرسون بأن بلاده لا تريد تغيير النظام في بيونغ يانغ، مؤكدا على "الضغط السلمي"، بينما على الجهة الأخرى ، يلوح ترامب بالخيار العسكري بين الفينة والأخرى .
إن لعبة الموقف اللين، والآخر المتشدد، قد تحمل نتائج عكسية في هذه المنطقة عالية التوتر، والتي تحاول تحقيق توازن هش على سطح جليد خطر الإنزلاق .
لهذا، فمن المهم جدا لواشنطن أن تحول سياستها من محاولة عزل كوريا الديمقراطية إلى التواصل معها ، لأن أية ضغوط جديدة قد لا تتحملها بيونغ يانغ، ربما ينجم عنها كارثة نووية محتملة سيعاني منها الجميع بشكل بشع.