بقلم/ عماد الأزرق
القاهرة 10 نوفمبر 2017 / أكد خبراء وسياسيين لبنانيين ومصريين، على أن الصراع السعودي - الإيراني من شأنه أن يلقي بظلاله على لبنان بعد استقالة رئيس وزرائه سعد الحريري مؤخرا.
وأعلن الحريري يوم السبت الماضي من المملكة العربية السعودية بشكل مفاجيء في خطاب تليفزيوني، استقالته من رئاسة الحكومة اللبنانية.
وشن الحريري في خطابه هجوما عنيفا على ايران و"حزب الله" اللبناني، معتبرا أن الأجواء السائدة في لبنان شبيهة بالمرحلة قبيل اغتيال والده رفيق الحريري عام 2005.
ويرى النائب شانت جينجنيان العضو بالبرلمان اللبناني عن حزب القوات اللبنانية، أن استقالة الحريري بمثابة سحب السجادة من تحت قدمي حزب الله، وخلع الشرعية عن الحكومة التي يستخدمها البعض كغطاء.
وأكد جينجنيان لوكالة أنباء (شينخوا) أن الاستقالة تعني أن هناك قواعد جديدة للعبة السياسية لابد وأن يتم التوافق عليها، وأنه يجب على الفريق الأخر (حزب الله) أن يعيد حساباته في ضوء تلك القواعد.
ونوه إلى مسارعة القوى السنية بالإعلان عن عدم ترشيح أي فريق سني لرئاسة الحكومة قبل أن يكون هناك توافقا سنيا على هذا المنصب، مشيرا إلى أن السياسية اللبنانية هي سياسة توافقية، ولا يستطيع فريق أن يعين مسئولا إلا بموافقة الطرف الأخر، وهذا ما جعل كرسي رئاسة الجمهورية شاغرا لقرابة العامين والنصف، وكلف لبنان 9 أشهر أيضا من الفراغ الحكومي.
وأشاد دكتور أحمد الزين المحلل السياسي وأستاذ القيادة بالجامعة الحديثة للادارة والعلوم ببيروت، بمواقف الرئيس ميشال عون ورئيس البرلمان نبيه بري حيال استقالة الحريري، مؤكدا أنها كانت على قدر كبير من المسئولية جعلت هناك حالة من الطمانة في الشعب اللبناني.
وأشار الزين لوكالة أنباء (شينخوا) إلى أن جميع اللبنانيين استقبلوا نبأ الاستقالة بمسئولية كبيرة، فصار الجميع يدا واحدة سواء مؤيد أو معارض للحريري مطالبا بعودة الحريري، ومعتبرا ذلك تجاوبا لبنانيا رسميا على قدر كبير من المسئولية.
أما السفير سيد أبوزيد سفير مصر الاسبق في لبنان، فيرى أن الاستقالة التي تقدم بها رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري كان لها وقع كبير في لبنان الأمر الذي يعبر عن رغبة الأطراف اللبنانية لتحقيق وضع يسمح بالعيش الهادئ وتحقيق الاستقرار الأمني والسياسي.
وقال أبو زيد لوكالة أنباء (شينخوا) إن ردود الفعل التي صدرت عن الأطراف اللبنانية في أعقاب الاستقالة تؤكد أنهم كانوا لا يتوقعون الاستقالة، وأنها تسببت في إحداث صدمة لهم.
"لبنان بين التحييد والاستقطاب"
أكد النائب شانت جينجنيان العضو بالبرلمان اللبناني عن حزب القوات اللبنانية، أن "هذه الاستقالة كانت مفاجئة كتوقيت وأسلوب، لكننا لم نتفاجئ بشكل كبير، وكنا ننتظر تغيير ما، أو حدوث شئ ما، لأن التوافق الذي على أساسه انتخب رئيس الجمهورية ثم تم تشكيل حكومة الحريري هو تحييد لبنان من صراعات المنطقة، خاصة الصراع بين السنة والشيعة".
وقال جينجنيان إنه عندما تم الاخلال بهذا الاتفاق فكان من الطبيعي أن تأتي هذه الاستقالة، مشيرا إلى أن اللبنانيين تاريخيا لايحبون الصراعات، واللبناني محب للحياة والتجارة والعلم بطبيعته.
وشدد على أن الحكومة اللبنانية مجتمعة هي الضمانة للشرعية، مشيرا إلى أن اتفاق الطائف أعطى كثير من صلاحيات رئيس الجمهورية للحكومة لأنها تمثل جميع الطوائف.
وتابع "ما حدث في السنوات الأخيرة هو أن بعض القوى الإقليمية كانت تحاول أن تجر لبنان للصراعات مع قوى عربية أخرى، والبعض يستخدم لبنان كساحة للتهجم على دول الخليج وهو أيضا أمر نرفضه، فنحن نرفض الأمر من الطرفين، فكما نرفض أن تستخدم لبنان في الهجوم على إيران نرفض استخدامها في الهجوم على الخليج".
وأردف قائلا "لذلك كان الأساس في تكوين لبنان هو الحياد وهذا موجود في الدستور اللبناني واتفاق الطائف، وأي خلل فيه يؤدي إلى خلل في الداخل".
من جانبه، أكد السفير سيد أبوزيد سفير مصر الاسبق في لبنان، أن بعض تفسيرات الاستقالة ترى أنها كانت نتيجة التغول الإيراني في لبنان.
وأشار إلى اتفاق الطائف الذي وقعته الأطراف اللبنانية والذي حرص على تحييد لبنان، بهدف منع وجود أي استقطابات خارجية فيه، وهو ما عكسته السياسية الخارجية اللبنانية طوال السنوات الماضية والتي انتهجت "سياسة النأي بالنفس"
"استبعاد الصدام المسلح"
وقال النائب شانت جينجنيان "لا اعتقد باحتمال وقوع صراع عسكري في لبنان لأن الوضع في لبنان لا يتحمل الصراع بين جبارين في المنطقة، ولبنان بلد صغير لا يتحمل تبعات ذلك، خاصة أن اللبنانيين مروا بتجربة مرة أثناء الحرب اللبنانية بين عامي 1975 – 1990.
وأضاف جينجنيان "حتى الوضع الاقتصادي والاجتماعي لايحتمل أي صراع نظرا لوجود نازحين سوريين نحو مليون ونصف أو مليونين، بالاضافة إلى نصف مليون فلسطيني".
واستطرد قائلا "ربما يكون هناك صراع سياسي ولكنني أستبعد اي صراع مسلح، فسياسيا قد يكون هناك توتر وحدة في التصريحات، ولكن لن يتطور ذلك إلى مواجهات مسلحة لأن الطرف الأخر وهو تيار 14 أذار بزعامة الحريري لا يستحوذ على سلاح".
وتابع "الاستقالة يمكن أن تجعل لبنان مسرحا رمزيا للصراع بين السعودية وإيران، ولابد للبنان ألا تنزلق في الصراعات الاقليمية، فالبعض يحاول استعمال لبنان كورقة في مشاريعه الاقليمية وهذا ما نرفضه، فنحن نريد إعادة لبنان لماضيه، بأن يكون منارة الشرق، ويمكن أيضا أن يكون مساعدا إيجابيا في القضايا الاقليمية، وليس طرفا في صراعاتها".
وأعرب السفير سيد أبوزيد سفير مصر الاسبق في لبنان، عن عدم اعتقاده بأن تخلق استقالة الحريري نوعا من الصراع السياسي في لبنان، مشيرا إلي أنه في ظل غياب رئيس الحكومة يكون هناك نوع من الجمود في الموقف اللبناني.
وحول ما اذا كان تأزم الأوضاع بين السعودية وإيران من شأنه أن يدفع باحتراب أهلي في لبنان كنوع من الحرب بالوكالة، قال أبو زيد "من الصعب والمستبعد أن تدخل الأطراف اللبنانية في صدام أو حربا بالوكالة، وهي جربت ذلك من قبل خلال الفترة من 1975 -1989".
وأوضح أن كل الأطراف اللبنانية تدرك جيدا تبعات أي صدام فيما بينها، وإن كان هذا لايمنع وقوع احتقان سياسي حاد بينها.
ولكنه لم يستبعد تطور الموقف بين الرياض وطهران، وتأزم العلاقات بينهما أكثر، مشيرا إلى تصريح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بأن إمداد إيران للحوثيين بصواريخ بعيدة المدى مطورة يعتبر نوعا من العدوان على المملكة، وانه في حال عدم وقف هذا العدوان فإنه سيتم التعامل معه بكل قوة.
ولفت إلى أن أي عمل عدائي من جانب إيران لن يكون موجها ضد السعودية فقط، وانما سيعتبر موجها ضد دول الخليج كافة والتحالف العربي المشارك باليمن، مايعني اتساع المواجهة وعدم اقتصارها على الطرفين.
وشدد أبو زيد على أن إيران مطالبة بالتوقف الفوري عن التدخل في شئون دول المنطقة، منعا لاشتعال الموقف بالمنطقة.
ويرى دكتور أحمد زين المحلل السياسي وأستاذ القيادة بالجامعة الحديثة للادارة والعلوم ببيروت، أن لبنان قد تصبح ساحة صراع سياسي بين السعودية وإيران.
ولكن زين استبعد تماما أن يصل الأمر إلى حرب سواء بين الأطراف اللبنانية بالوكالة، أو بين أطراف خارجية على أرض لبنان.
واستطرد قائلا، "ولكن دور إيران يتم تضخيمه، رغم أن إيران تساعد في إعادة إعمار لبنان منذ حرب 2006"، مشيرا إلى أن حزب الله يمثل شريحة كبيرة من اللبنانيين وكان متعاون بشكل كبير مع رئيس الحكومة سعد الحريري.
"الخروج من الأزمة"
أكد النائب جينجنيان أن الخروج من الأزمة اللبنانية الحالية يأتي بالعودة إلى الاتفاق الذي كلف لبنان عامين ونصف من الفراغ الرئاسي وتسعة أشهر من الفراغ الحكومي وهو مذكور في مقدمة الدستور اللبناني.
وأضاف أن لبنان ليس له وجه شرقي ولا غربي، فهو دولة عربية له شخصيتها، ويجب أن يكون دائما على الحياد، وهذا هو الاتفاق الأخير الذي على أساسه تم انتخاب الرئيس ميشال عون وتم تشكيل حكومة سعد الحريري.
من جانبه، رأى السفير أبوزيد أن المستقبل مازال يحمل فرصا لاعادة الأمور إلى نصابها، وهناك إدراك من الأطراف اللبنانية بأن خلاف ذلك سينعكس سلبا على الساحة اللبنانية ككل والتي شهدت الكثير من الخلافات والنزاعات سواء في ثمانينات القرن الماضي أو قبل اختيار ميشال عون رئيسا والحريري رئيسا للجمهورية.
وقال إن طبيعة لبنان لايصلح معها سياسة الضغوط والتهديد، مشيرا إلى أن بعض الأطراف الحكيمة هناك تسعى جاهدة لرأب الصدع بما يسمح بعودة الحريري إلى منصبه.
ولفت إلى أن هناك بالفعل بعض الاصوات التي خرجت تنادي بذلك ولكن بشرط ألا يتم التدخل في عمله من الأطراف التي شكا منها وخاصة حزب الله، مشيرا في هذا الصدد إلى تصريحات نصر الله التي حاولت نفي ممارسة أية ضغوط على الحريري.
و أعرب عن أمله كذلك في أن لا تحدث مواجهات عسكرية بين السعودية وإيران.
وشدد على أن هذا يتطلب عودة الموقف الإيراني إلى الموضوعية وجادة الصواب، مشيرا إلى أن إيران تساعد العديد من الأطراف بالمنطقة والتي باتت تشكل تهديدا للسعودية وخصوصا جماعة الحوثيين نظرا لخروجها خارج حدود اليمن وتشكيل تهديد مباشر للداخل السعودي بعد استهداف العاصمة الرياض بصاروخ بالستي.