بكين 20 يوليو 2017 / واصل الاقتصاد الصيني، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، توسعه بوتيرة مطردة في النصف الأول من العام الجاري مع ارتفاع إجمالي الناتج المحلي بنسبة 6.9 في المائة على أساس سنوى حسبما كشفت بيانات مصلحة الدولة الصينية للإحصاء. وفي هذا الصدد، رصد المراقبون الدوليون وسط اقتصاد عالمي آخذ في الانتعاش ومواجهة المخاطر في آن واحد رصدوا مجموعة "محاور" جديدة وقفت وراء تحقيق الصين لهذا النمو وشكلت مصدر إلهام للعالم.
-- الاقتصاد .. تدعيم القوة الدافعة الناشئة
لقد سجلت مبيعات الصين على الإنترنت في النصف الأول من العام الجاري نموا نسبته 33.4 في المائة، كما نمت القيمة المضافة للصناعات ذات التكنولوجيا الفائقة والصناعات التحويلية بنسبتي 13.1 و11.5 في المائة على التوالي، فيما حققت الصناعات الناشئة الإستراتيجية نموا نسبته 10.8 في المائة، هو ما يعد دلالة على أن القوة الدافعة الجديدة للاقتصاد الصيني تعززت مع الارتقاء بالصناعات الجديدة.
فعلى سبيل المثال، لفتت ظاهرتا "إنترنت بلس" و"الاقتصاد التشاركي" المشهودتين بأنحاء البلاد أنظار الخبراء والباحثين الأجانب،إذ أن الطبيعة الاقتصادية التشاركية مثل الدراجة العامة التشاركية والدفع عبر تطبيق "ويتشات" الشهير للتواصل الاجتماعي لا تسهل حياة الناس فحسب، وإنما من المتوقع أيضا أن تدفع الاقتصاد بسرعة لا يستهان بها.
فها هي القوى الدافعة الجديدة تتجمع وتظهر نقاط نمو جديدة بشكل مستمر. وقد تتعزز المنافع من "شرارة" ابتكارية ما تنطلق في أحد المجالات خلال حركة النشاط الاقتصادي بل وتساعد في رفع إجمالي الناتج المحلي. والآن، تعكف الحكومة الصينية على اتخاذ سلسلة من الإجراءات لتجاوز العقبات الكائنة في النظم والآليات لتنشيط حيوية الاقتصاد حيث لا تزال القوة الدافعة اللاحقة لنمو الاقتصاد الصيني كبيرة وواعدة.
-- الاقتصاد .. تحسين الهيكل والارتقاء بالجودة
وقد تجاوزت نسبة نمو صناعة الخدمات في إجمالي الناتج المحلي 50 في المائة وواصلت المضى في اتجاه توسعها، فيما ساهم الإنفاق الاستهلاكي في النمو الاقتصادي بنسبة 63.4 في المائة.
ومن جانبه، قال لي وي هاو الخبير الاقتصادي في بنك ستاندرد تشارترد في مقابلة أجرتها مؤخرا إن الجهد الذي تبذله الصين لتحسين هيكل اقتصادها مع حفاظها في الوقت ذاته على استقراره يعد إجراء إيجابيا للغاية.
فـ"الطلب المحلي القوي داخل الصين يؤدى إلى زيادة طلب الصينيين على السلع والخدمات الأجنبية، وهو ما يقدم بدوره إسهامات مهمة ومتميزة للاقتصاد الإقليمي. وعندما نضرب مثالا على ذلك بالسياحة، نجد أن نمو الاقتصاد الصيني بشكل مطرد وثراء الشعب الصيني بشكل متزايد يساعدان على نمو صناعة السياحة في العديد من بلدان العالم، وهكذا يجلب النمو المطرد الذي يسجله الاقتصاد الصيني منافع متوسطة وطويلة الأمد للاقتصاد الإقليمي"، على حد قول لي وي هاو.
وأكد المراقبون أن مواصلة دفع الإصلاح والارتقاء بجودة النمو والهيكل الاقتصادي أمران حاسمان لكسب ثقة الناس في قدرة الصين على تحقيق نجاح طويل الأمد.
-- الاقتصاد .. معالجة نقاط الضعف للنهوض به
وفي النصف الأول من العام الجاري، دفعت الصين بحزم الإصلاح الهيكلي في جانب العرض. وبلغت نسبة الاستفادة من القدرات الصناعية الوطنية 76.4 في المائة، بزيادة نسبتها 3.4 في المائة مقارنة بنفس الفترة من العام السابق. وانخفضت مساحة العقارات المعروضة للبيع في نهاية شهر يونيو بنسبة 9.6 في المائة، كما انخفضت نسبة الديون إلى الأصول بالنسبة للشركات الصناعية ذات الحجم المحدد في نهاية شهر مايو بواقع 0.7 في المائة لتصل إلى 56.1 في المائة.
فاهتمت الصين أثناء سير عملية دفع الإصلاح بإطلاق العنان لدور السوق وتجنب المخاطر المالية. وفيما يتعلق بهذا الأمر، قال شيونغ يوي الأستاذ الدائم في كلية نيوكاسل للأعمال التابعة لجامعة نورثمبريا البريطانية إن الحكومة الصينية خفضت الرافعة المالية بشكل منهجي وتعاملت بشكل إيجابي مع عوامل عدم اليقين التي واجهتها في عملية النمو لتجعل الاقتصاد قويا وصحيا ومستداما.
ووضعت الحكومة الصينية المستوى المعيشي لمواطنيها في مكانة بالغة الأهمية أثناء دفعها عملية الإصلاح، حيث تفوقت سرعة نمو دخل المواطنين الصينيين في النصف الأول من العام الجاري على سرعة نمو إجمالي الناتج المحلي، وهي ليست المرة الأولى في الصين؛ كما تفوقت الزيادة في دخل سكان القرى على الزيادة في دخل سكان المدن للتقلص بذلك فجوة الدخل بين أهالي الريف والحضر.
ورأى شيونغ أن جهود الحكومة الصينية لتحسين معيشة شعبها تستحق الإشادة، وإجراءاتها لمعالجة نقاط الضعف وتبديد المخاطر باستمرار فيما يتعلق بسياسات التوظيف وتأسيس الشركات طوال الثلاثين عاما ويزيد الماضية جديرة بالاهتمام والدراسة والتعلم.
-- الاقتصاد .. مواصلة الانفتاح وضخ الحيوية
وفي الواقع، قفزت صادرات الصين في النصف الأول من العام الجاري بنسبة 15 في المائة وكذا عائداتها بنسبة 25.7 في المائة، كما يتسع الطلب المحلي في الصين بشكل متواصل فيما يتجه الطلب الخارجي نحو الاستقرار والزيادة.
وبدوره قال دو قوي مدير اتحاد غرف التجارة الصينية في ماليزيا إنه في ظل الانكماش الاقتصادي العالمي، يرجع حفاظ الصين على نمو اقتصادها بسرعة من متوسطة إلى مرتفعة إلى تمسك الحكومة الصينية بأفكار الانفتاح. فلا يمكن لاقتصاد كبير الحجم مثل الاقتصاد الصيني مواصلة نموه بسرعة عالية إلا من خلال الالتزام بالانفتاح ومعانقة الفرص الهائلة الناتجة عن العولمة.
وشاطره الرأي لي وي هاو، مشيرا إلى أنه مقارنة بالسنوات العشر الماضية، تتجه سياسات الكثير من دول العالم نحو الداخل وتميل إلى تطبيق الحمائية التجارية، بينما تنمو الصين بنمطها المنفتح المستمر وتقود الإقليم في النمو بالانفتاح، وهذا يعد في حد ذاته أمرا جيدا جدا بالنسبة للدول التي تعتمد على تصدير المنتجات.
وشدد شيونغ يوي على أن الصين تقوم بكل ثقة بالانفتاح على العالم الخارجي بمستوى عال ارتكازا على أدائها المتميز في إدارة شؤونها الداخلية. وبمضيها على طريق نمو اقتصادي يحمل سمات داخلية وخارجية خاصة ومميزة، أصبحت الصين دولة تسعى البلدان الأخرى إلى التعاون معها ودراسة تجربتها. ومن المتوقع أن تظل الصين على المدى الطويل مستقبلا أكبر دولة مساهمة في نمو الاقتصاد العالمي.