بكين 10 يوليو 2016 / أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، الذي وصل مدينة الموصل أمس الأحد، تحقيق "النصر الكبير" في المدينة "المحررة"، بعد نحو 9 أشهر من انطلاق عملية استعادة ثاني أكبر مدن البلاد.
وتعد استعادة القوات العراقية الموصل من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) هزيمة كبيرة للتنظيم المتطرف في العراق، كما تحمل الخطوة أهمية رمزية كبيرة، حيث أعلن زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي "الخلافة" من الموصل قبل 3 سنوات، ومنذ ذلك الحين صارت المعقل الرئيسي لداعش في العراق.
لكن علينا أن ندرك أن هذا الانتصار ليس نهاية الإرهاب، ولن ينه رعب التنظيم الإرهابي.. فمن ناحية، ما زال داعش يسيطر على العديد من المناطق في شرق وشمال شرق سوريا، كما تعمل فروع التنظيم المتطرف في مصر وليبيا واليمن بشكل نشط. ومن ناحية أخرى، بات لدى داعش رغبة في زعزعة الأمن الدولي من خلال شن هجمات إرهابية خارج المنطقة بهدف تشتيت انتباه العالم وتخفيف الضغوط التي يواجهها بالمنطقة، فامتدت عملياته إلى أرجاء عدة في المعمورة مثل أوروبا التي شهدت سلسلة من الهجمات الإرهابية في الآونة الأخيرة. وبينما تقل الهجمات الجماعية المنظمة، تكثر هجمات "الذئاب المنفردة"، الأمر الذي يشكل تهديدا جديدا لعملية مكافحة الإرهاب.
في الوقت نفسه، أدت غارات التحالف بقيادة الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط إلى تسجيل خسائر في الأرواح بين المدنيين الأبرياء، وهو ما يثير سخطا شديدا من قبل المهاجرين والمسلمين الذين يعيشون في الدرك الأسفل من مجتمعات الدول الغربية ويشعرون بالتهميش. وهذا السخط صار سببا آخر يقف وراء تزايد كثافة الهجمات الإرهابية الانتقامية في الدول الغربية.
إن العملية العسكرية لطرد تنظيم داعش التي انطلقت قبل 9 أشهر تعكس مشقة وطول أمد المعركة ضد الإرهاب. وعندما نستعرض تاريخ مكافحة الإرهاب، يتبين أن السياسات المتبعة من قبل المجتمع الدولي في مجال مكافحة الإرهاب لم تجلب سوى نتائج عكسية: إذ ظهرت تنظيمات إرهابية متنوعة من القاعدة إلى داعش، وزادت الهجمات الإرهابية في أنحاء العالم ليصبح الإرهاب "سلطان العالم" الذي يصعب اقتلاع جذوره.
صحيح أن ظهور الإرهاب ونموه يتعلقان بالفقر والانقسام المجتمعي والنزاعات الطائفية في منطقة الشرق الأوسط، لكن في الواقع، تدخل الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة زاد الوضع تعقيدا، ناهيك عن حروب وتدخلات واشنطن المتعددة في المنطقة في العراق وسوريا وليبيا وسياساتها المنحازة في القضية الفلسطينية-الإسرائيلية التي تغذي الاضطرابات والفوضى في الإقليم وتمهد التربة الخصبة للإرهاب.
وبالتالي، يجب في الوقت الراهن أن تعطي الأولوية في منطقة الشرق الأوسط لإعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي والمصالحة الوطنية. وفي هذا الصدد، يتعين على الدول الغربية، لاسيما الولايات المتحدة، أن تتحمل مسؤولية مساعدة الدول المنكوبة بالحرب في عمليات إعادة الإعمار وتوطين اللاجئين فضلا عن دفع محادثات السلام بين إسرائيل وفلسطين بشكل موضوعي. فبذلك، سيتحقق السلام والاستقرار على المدى الطويل في المنطقة.
الإرهاب عدو مشترك للعالم كله وأفضل وسيلة لمكافحته تتمثل في التضامن الدولي في إطار معايير موحدة. وعلى الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة أن تتخلى عن سياساتها القائمة على التدخل والمصالح الذاتية في مكافحة الإرهاب وتشارك في بناء نظام دولي عادل ومتناغم، وإلا لن تكتب نهاية لرعب الإرهاب.