طرابلس 14 يونيو 2017 / لم يتوقع أحد أن يعود سيف الإسلام القذافي لدائرة الأضواء ، عقب سجنه لأكثر من ست سنوات، بتهم ارتكاب جرائم إبادة وقمع المتظاهرين، إبان انتفاضة ثورة 17 فبراير 2011 ، بجانب مطالبة المحكمة الجنائية الدولية بتسليمه، على ذمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية .
وعقب أيام قليلة على إطلاق سراحه بموجب قانون العفو العام، والجدل الذي رافق تنفيذه بحق من وصف بالصندوق الأسود للعقيد الراحل معمر القذافي، بدأت الأصوات ترتفع بشأن حلم الإبن سيف الإسلام ، في إعادة جماهيرية الأب ، التي حكم بها ليبيا لأكثر من أربعة عقود.
يرى جلال الفيتوري أستاذ القانون في الجامعات الليبية في تصريح لوكالة أنباء ((شينخوا)) يوم الأربعاء ، أن " قضية سيف الإسلام منظورة أمام القضاء الوطني، ولا يمكن لأحد اتخاذ أي قرار بشأن حريته، إلا عبر المنظومة القضائية ممثلة في النيابة العامة والمحكمة، وبالتالي إذا تم الإفراج عنه فعلياً، فهو تجاوز للصلاحيات من قبل المسؤولين عن ذلك " .
وأضاف الفيتوري ، أن قضية سيف الإسلام تعكس حالة الفوضى السياسية، التي تلقي بظلالها دوماً على القضاء ، وتساهم في تشويه صورته، واختتم مستغرباً " الجميع من السياسيين يريدون تفعيل القضاء ويطالبون باحترامه ، وفي النهاية لا يحترم قراراته أحد".
واعتبر الأستاذ أن إطلاق سراح سيف الإسلام في هذا التوقيت يثير تساؤلات عدة، حول إمكانية إقحام أطراف دولية إقليمية ، إشراك نجل العقيد القذافي في تولي إدارة البلاد ، نظراً لكم العلاقات والمكانة التي يحظى بها عند القبائل الكبرى، بالإضافة إلى الأموال التي يمتلكها في الخارج، وهي عوامل نجاح وأدوات مهمة، ستسهل عودته للمشهد السياسي الليبي بكل سهولة.
وكشف القائم بأعمال النائب العام الليبي المستشار إبراهيم مسعود علي، أن النيابة العامة باشرت التحقيق في المتورطين بإطلاق سراح سيف الإسلام القذافي.
وأوضح المستشار إبراهيم مسعود في بيان صحفي، أنه " بناء على المعلومات التي تفيد بالإفراج عن سيف الإسلام المحكوم عليه غيابيا، فهو مطلوب القبض عليه بموجب الحكم القضائي، حتى يصار إلى محاكمته حضورياً في التهم المنسوبة إليه، وفقاً لمقتضيات شروط المحاكمة العادلة".
وأضاف، "التهم التي حكم فيها، يتطلب العفو عنها توافر تنازلاً من أولياء الدم، إضافة إلى أن قانون العفو العام تختص به السلطة القضائية، بالإضافة إلى أن المتهم مطلوب لدى محكمة الجنائية الدولية ، عن جرائم ضد الإنسانية".
وأشار القائم بأعمال النائب العام الليبي، إلى أن النيابة العامة باشرت إجراءات التحقيق بالواقعة، منوهاً إلى أن الإجراءات القانونية والتحقيقات والمحاكمة، ستطال كل من يثبت تورطه، في عرقلة تنفيذ أحكام القضاء.
أما إبراهيم الدباشي سفير ليبيا السابق لدى الأمم المتحدة، فقد وصف عملية إطلاق سراح سيف الإسلام القذافي، بأنها تحمل طابع "تحالف قبلي".
وكتب في تدوينه عبر حسابه الرسمي على الفيسبوك، " هذه الخطوة إذا تأكدت، لا يوجد ما يبررها سوى تحالفات قبلية ترجع للقرون الماضية، أنتجت رسالة وزير العدل السابق بالحكومة المؤقتة الذي لا سلطة له على القضاء، وتصرف أمر كتيبة أبو بكر الصديق الذي لا يمثل الجهة المختصة".
وتابع، " قطاع كبير من الليبيين سيعتبر هذه الخطوة خيانة للوطن... والرجل صدر عليه حكم غيابي وما زال مطلوباً للقضاء الليبي وللمحكمة الجنائية الدولية، ويجب استكمال محاكمته، وإذا ثبتت براءته فيما بعد يمكن إطلاق سراحه " .
واختتم تدوينته ، " كان الأولى تشكيل لجنة من السلطتين التشريعية والقضائية ، لدراسة وضع كل السجناء في ضوء قانون العفو العام ، وتحديد من ينطبق عليهم ويتم إطلاق سراحهم بإجراء رسمي من الدولة ، يضمن عدم ملاحقتهم لا داخلياً ولا خارجيا، هناك كثيرون ممن هم أولى من سيف بإطلاق سراحهم".
وأعلنت كتيبة أبوبكر الصديق التابعة للجيش الليبي مطلع الأسبوع الجاري ، إطلاق سراح سيف الإسلام نجل الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، " تطبيقا لقانون العفو العام الصادر من البرلمان الجهة الشرعية الوحيدة في البلاد " .
وكان البرلمان الليبي أصدر عام 2015 قانون العفو العام ، عن كل الليبيين منذ تاريخ 15 فبراير 2011 ، حتي تاريخ إعلان القانون.
وصدر بحق سيف الإسلام في يوليو 2015 ، حكم الإعدام غيابياً من طرف محكمة الاستئناف في طرابلس ، بتهم الإبادة الجماعية وجلب مرتزقة وتكوين تشكيلات مسلحة أثناء أحداث ثورة 17 فبراير 2011 التي أطاحت بحكم أبيه القذافي.
وطالبت المحكمة الجنائية الدولية يوم الأربعاء، المساعدة في القبض على سيف الإسلام القذافي ، لتقديمه للمحاكمة بشكل فوري.
وبحسب الموقع الرسمي للمحكمة الجنائية الدولية، فقد طالبت المدعية العامة للمحكمة فاتو بنسودا، إلقاء القبض على سيف الإسلام القذافي وتقديمهم فورا إلى المحكمة، مؤكدة اتخاذ الخطوات اللازمة لتحديد مكان نجل القذافي .
من جانبه، يصف علي السويح عضو مجلس الدولة الأعلى (الاستشاري) ، عملية إطلاق سراح نجل القذافي ، بأنها غامضة حتى اللحظة، خاصة مع عدم ظهوره وتأكيد خروجه من السجن، ما يضع علامات استفهام عديدة.
وأوضح السويح في تصريح لـ((شينخوا)) ، " في حال كان خارج السجن ، فإن ذلك يربك المشهد الليبي المرتبك والفوضوي من الأساس، والحقيقة أنه كلما رأينا بارقة أمل تلوح بالأفق ، ونحقق تقدما ملموسا على مستوى الحوار والتوافق، نجد حدوث أمر يربك الحسابات، ويجعلنا نعود للوراء " .
وعن إمكانية تأثير خروج سيف الإسلام على المشهد السياسي ، أجاب " أعتقد أنه طرف مؤثر في المشهد السياسي ، خاصة وأن له أنصار وقاعدة شعبية ، لكن لا يمكن التكهن بماذا يريد، هل يريد المواجهة ومحاولة إعادة نظام أبيه معمر القذافي؟ أم يريد التصالح مع النظام الجديد، وطي صفحة الخلاف والماضي؟ كلها أمور متوقفة عليه بالمقام الأول، وستكشف الفترة المقبلة دوافعه".
واعتقد عماد جلول الباحث السياسي الليبي، أن فرصة إحداث سيف الإسلام القذافي هو تغيير في البلاد ، أمر قوى وفاعل بشدة، خاصة وأنه يحظى باحترام شريحة واسعة من الليبيين".
وعلل ذلك ، قائلاً " لن نفاجئ إذا عاد سيف الإسلام وطرح مشروعه (ليبيا الغد) الذي أطلقه قبل سقوط نظام والده العقيد معمر، حينها كان الليبيون يتأملون خيراً بمشروع سياسي وتنموي طموح ، لم يكتب له نور، كونه واجه عقبات وعراقيل من المقربين للقذافي".
وأردف قوله " قد يفسره البعض في حال أن أعاد طرح مشروعه جماهيرية الأب بشكل جديد، وهو ما يتوقعونه سابقا، وننتظر الظهور الأول لسيف الإسلام عبر وسائل الإعلام ، الذي تحدث البعض عن عزمه الخروج ببيان يخاطب فيه الشعب".
ومشروع (ليبيا الغد) ، الذي أطلق نواته سيف الإسلام القذافي نهاية العام 2006 ، هو بمثابة تيار إصلاحي لنظام الجماهيرية، الذي كان يحكم من خلاله العقيد معمر القذافي ليبيا، حيث دعا إلى استحداث دستور، كما دعا في خطاباته إلى التحول السياسي مما وصفه "ليبيا الثورة" إلى "ليبيا الدولة"، ووجه انتقادات حادة للنظام السياسي لوالده، كما حاول من خلال (ليبيا الغد) لإخراج ليبيا من العزلة الدولية، التي فرضت عليها نتيجة سياساتها المعادية للولايات المتحدة.