الدكتور/ محمد فايز فرحات رئيس وحدة الدراسات الآسيوية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية (القاهرة)، ومدير عام مؤسسة الأهرام سابقا |
15 مايو 2017/صحيفة الشعب اليومية أونلاين/ أجرت شبكة الشعب مؤخرا حوارا صحفيا خاصا مع الدكتور/ محمد فايز فرحات رئيس وحدة الدراسات الآسيوية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية (القاهرة)، ومدير عام مؤسسة الأهرام سابقا ،وذلك بمناسبة انعقاد منتدى " الحزام والطريق" للتعاون الدولي ببكين. وفيما يلي أهم ماجاء في الحوار:ـ
شبكة الشعب: حظيت مبادرة "الحزام والطريق" منذ طرحها بردود ايجابية من أكثر من مائة دولة ومنطقة فى العالم. وقد وقعت الصين اتفاقيات تعاون ذات صلة مع أكثر من 50 دولة،وقامت بتعاون مع أكثر من 20 دولة فى القدرة الانتاجية. كيف تقيمون هذا التقدم؟ هل لديكم رؤية في كيفية دفع مبادرة "الحزام والطريق" للعلاقات المصرية ـ الصينية خاصة والعالمية عامة؟ وما هي أهم المقومات التي ينبغي أن تعتمد عليها المبادرة لتحقيق النجاحات المرجوة؟
الدكتور/ محمد فايز فرحات:واقع الأمر إن مبادرة الحزام والطريق تمثل بحق واحدا من أكبر وأهم المشروعات التي طُرحت في تاريخ المجتمع الإنساني. وتأتي أهمية هذه المبادرة أنها تنطوي على عدد من الخصائص التي تميزها جوهريا عن نمط المبادرات والمشروعات التي درج الغرب على طرحها خلال العقود السابقة، سواء على المستوى السياسي، أو الاقتصادي، أو الثقافي. وأهم ما يميز المبادرة في هذا السياق أنها تمتلك بالفعل عددا من المقومات المهمة للنجاح، وهو ما يفسر لنا التفاعل الإيجابي من جانب عدد كبير من الدول. ويمكن تحديد هذه المقومات فيما يلي:
أولا، أن المبادرة تقوم على فلسفة تتجاوز المفهوم الجغرافي التقليدي الضيق لمشروعات التعاون الإقليمي، بمعنى أنها لا تستند إلى تعريف جغرافي وجيو-سياسي مغلق يقصرها على إقليم جغرافي محدد. بل على العكس، فقد استندت المبادرة منذ البداية إلى نطاق جغرافي واسع، يسمح بضم أكبر عدد ممكن من الدول، والمتباينة سياسيا واقتصاديا وثقافيا، وأكبر عدد من الأقاليم الجغرافية (شرق آسيا، جنوب شرقي آسيا، جنوبي آسيا، وسط آسيا، الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وسط أوروبا). وتأتي أهمية هذه السمة أنها تسمح، أولا، باستفادة أكبر عدد ممكن من الدول النامية من المبادرة. وتحرر المبادرة، ثانيا، من الإدراكات السلبية المحتملة من جانب الدول الغربية أو الدول النامية، أو النظر إليها باعتبارها مشروعا صينيا موجها ضد الغرب، خاصة في ضوء دمج إقليم جنوبي أوروبا في المبادرة.
وفي هذا الإطار، تتفوق المبادرة على طريق الحرير التقليدي من أكثر من ناحية، سواء من حيث النطاق أو من حيث الأدوات. فعلى الرغم من أن مبادرة الحزام والطريق تلتزم في معظمها بمسار طريق الحرير القديم، إلا أنها تتفوق عليه بضم أقاليم أخرى. كذلك تتمايز مبادرة الحزام والطريق عن طريق الحرير التقليدي من زاوية أخرى مهمة، فبينما ارتبط ازدهار طريق الحرير البحري التاريخي بضعف طريق الحرير البري، فإن المبادرة الحالية تقوم على التنمية والبناء المتوازي والمتكامل للطريقين البري والبحري.
ثانيا، تقوم المبادرة على الربط الوثيق بين التجارة والتنمية. ويعيدنا هذا إلى خبرة مشروعات الدول النامية لتوسيع التجارة الإقليمية البينية؛ فقد شهد النصف الثاني من القرن العشرين الإعلان عن عدد من مشروعات التكامل الإقليمي وتحرير التجارة في الدول النامية (خاصة في الشرق الأوسط، والقارة الأفريقية، وجنوبي آسيا)، إلا أنها لم تستطع تحقيق أي من أهدافها المعلنة، خاصة توسيع حجم التجارة الإقليمية بين الاقتصادات الأعضاء، لأسباب عديدة منها أن عملية تحرير التجارة لم تقترن، أو لم يسبقها، إعادة هيكلة تلك الاقتصادات على نحو يضمن ارتباط عملية تحرير التجارة بخلق سلع وخدمات يمكن تبادلها بالفعل بين تلك الاقتصادات. وهكذا، فقد فشلت المبادرات الإقليمية لتوسيع التجارة الإقليمية في أقاليم الدول النامية، والتي سعت إلى توسيع حجم التجارة الإقليمية البينية، في تحقيق هذا الهدف بسبب عدم ارتباطها بسياسات ومشروعات تنموية حقيقية. من هنا تأتي أهمية مبادرة الحزام والطريق كونها ليست مجرد مبادرة تسعى إلى تسهيل وتوسيع حجم التجارة بين الأقاليم والدول المندمجة في هذه المبادرة، من خلال إزالة العوائق المادية أمام هذه التجارة وتخفيض تكاليفها، بقدر ما تنطوي أيضا على أبعاد تنموية من خلال مشروعات مهمة لتنمية البنية الأساسية وتوفير التمويل اللازم لهذه المشروعات. وبهذا المعنى، فإن مبادرة الحزام والطريق تنطوي على مكاسب اقتصادية محتملة للدول النامية المعنية، بالنظر إلى انطوائها على مشروعات تنموية جنبا إلى جنب مع التجارة.
ثالثا، تمتلك المبادرة فرصة نجاح كبيرة كونها تأتي من دولة كبيرة، ذات اقتصاد قوي، لازالت تقدم نفسها باعتبارها دولة نامية، الأمر الذي يحررها من المخاوف التي ارتبطت بالعديد من المبادرات التي أعلنتها الدول الغربية، والتي سعت بالأساس إلى تكريس الهيمنة الغربية على النظام العالمي، والهيمنة على أسواق الدول النامية وضمان تبعيتها للاقتصادات الرأسمالية الكبيرة. يصدق ذلك على المبادرات السياسية والاقتصادية. ولم يرتبط بهذه المبادرات/ المشروعات الغربية مكاسب حقيقية للدول النامية. وفي المقابل، تمتعت مبادرة الحزام والطريق بردود فعل إيجابية سريعة، الأمر الذي يعكس وجود إدراكات إيجابية كبيرة حول هذه المبادرة لدى قسم كبير من الدول النامية في مختلف الأقاليم.
رابعا، أن هناك عدد من المؤسسات المالية المهمة الداعمة لتوفير التمويل اللازم لتطبيق المبادرة، خاصة مشروعات البنية الأساسية. يأتي في مقدمة هذه المؤسسات "صندوق طريق الحرير" الذي أسسته الحكومة الصينية لهذه الهدف خصيصا، في ديسمبر ٢٠١٤، برأسمال قدره ٤٠ بليون دولار، و"البنك الآسيوية لتنمية البنية الأساسية"، والذي دخل اتفاقه حيز التنفيذ في ٢٥ ديسمبر ٢٠١٥. وقد قام البنك بالفعل في توفير التسهيلات المالية لتنفيذ مشروعات المبادرة. وبالإضافة إلى هذه المؤسسات، لا يمكن إغفال دور البنوك الصينية الأربعة الأساسية المملوكة للدولة، "بنك الصين"، و"بنك الصين الصناعي التجاري"، و"بنك الصين للتعمير"، و"بنك الصين الزراعي". وقد بدأت هذه البنوك بالفعل في تقديم حزمة من القروض والائتمان لتمويل مشروعات المبادرة.
خامسا، هناك مقوم آخر لا يمكن إغفاله يتمثل في الخبرة التاريخية لطريق الحرير القديم، والذي لعب دورا مهما في تعزيز العلاقات التجارية والثقافية بين عدد من الأقاليم الآسيوية والأوروبية والأفريقية، فضلا عن دوره المهم في تعزيز الاستقرار في علاقات الأقليات القومية في غرب الصين.
سادسا، تتسم المبادرة بأنها تقوم على البناء على الأطر الثنائية والإقليمية القائمة؛ فباستثناء عدد من المؤسسات الصينية التي تم استحداثها بهدف تشجيع المبادرة مثل "صندوق طريق الحرير"، و"البنك الآسيوي للاستثمار في تنمية البنية الأساسية"، لم تتضمن المبادرة الحديث عن إنشاء مؤسسات أو أبنية إقليميةأو عبر إقليمية جديدة. وفي المقابل، تعتمد المبادرة على الأطر الثنائية،والأطر الإقليمية القائمة في مختلف الأقاليم ذات الصلة بالمبادرة.
وتأتي أهمية هذا التوجه أنه لا يكبل المبادرة بالقيود البيروقراطية، كما يخلق نوعا من المرونة في إدارة المبادرة. أضف إلى ذلك، فإن استبعاد فكرة إنشاء كيان بيروقراطي فوق إقليمي للمبادرة يحررها من ظهور أية إدراكات سلبية قد تتطور في مختلف الأقاليم المعنية بأن المبادرة تمثل مجالا للنفوذ والهيمنة الصينية على تلك الأقاليم.
غير أن نجاح هذه المبادرة يظل رهنا بشروط عديدة، لابد من وعي حكومة الصين وحكومات الدول النامية المعنية بها، حتى يمكن توفير البيئات المحلية والإقليمية اللازمة لتجاوز التحديات التي تواجه تحويل هذه المبادرة التاريخية المهمة إلى واقع اقتصادي وتنموي. وتقع مسئولية مواجهة هذه التحديات على الدول الإقليمية الرائدة، جنبا إلى جنب مع الصين، وهو ما يفتح الطريق أمام دور مهم يمكن أن تقوم به مصر.
شبكة الشعب: يشهد العالم نهوض الاتجاه المناهض للعولمة،ففى رأيكم،ما هو دور التعاون فى إطار "الحزام والطريق"التى طرحتها الصين فى مواصلة تعزيز العولمة الاقتصادية؟
الدكتور/ محمد فايز فرحات :هناك علاقة قوية بين نجاح مبادرة الحزام والطريق وظاهرة العولمة الاقتصادية. وهناك رأي قوي يقول بأن نجاح المبادرة سيكون له تداعيات قوية بالنسبة لإعادة صياغة ظاهرة العولمة وتحسين شروطها. فوفقا لبعض الكتابات تعد المبادرة تجسيدا لتحول الصين من الانخراط في ظاهرة العولمة الاقتصادية إلى محاولة المساهمة في تشكيل تلك الظاهرة وفقا لرؤية صينية. ويأتي دور مبادرة الحزام والطريق هنا أنها تعمل على إعادة تشكيل ظاهرة العولمة الاقتصادية في اتجاهين أساسيين:
الاتجاه الأول، هو ضمان تحول الصين إلى رقم مهم في ظاهرة العولمة، ليس فقط من خلال تعميق علاقات الإنتاج والتجارة بين الصين وعدد من الأقاليم والتكتلات الاقتصادية العالمية وفقا لمشروع صيني، ولكن من خلال ربط وتعميق علاقات التصنيع والإنتاج والتجارة بين الصين وهذه الأقاليم والاقتصاد العالمي، بشكل عام، وعدد من التكتلات الاقتصادية والأقاليم الآسيوية والأوروبية، بشكل يضمن دورا صينيا في هندسة تلك العلاقات، الأمر الذي يضمن تحويل الصين إلى مركز مهم في إدارة ظاهرة العولمة.
وتأتي أهمية مبادرة الحزام والطريق في هذا الإطار أنها تلعب دورا لا يمكن إغفاله في تحجيم دور المؤسسات الاقتصادية التقليدية أو ما يعرف بمؤسسات بريتون وود، من خلال استحداث مؤسستين بديلتين للإقراض والتمويل الدولي، إحداهما صينية ("صندوق طريق الحرير")، والثانية متعدد الأطراف ("البنك الآسيوي لتنمية البنية الأساسية"). وتجدر الإشارة هنا إلي ملاحظتين مهمتين. الأولى، أنه رغم تأكيد الحكومة الصينية، والوثائق المنظمة لعمل هذه المؤسسات على أن هذه المؤسسات لا تمثل بديلا للمؤسسات التقليدية، فضلا عن التأكيد على الطابع الانفتاحي لـ"لبنك الآسيوي لتنمية البنية الأساسية" إلا أن هذا لا ينفي ما يمثلاه من تحدي للمؤسسات التقليدية، خاصة في ضوء ارتباط القروض المقدمة من هاتين المؤسسات بمشروعات تنمية البنية التحتية والقطاعات الإنتاجية بشكل عام، وهو ما يميزها عن المؤسسات المالية التقليدية.
الاتجاه الثاني، هو إعادة التوازن لظاهرة العولمة ذاتها. وللتوازن هنا شقين، الأول هو تحويل العولمة من كونها ظاهرة تقوم بالأساس على تدفق التجارة ورؤوس الأموال إلى كونها ظاهرة تركز أو تعلى من الأهمية النسبية لمسألة التنمية، في اتجاه تشكيل ما أطلق عليه أحد الخبراء الصينيين "العولمة التنموية". ويأتي في قلب تعميق الطابع التنموي لظاهرة العولمة ربط الأقاليم والدول الواقعة على مسار المبادرة بشبكة من الطرق والممرات الاقتصادية والتنموية، المتمثلة في شبكات السكك الحديدية السريعة، وشبكة أنابيب الغاز والنفط.الشق الثاني، هو تحويل العولمة من ظاهرة متحيزة لمصالح الدول الصناعية المتقدمة الغربية، إلى ظاهرة متحيزة لمصالح الدول النامية والناشئة بالأساس، من خلال الاهتمام الذي توليه المبادرة بمشروعات تنمية البنية الأساسية.
شبكة الشعب: تشارك مصر بوفد رفيع المستوى في المنتدى، ما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه مصر من خلال المنتدى للدفع بالعلاقات الصينية ـ العربية لكونها مركز مهم في المنطقة؟ هل لديكم قراءة حول ما ينتظره العالم العربي من منتدى "الحزام والطريق" للتعاون الدولي؟
الدكتور/ محمد فايز فرحات: مصر تولي اهتماما كبيرا بمبادرة الحزام والطريق لأسباب كثيرة، يتعلق بعضها كما سبق القول بطبيعة المبادرة ذاتها،كونها صادرة عن دولة صديقة تتمتع بدرجة كبيرة من المصداقية لدى دول العالم، وتركيزها على قضية التنمية بشكل عام، وتنمية البنية الأساسية بشكل خاص، وهي مسألة مهمة بالنسبة للدول النامية، بجانب إزالة الحواجز المادية وغير المادية للتجارة، الأمر الذي يساهم في توسيع حصة الدول النامية من التجارة العالمية، إلى آخره من السمات المهمة للمبادرة. لكن بالإضافة إلى هذه الأسباب هناك أسباب أخرى على الجانب المصري تزيد من اهتمام مصر بمبادرة الحزام والطريق. تتعلق هذه الأسباب بطبيعة المرحلة الاقتصادية التي تمر بها مصر. فكما تعلمون تولي مصر في المرحلة الراهنة اهتمام كبيرا بقضية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهي في هذا الإطار تركز بشكل خاص على تنمية البنية الأساسية من خلال عدد من المشروعات القومية، بعض هذه المشروعات تم انجازها بالفعل، مثل مشروع قناة السويس الجديدة الذي تم افتتاحه في أغسطس 2015، وبعض هذه المشروعات لازالت تحت الإنشاء، مثل مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، ومشروع محور تنمية قناة السويس الذي يهدف إلى تحويل منطقة قناة السويس إلى مركز عالمي للملاحة البحرية والخدمات اللوجيستية وبوابة للتجارة العالمية من خلال إقامة منطقة صناعية بالقرب من ميناء العين السخنة ووادي للتكنولوجيا بمحافظة الإسماعيلية بالإضافة إلى المناطق العمرانية، والمشروع القومي لتنمية سيناء، والمشروع القومي للطرق، والمشروع القومي لتنمية محافظات الصعيد، والمشروع القومي للكهرباء، ومشروع شرق العوينات (الذي يهدف إلى استصلاح 230 ألف فدان اعتمادا على المياه الجوفية في الجزء الجنوبي الغربي في الصحراء الغربية) وغيرها من المشروعات المهمة.
بعض هذه المشروعات يكتسب أهمية ودلالةخاصة بالنسبة لمبادرة الحزام والطريق، مثل قناة السويس الثانية التي ستمثل مكونا في طريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين. وبالتزامن مع تنفيذ هذه المشروعات، هناك سعي حثيث من جانب الحكومة المصرية إلى تحسين مناخ الأعمال والاستثمار في مصر من خلال إصلاح البيئة التشريعية وإصلاح السياسات الاقتصادية. وفي هذا الإطار قامت مصر بتطبيق برنامج للإصلاح الاقتصادي والمالي، بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي، تضمن تحرير سعر الصرف حتى يكون هناك سعر واحد في السوقين الرسمي وغير الرسمي وهو ما تم بالفعل، وتخفيف الأعباء المالية على كاهل الحكومة من خلال إلغاء جزء من الدعم على المحروقات. ومن ثم، يمكن القول أولا، أن هناك توافق بين التوجهات الاقتصادية الراهنة للدولة المصرية والفلسفة الأساسية لمبادرة الحزام والطريق على خلفية الأهمية الكبيرة التي توليها الدولة المصرية لقضية التنمية، من ناحية، والمكانة المهمة التي تحظى بها هذه القضية من جانب المبادرة، من ناحية أخرى. لكن الأهم أيضا هو الفرص المهمة التي تقدمها مبادرة الحزام، والطريق ومؤسسات التمويل المرتبطة بها، لتمويل لمختلف مشروعات التنمية في مصر. ومن ثم، يمكن القول هنا أن هناك طموحا مصريا كبيرا أن تمثل مبادرة الحزام والطريق فرصة وإطارا لتوسيع حجم التعاون المصري- الصيني، وزيادة حجم الاستثمارات الصينية في مصر، وحصول مصر على حصة معتبرة من التمويل الموجه لمشروعات التنمية الجارية والمخططة في مصر.
أما فيما يتعلق بالدور الذي يمكن أن تلعبه مصر- في إطارها العربي والشرق أوسطي- لدعم المبادرة فهناك مجموعة من الأدوار المهمة التي يمكن أن تقوم بها مصر في هذا الإطار. الدور الأول، هو ضمان استقرار إقليم الشرق الأوسط. لاشك أن أصبح استقرار الشرق الأوسط بات أكثر أهمية بالنسبة للصين من أي وقت مضى، لأكثر من سبب. فمن ناحية، فإن هذا الاستقرار بات يمثل شرطا ضروريا للحفاظ على معدلات النمو الاقتصادي المستدامة في الصين، وشرطا أساسيا أيضا لإلحاق الإٍقليم بمبادرة الحزام والطريق. فرغم أن الطلب الداخلي لازال يمثل أحد أهم مصادر نمو الاقتصاد الصيني، إلا أن الطلب الخارجي، ممثلا في الواردات الخارجية من الصين، لازال يمثل المصدر الأهم لهذا النمو واستدامته، كما لازال الشرق الأوسط يمثل أحد المصادر الأساسية لهذا الطلب. ومن ناحية أخرى، فإن هذا الاستقرار يمثل شرطا ضروريا آخر لاستقرار تدفق النفط ومصادر الطاقة إلى الصين، ليس لضمان النمو الاقتصادي في حد ذاته، ولكن لتأمين الشروط اللازمة لاستمرار مشروع الصعود الاقتصادي والعسكري الصيني.
وهنا يصبح من الضروري بناء تفاهم صيني- مصري مشترك؛ حول شروط هذا الاستقرار، بدءا من العلاقة بين الإقليم والنظام العالمي، وحدود وأشكال التدخل الدولي في الإقليم وأزماته المتتالية. ويمكن التأكيد هنا على ملاحظتين مهمتين. الأولى أن هناك حاجة إلى دور صيني أكثر قوة ووضوحا في الإقليم. والثانية هي استناد هذا الدور لتفاهم مصري- صيني واضح. فرغم أن الدور الصيني في الأزمات الإقليمية الراهنة بات أكثر وضوحا بالمقارنة بأزمات سابقة، إلا أنه لازال يحتاج إلى مزيد من القوة والوضوح.
الدور الثاني المهم الذي يمكن أن تقوم به مصر يتعلق بمحاربة الإرهاب والعنف الديني.لقدكان لبدء موجة الربيع العربي، والتي ارتبطت تداعياتها الأولى بصعود القوى الإسلامية في المنطقة تأثيره الكبير على صعود موجة التنظيمات الإرهابيةفي العالم، بشكل عام، ومنطقة الشرق الأوسط بشكل خاص، ولم تكن الصين استثناء من الاتجاه العالمي، فقد شهدت الفترة الأخيرة صعود ملحوظ لأنشطة حركة "تركستان الشرقية".
الدور المصري في محاربة الإرهاب يمكن أن يتم على ثلاثة مستويات. الأول عبر دور مؤسسة الأزهر الشريف، في مجال مواجهة الأفكار الدينية المتشددة. وهو دور يمكن تعزيزه من خلال التوسع في البعثات الخارجية للأزهر الشريف، بما في ذلك داخل الأقاليم الصينية ذات التركز الإسلامي، وبالتنسيق الكامل مع الحكومة الصينية، ليس فقط لترويج الفكر الإسلامي المعتدل والمستنير وحصار الأفكار المتشددة، ولكن أيضا لتحديد السقف الشرعي لمسئولية الأقلية المسلمة داخل دولتهم الوطنية (الصين). وبمعنى أدق، توضيح ما إذا كان وضعهم كأقلية يفرض عليهم الخروج عن هذه الدولة بواقعها السياسي والثقافي والاجتماعي القائم، أم الاندماج في مجتمعاتهم، ونمط علاقاتهم بالقوميات وأتباع الديانات الأخرى أو اللادينيين، حيث يمكن في هذا الإطار الاستفادة من الآراء المستنيرة لمؤسسة الأزهر في هذا المجال بما يضمن حصار الأفكار المتشددة وضمان اندماج مسلمي الصين في دولتهم الوطنية ومجتمعاتهم المحلية، وضمان علاقات سلمية ووطنية مع مختلف القوميات. الثاني، هو الدور المباشر للدولة المصرية في الحرب على الإرهاب داخل الإقليم المصري، وهو دور تضطلع به بكامل قدراتها الوطنية ومؤسساتها الداخلية، ويجري على قدم وساق. المستوى الثالث يتعلق بالتعاون المصري مع المجتمع العالمي لتجفيف المنابع الفكرية والمالية للإرهاب.
وما أود التأكيد عليه هنا هو ضرورة إيمان الصين الحكومة الصينية الصديقة بوجود علاقة ارتباط قوية بين مصالحها الوطنية، بما في ذلك القضاء على الإرهاب والفكر الديني العنيف، وبناء دولة قوية في مصر، تستند إلى مفهوم الدولة الوطنية. إذ تشير خبرة صعود التيارات الإسلامية في مصر وفي المنطقة بعد الثورات العربية، إلى وجود علاقة قوية بين صعود هذه القوى من ناحية، وانتشار العنف الديني، من ناحية أخرى. والواقع أن الصين لم تكن بمعزل عن هذ التأثير.
الدور الثالث المهم الذي يمكن أن تقوم به مصر لدعم مبادرة الحزام والطريق يتعلق بدعم السياسة الناعمة الصينية. إذ لازالت الصين لا تعطي الاهتمام الذي يعطيه الغرب للسياسات والأدوات الناعمة. لكن ليس من المتوقع استمرار هذا الوضع طويلا، خاصة مع استمرار الصعود الصيني. ويمكن الإشارة هنا إلى عدد من الأدوار المهمة التي يمكن أن تقوم بها مصر في دعم القوة الناعمة للصين، بدءا من التكريس والترويج للمفهوم الصيني في التحول والإصلاح، الذي يقوم على أولوية الإصلاح التدريجي على الإصلاح المفاجئ أو الإصلاح بالصدمة، وأولوية التحول والانتقال الاقتصادي على التحول والانتقال السياسي، أو على الأقل أهمية التلازم بين التنمية والديمقراطية، إذ لا يمكن بناء ديمقراطية مستدامة بدون تنمية.
ويرتبط بهذه النقطة وجود مصلحة صينية أيضا في الترويج للنموذج الصيني في التنمية المرتكز بالأساس على دور الدولة في إدارة ليس فقط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ولكن في إدارة عملية الانتقال السياسي والديمقراطي انطلاقا من أجندة داخلية وطنية، ووفقا للظروف الداخلية. وهنا يمكن الحديث مرة ثانية أن هناك توافقا كبيرا بين الجانبين المصري والصيني على تلك الأسس، وهو ما أكدته أيضا تجربة ثورة يونيو 2013 التي مثلت في جوهرها نزوعا مجتمعيا للحفاظ على الدولة ومؤسساتها، وإعادة الاعتبار لدورها في المجالين الاقتصادي والاجتماعي دونما تهميش أو إقصاء للقطاع الخاص.
شبكة الشعب: أصبحت المنطقة الاقتصادية لقناة السويس وبعض المشاريع الرئيسية الأخرى التى بنيت بالتعاون الصيني – المصري المشاريع نموذجا للتعاون الثنائي فى إطار "الحزام والطريق"،كيف تقيمون هذه المشاريع؟ وما هى المجالات التى تتطلع اليها الصين ومصر في تعزيز التعاون فى المستقبل؟
الدكتور/ محمد فايز فرحات :بحق تمثل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس نموذجا مهما للتعاون المصري- الصيني في إطار "الحزام والطريق"، وهو بالطبع ليس المشروع المشترك الأول بين البلدين، فهناك مشروعات أخرى عديدة. لكن أهمية هذا المشروع تأتي أنه يمثل واحدا من قائمة المشروعات القومية التي أولتها الدولة المصرية اهتماما خاصا، ضمن قائمة المشروعات التنموية التي بدأت تنفيذها منذ وصول الرئيس السيسيالذي دشن لما نطلق عليه في مصر "دولة يونيو"، نسبة إلى ثورة يونيو 2013، ومن ثم فهو نموذج مهم للتعاون المصري- الصيني في إطار المبادرة، ونموذجا أيضا للدعم الصيني لدولة يونيو. كما تأتي أهمية هذا المشروع أنه يمثل نموذجا يمكن البناء عليه للتعاون المصري- الصيني في إطار المبادرة. وينقلنا ذلك إلى المجالات التي نتطلع إلى تعزيز التعاون المصري- الصيني فيها مستقبلا.
كما سبق القول هناك قائمة من عشرات المشروعات القومية التي نتطلع أن يكون فيها تعاونا مصريا- صينيا. وفي تقديري إن هناك قائمة من المجالات المهمة التي يمكن أن تقوم الصين فيها بدور مهم لدعم الدولة المصرية في مرحلتها الراهنة.
1- بناء شبكة حديثة للسكك الحديدية في مصر، وتأتي أهمية هذا المجال بالنظر إلى عاملين، الأول هو الخبرة الصينية العالمية المهمة في هذا المجال، الثاني هو أهمية هذا المشروع بالنظر إلى ارتباطه بمبادرة الحزام والطريق.يمكن أن يتم ذلك من خلال منحة صينية كبيرة تخصص لهذا القطاع، أو من خلال توفير تمويل ميسر من خلال مؤسسات التمويل الصينية، بجانب المساهمة في نقل الخبرة الفنية الصينية المهمة في هذا المجال.
2- دمج مصر ضمن مجموعة المحاور الاقتصادية في إطار مبادرة الحزام والطريق. فمن الملاحظ حتى الآن أن دمج مصر بالمبادرة لازال مقصورا على الطريق البحري من خلال قناة السويس، وهو ما لا يتناسب مع الموقع الجغرافي والجيو-استراتيجي لمصر، سواء في إطار منطقة الشرق الأوسط أو كنقطة تقاطع مهمة بين قارات العالم الرئيسية الثلاث آسيا وأفريقيا وأوروبا. ويمكن في هذا السياق دمج مصر ضمن سلسلة شبكات الطرق البرية والحديدية المقترحة، فضلا عن طرق نقل الغاز وهو موضوع زادت أهميته بالنظر الاكتشافات الحديثة للغاز في مصر، وذلك بالتنسيق مع الحكومة المصرية.
3- بناء سلسلة من المدارس، وتأتي أهمية هذا المجال أيضا بالنظر إلى اعتبارين، الأول سابقة التعاون المصري- الصيني في هذا المجال من خلال سلسلة المدارس الصينية، والثاني هو الاهتمام الذي ستوليه الحكومة المصرية خلال السنوات القادمة بهذا المجال في إطار ملف إصلاح التعليم في مصر.
4- بناء مدينة سكنية حديثة، يمكن أن تكون نموذجا للتعاون المصري- الصيني ونموجا للتآخي والصداقة بين الشعبين.
هذه أفكار أولية لتنمية وتطوير التعاون المصري الصيني خلال المرحلة القادمة، وبالتأكيد الحكومة المصرية لديها قائمة مهمة من المشروعات المقترحة التي يمكن العمل عليها.