غزة 2 مايو 2017 / يرى مراقبون فلسطينيون أن الوثيقة السياسية الجديدة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) حملت "تطورا جوهريا" في خطابها بما يمكن أن يساعدها على تعزيز علاقاتها الداخلية الفلسطينية ومزيدا من الانفتاح الإقليمي والدولي.
وأصدرت حماس مساء أمس (الاثنين)، وثيقة سياسية جديدة لها استغرق إعدادها أربعة أعوام من المداولات الداخلية بين قادتها، تضمنت تأكيد قبولها بدولة فلسطينية على حدود عام 1967 مع عدم اعترافها بإسرائيل.
وجاء في وثيقة حماس التي حملت عنوان (وثيقة المبادئ والسياسات العامة) أن "إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة، وعاصمتها القدس على خطوط الرابع من يونيو 1967 مع عودة اللاجئين والنازحين إلى منازلهم التي أخرجوا منها هي صيغة توافقية وطنية مشتركة".
وأكدت الحركة في وثيقتها، أنه "لا اعتراف بشرعية إسرائيل"، فيما شددت على "أن الصراع مع المشروع الإسرائيلي ليس صراعا مع اليهود بسبب ديانتهم، وأنها لا تخوض صراعا ضد اليهود لكونهم يهودا".
وتعتبِر إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي حركة حماس "إرهابية"، في حين أن عددا من قادتها تستهدفهم عقوبات وتدرجهم واشنطن على قائمة "الإرهاب".
"الانعكاسات المحتملة"
يرى الكاتب والمحلل السياسي من الضفة الغربية محمد دراغمة، أن وثيقة حماس السياسية حملت "تطورا كبيرا وجوهريا" في مواقف الحركة مقارنة مع ميثاقها العام الذي كانت أعلنته بعد شهور من انطلاقها رسميا في العام 1987.
ويبرز دراغمة في تصريحات لوكالة أنباء ((شينخوا))، إعلان حماس قبولها بدولة فلسطينية على الحدود المحتلة عام 1967، وأن الكفاح المسلح جزء من النضال وليس الوسيلة الوحيدة، وحصرها الصراع مع الاحتلال وليس مع اليهود بسبب ديانتهم.
ويعتبر أن هذه المواقف المذكورة "تمثل تطورا مهما في مخاطبة حماس للمجتمع الدولي والإقليمي، خاصة أن لديها علاقات مع روسيا وسويسرا وتركيا وهذه الوثيقة تمهد لتعزيز هذه العلاقات أكثر دوليا بما تقدمه من مؤشرات اعتدال ".
كما يرى دراغمة، أن وثيقة حماس وما حملته من مواقف سياسية بشأن الصراع مع إسرائيل "يمكن أن يخلق تأثيرا إيجابيا مستقبلا باتفاق فلسطيني شامل على هدف إقامة الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967 كأرضية للتفاهم للمضي في عملية سلام جدية مع إسرائيل حال توفرها".
وكان ميثاق حماس الذي أعلنته بعد انطلاقها ينص على أن "أرض فلسطين أرض وقف إسلامي على أجيال المسلمين إلى يوم القيامة، لا يصح التفريط بها أو بجزء منها أو التنازل عنها أو عن جزء منها".
كما جاء في الميثاق "تتعارض المبادرات وما يسمى بالحلول السلمية والمؤتمرات الدولية لحل القضية الفلسطينية مع عقيدة حركة حماس، فالتفريط في أي جزء من فلسطين تفريط في جزء من الدين".
كما أن الميثاق أكد في حينه على أنه "لا حل للقضية الفلسطينية إلا بالجهاد، أما المبادرات والطروحات والمؤتمرات الدولية، فمضيعة للوقت، وعبث من العبث".
وخلال مؤتمر إعلان وثيقة حماس الجديدة في كل من الدوحة وغزة عبر تقنية الربط التلفزيوني (الفيديو كونفرس) قال رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل، إن "ميثاق حماس أو وثيقتها الجديدة كل منهما يعبر عن مرحلته ووقته وزمانه، ولا يلغي كل واحد الآخر، وهذه الوثيقة هي مرجعيتنا في الأداء السياسي اليوم".
"التأثير الداخلي المنتظر"
رحبت حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) على لسان عضو لجنتها المركزية محمد أشتية بوثيقة حماس السياسية الجديدة وما اعتبره "تطور الفكر السياسي" لديها وأي تقدم في برنامجها السياسي.
وقال أشتية ل((شينخوا)) تعقيبا على ما جاء في وثيقة حماس، إن فتح "ترحب بأي تقدم في برنامج حماس السياسي وتريد لها أن تكون حركة واقعيه، وتكون جزءا من البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية".
واعتبر اشتية، أن حماس "متأخرة 43 عاما عن الفكر السياسي لمنظمة التحرير، إذ أن النقاشات الآن في داخل أطر حماس هي ذات النقاشات التي خاضتها المنظمة في عام 1974 حول برنامج النقاط العشر وإنشاء السلطة والاعتراف بقرار 242" الذي صدر عن مجلس الأمن الدولي وطالب إسرائيل بالانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.
ويرى المحلل السياسي المختص بشؤون الحركات الإسلامية من غزة حمزة أبو شنب، أن وثيقة حماس "حملت تحولات هامة" في مواقف الحركة خاصة أن ميثاقها المعلن عند انطلاقها "لم يحمل فكرا سياسيا بقدر ما حمل رؤية عامة للحركة".
ويشير أبو شنب ل((شينخوا))، إلى أن حماس طوال سنوات ما بعد انطلاقها "لم تشغل نفسها في توثيق تطور فكرها السياسي لانشغالها في المقاومة وتعرضها للملاحقة بالاغتيال والاعتقال" في صراعها مع إسرائيل.
لكنه يعتقد أن وثيقة حماس على أهميتها "لن تحدث أي اختراق جوهري للحركة في علاقاتها مع الأطراف المعادية لها باعتبار أن جوهر أزمتها يتعلق بحملها للسلاح وليس لإسلاميتها".
كما يبرز أبو شنب، أن حماس لم تعترف في وثيقتها بمنظمة التحرير كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني "مما سيبقي تخوفات فتح قائمة من أن تكون حماس البديل عن المنظمة ".
"حسم الارتباط مع الإخوان"
لم تتضمن وثيقة حماس السياسية الجديدة أي ذكر لارتباط للحركة بجماعة "الإخوان المسلمين" كما كان في السابق.
إذ عرفت الوثيقة الجديدة حماس بأنها "حركة تحرر ومقاومة وطنية فلسطينية بمرجعية إسلامية، وهدفها تحرير فلسطين ومواجهة المشروع الإسرائيلي".
ويختلف هذا النص عن نظيره الذي ورد في ميثاق الحركة عندما تم الإعلان عن انطلاقها، حيث قال بوضوح في حينه إن الحركة جناح من أجنحة جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين.
وذكرت الحركة في وثيقتها الجديدة أنها "تفهم الإسلام بشموله جوانب الحياة كافة وصلاحيته لكل زمان ومكان وروحه الوسطية المعتدلة، وتؤمن أنه دين السلام والتسامح، في ظله يعيش أتباع الشرائع والأديان في أمن وأمان كما تؤمن أن فلسطين كانت وستبقى نموذجا للتعايش والتسامح والإبداع الحضاري".
ويعتبر الكاتب والمحلل السياسي من غزة طلال عوكل، أن وثيقة حماس الجديدة تمثل "تجديدا مهما" في خطاب الحركة وأظهرها عمليا بشكل مختلف عن ميثاقها الذي تم إعلانه بعد انطلاقها خاصة ما يتعلق بارتباطها مع جماعة الاخوان المسلمين.
ويشدد عوكل في تصريحات ل((شينخوا))، على أن المهم بالنسبة لانعكاسات وثيقة حماس هو "الترجمة والممارسة على أرض الواقع، إذ ليس سهلا أن تمنح الوثيقة فقط بكل ما تضمنه من تجديد في المواقف حماس دورا فاعلا في العلاقات العربية والإقليمية".
ويشير إلى أن عدم ذكر أي ارتباط لحماس مع الإخوان المسلمين رسالة مهمة إلى مصر ودول عربية رئيسية مثل السعودية "وقد ينجح ذلك في تخفيف التوتر في علاقات الحركة مع تلك الدول من دون توقع تطور دراماتيكي لأن هذه الدول تتعامل مع الجسم الرسمي الفلسطيني فقط".
ويتوقع عوكل، أن يكون المجال المباشر لتأثير وثيقة حماس هو الداخل الفلسطيني باعتبارها تطورا يمكن أن يسهل تحقيق المصالحة الفلسطينية "شرط أن يتزامن ذلك مع تطور نظري في مواقف حماس بتقديم تنازلات جدية في ملف المصالحة".