لندن 29 مارس 2017 / سيتم تذكر يوم الأربعاء بوصفه نقطة انطلاق عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكست"، حينما أصبح قرار أكثر من 17 مليون شخص بريطاني لمغادرة الاتحاد الأوروبي حقيقة واقعة.
وأصبحت لندن وبروكسل نقطتين محوريتين ليوم من الدراما السياسية الجارفة على طرفي القناة الانجليزية.
-- لا عودة إلى الوراء
بعد ظهر يوم الأربعاء، في مقر الاتحاد الأوروبي ببروكسل، سلم السفير البريطاني لدى الاتحاد الأوروبي تيم بارو رسالة إلى دونالد توسك رئيس المجلس الأوروبي.
وأطلقت الرسالة، المكونة من 6 صفحات والمذيلة بتوقيع رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي، رسميا عملية مفاوضات تمتد عامين من أجل إقامة علاقة عمل جديدة بين لندن وبروكسل.
وقالت الرسالة إن "القرار لم يكن رفضا للقيم التي نتشاطرها مع رفقائنا الأوروبيين"، مضيفة أن "المملكة المتحدة تريد للاتحاد الأوروبي أن ينجح ويزدهر".
وبعد ذلك بدقائق، وعلى بعد 320 كم في مجلس النواب البريطاني، وقفت ماي أمام مجلس العموم المكتظ لتعلن عن إطلاق عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وقالت ماي، التي كانت ترتدي بذلة سوداء، بصوت حازم، "إنها لحظة تاريخية لا عودة عنها إلى الوراء"، مضيفة "سنسعى نحو إبرام اتفاقية جريئة وطموحة للتجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي".
وجاءت هذه الخطوة التاريخية بعد 44 عاما من انضمام بريطانيا لأول مرة إلى الاتحاد الأوروبي، وبعد تسعة أشهر فقط من إجراء استفتاء وطني في البلاد، أسفر عن اختيار 52 في المائة من الناخبين خيار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وقالت ماي للنواب إن بريطانيا تهدف إلى إنجاز خروج سلس ومنظم من الاتحاد الأوروبي. وإدراكا منها لما سببه "بريكست" من انقسام في البلاد، وجهت ماي نداء إلى الشعب البريطاني من أجل التوحد.
وقال أحد المعلقين "إذا كانت نتيجة الاستفتاء زلزالا، فإن تفعيل المادة 50 مجرد هزة ارتدادية".
في حين أن اسكتلندا صوتت لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي، وتطالب رئيسة وزراء اسكتلندا، نيكولا ستورجيون، المنتمية للحزب القومي الاسكتلندي بإجراء استفتاء جديد حول الاستقلال.. وقد صوت البرلمان الاسكتلندي يوم الثلاثاء لصالح إجراء استفتاء ثان حول استقلال اسكتلندا.
كما أرادت إيرلندا الشمالية البقاء في الاتحاد الأوروبي، وتركت نتيجة الاستفتاء علامة استفهام حول الحدود المستقبلية مع جمهورية إيرلندا.
وصوتت لندن مع عدد من المدن الانجليزية الكبرى لصالح البقاء، إلا أن أغلبية الناخبين في انكلترا أيدت الخروج.
وتعهدت ماي في خطابها بتمثيل "كل شخص في كامل المملكة المتحدة".
-- السعادة والحزن
هو يوم احتفال للبعض وخيبة أمل لآخرين.
وصرح رئيس المفوضية الأوروبية جان كلو يونكر بأنه "حزين للغاية" لبدء بريطانيا بعملية خروجها من الاتحاد الأوروبي.
وقال توسك، الذي تلقى رسالة ماي، في بروكسل "نحن نفتقد المملكة المتحدة من الآن".
وأضاف أن هدفه إجراء انسحاب عادي وأنه سوف يوزع مشروع مبادئ توجيهية لموقف الاتحاد الأوروبي التفاوضي يوم الجمعة القادمة.
ونشر الزعيم السابق لحزب الاستقلال البريطاني نايجل فرج تغريدة على موقع التدوين المصغر (تويتر) قال فيها إن "الحلم المستحيل يحدث، اليوم نعبر نقطة اللاعودة".
وسيستغرق هدوء الأمور قليلا من الوقت مع استمرار النقاش حول "بريكست"، دون وجود مؤشرات واضحة على أن نداء ماي للوحدة قد يجد أذانا صاغية.
وتواصل المنظمات والأفراد من أنصار البقاء في الاتحاد الأوروبي المحاربة من زاويتهم. إذ خارج البرلمان البريطاني، كان هناك عشرات المتظاهرين ضد "بريكست" يلوحون باللافتات ويرددون الهتافات ويغنون "نشيد الفرح"، وهو نشيد كل من مجلس أوروبا والاتحاد الأوروبي.
وفي لندن، حيث يوجد فروع لقرابة 300 من البنوك الدولية، فإنه يمكن الشعور بإحساس من عدم اليقين بسهولة.
وعبّر كريموت لابيت، وهو مواطن فرنسي يعمل في اللجنة الرباعية المالية في لندن، لوكالة أنباء ((شينخوا))، عن شعوره بالأسف إزاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وقال "ستكون هناك فترة من عدم اليقين"، مضيفا "نحن بحاجة إلى توخي الحذر قبل اتخاذ أي خطوة".
فيما أعرب جوناثان واربورتون، وهو مصرفي يقيم في لندن ويعمل لحساب بنك فرنسي، ويسافر عبر يوروستار مرة كل أسبوعين، عن اعتقاده بأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لن يؤثر على سفره على نحو غير ملائم. وقال لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن "البنك قد يحول حوالي 5 في المائة من موظفيه، بيد أن لندن هي عبارة عن مركز مالي، حيث تكمن المواهب".
وقال الموسيقي، لويس فيلدهاوس، البالغ من العمر 28 عاما، والمولود في العام الذي سقط فيه جدار برلين، "لم يسبق لي أن خشيت قوات على أرض الميدان مثل الأجيال السابقة، لذلك يؤسفني خروجنا".
-- محادثات طويلة وصعبة
ومن المفترض أن تنشأ علاقة جديدة بين المملكة المتحدة وأوروبا بعد مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والتي من المتوقع أن تكون طويلة وصعبة.
وتوقع مراقبون أن تختلف بريطانيا وأوروبا حول مجموعة واسعة من القضايا بما في ذلك مراقبة الهجرة واتفاقية للتجارة الحرة ورسوم خروج تقدر بمليارات الجنيهات.
وقال مارتن وولف، وهو كاتب وخبير اقتصادي بريطاني، لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن الآثار الكاملة لـ "بريكست" على علاقات بريطانيا التجارية قد لا يتم تسويتها قبل مرور عقدين من الزمن.
وفي تقييم للطريق المعقد الذي تنتظره بريطانيا نظرا لأنها تعمل على إنشاء علاقات تجارية واقتصادية جديدة، حذر وولف من أن الخروج من الاتحاد الأوروبي هو مجرد خطوة أولى في الرحلة.
وقال وولف، وهو المحرر المساعد في صحيفة ((فايننشال تايمز)) اليومية، التي تتخذ من لندن مقرا لها، وكذلك كبير المعلقين الاقتصاديين فيها، "إننا سوف نقوم بصياغة سياسة تجارية جديدة خاصة بنا، وهو أمر من المحتمل أن يستغرق منا 20 عاما".
وكان ماثيو إليوت، وهو واحد من القوى الرائدة وراء الحملة الناجحة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، قد قال لوكالة أنباء ((شينخوا)) في مقابلة أجريت معه مؤخرا، إن "بريكست يعني ترك السوق الموحدة وترك الاتحاد الجمركي"، واللذين وصفهما بأنهما "متخمان تماما".