بكين 20 مارس 2017 / أدرج المفهوم الصيني لبناء "مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية جمعاء" يوم الجمعة في مشروع قرار لمجلس الأمن الدولي لأول مرة، ما يعكس السحر الاستثنائي لفكرته وحيويته.
كما يجسد أيضا الاعتراف العالمي المتزايد بالمساهمات الكبيرة للصين في الحوكمة العالمية.
ويمثل قبول الأمم المتحدة ودمجها للمفهوم الصيني في مشروع القرار أهمية كبيرة وسيكون له تأثير بعيد المدى.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، ضرب ما تشاو شيوي، رئيس البعثة الصينية لدى الأمم المتحدة في جنيف، على الوتر الحساس في أذهان ممثلي الدول الأخرى عندما دعا إلى حماية حقوق الإنسان وبناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية جمعاء نيابة عن 140 دولة على هامش الدورة الـ34 لمجلس حقوق الإنسان.
فالعالم يمر الآن بمفترق طرق حاسم حيث يواجه تحديات متزايدة مثل اتجاه متصاعد مناوئ للعولمة، والإرهاب، وقضية اللاجئين. وبينما يستمر الركود الاقتصادي، أضحى عدم الاستقرار وعدم اليقين ظاهرة طبيعية. وبالتالي، باتت كيفية قيادة عالم مضطرب للمضي قدما سؤالا أساسيا على طاولة السياسيين والإستراتيجيين والباحثين على حد سواء.
وفي مواجهة عالم يخرج إلى حد ما عن السيطرة، وضعت بعض الدول الغربية خيارات مخيبة للآمال واقعيا. اختارت بعض الدول التقوقع داخل عوالمها الصغيرة، في حين تحولت أخرى إلى الحمائية ومساعي ضيقة الأفق تضع شعار "الدولة أولا". وتحت هذه الظروف، تتوجه أنظار الناس إلى الشرق.
وكان تقرير المؤتمر الوطني الـ18 للحزب الشيوعي الصيني أول من اقترح في نوفمبر عام 2012 مفهوم "مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية جمعاء". وفي خلال الأعوام الأربعة التالية، ذكر الرئيس الصيني شي جين بينغ المفهوم وشرحه في مناسبات عدة.
ففي سبتمبر عام 2015، اقترح شي خارطة طريقة بناء "مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية جمعاء" في قمة للأمم المتحدة. وفي يناير من نفس العام، استفاض في شرح مفهومه بطريقة شاملة وعميقة ومنهجية في مكتب الأمم المتحدة في جنيف.
ومن خلال اقتراح المفهوم وخارطة الطريق الخاصة به، تكون الصين قد عرضت حكمتها وخطتها لحل المشاكل الرئيسية المتعلقة بمستقبل البشرية.
ويظهر المفهوم رؤية الصين العالمية ومسؤوليتها كقوة كبيرة لابد أن تترك بصمتها في العلاقات الدولية.
وبنظر فيليب تشارواث، رئيس الجلسة الـ55 للجنة الأمم المتحدة للتنمية الاجتماعية، فإن المفهوم قدم إلهاما لعالم يعاني من تحديات ومخاطر متزايدة.
وقال "على المدى الطويل، سيفيدنا جميعا. وأعتقد بحسب فهمي للمفهوم أن الأمم المتحدة يمكن أن تستفيد منه في طريقة عملها".
ويعتبر مفهوم "مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية جمعاء" الفكرة الجوهرية للحضارة الصينية التي تعود إلى 5 آلاف سنة. والمفهوم الذي يجسد حلم الشعب الصيني في تحقيق عالم متناغم هو تطور مبدع للروح التقليدية في عصر العولمة الجديد، حيث تتقاسم كافة الدول في جميع أنحاء العالم المكاسب والخسائر وتترابط بشكل متزايد مع بعضها البعض.
لذلك، يعتبر التعاون المشترك وسيلة فعالة لتعزيز التنمية.
ووفقا للباحث البريطاني مارتن جاك، الأستاذ بجامعة كامبردج، فإن الصين قد قدمت إمكانية جديدة بعيدا عن قانون الغابة وسياسات الهيمنة والقوة والألعاب الصفرية واستبدال ذلك بالتعاون المربح للجميع والبناء المشترك والمشاركة. إنه عمل رائد لم يسبق له مثيل وإبداع كبير لتغيير العالم.
كما أن المفهوم سالف الذكر يعتبر فكرة جديدة تجسد الخصائص الصينية وروح العصر بدأته الصين لإصلاح وإعادة بناء النظام العالمي كما أنه تصميم جديد على مستوى عال لقيادة الحوكمة العالمية.
وكما يقول روس تيريل، الباحث المشارك بمركز فرايبانك لجامعة هارفارد، فإن فكرة الصين للحوكمة العالمية والتي تركز على هدف بناء "مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية جمعاء" قد أظهرت الأفكار الإستراتيجية للبلاد بشأن تطوير العلاقات الثنائية بين الصين وغيرها من البلدان على المدى الطويل، وضخت قوة دفع جديدة في الجهود الرامية إلى بناء نظام عالمي جديد.
وقد أثبت المفهوم عملانيته عند التعامل مع القضايا الساخنة مثل القضية النووية الإيرانية وقضية شبه الجزيرة الكورية لما أنه يدعو الى التشاور وتنسيق الشؤون الدولية بين الدول. كما يشمل مبادرة الحزام والطريق والمساعدات الطارئة السخية وغيرها من الجهود.
وتهدف مبادرة الحزام والطريق-- الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الـ21-- التي اقترحها الرئيس الصيني شي جين بينغ عام 2013 إلى بناء شبكة للتجارة والبنية التحتية تربط آسيا وإفريقيا وأوروبا على طول مسارات التجارة القديمة.
إن بناء "مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية جمعاء" هو جوهر دبلوماسية دولة عظمى بخصائص صينية وشعلة العصر التي تقود العالم في القرن الـ21.