بكين 15 مارس 2017 /تعتزم الصين البناء على الزخم الذي تحقق ومواصلة إصلاحاتها الهيكلية الاقتصادية في عام 2017، وذلك في جهد يرمي إلى إتاحة المزيد من الفرص لتحقيق النمو العالمي.
وسيظل تعميق الإصلاحات الهيكلية في جانب العرض، والتي تهدف إلى تحقيق نمو مستقر متوسط وطويل الأجل، سيظل في بؤرة العمل، هكذا ورد في تقرير عمل الحكومة لهذا العام الذي يحدد هدف نمو إجمالي الناتج المحلي لعام 2017 بأنه يصل إلى حوالي 6.5 في المائة.
-- إصلاحات هيكلية في جانب العرض
بدأت الإصلاحات في جانب العرض بالصين عام 2016. ومن بين الجهود المبذولة، ستتسع عملية خفض القدرة هذا العام من صناعتي الفحم والصلب إلى قطاعات تشمل الطاقة المولدة من الفحم ومواد البناء والفلزات اللاحديدية، هكذا أفادت اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح يوم 6 مارس الجاري.
ويدعو تقرير عمل الحكومة إلى دور حاسم للسوق ودور محسن للحكومة في توزيع الموارد من أجل ضمان التقدم في هذا المجال.
وفي تعليق له، ذكر سيلجوق كولاك أوغلو رئيس قسم دراسات آسيا والمحيط الهادئ بالمنظمة الدولية للبحوث الإستراتيجية في أنقرة أن "إصلاحات جانب العرض، التي تهدف إلى حل الاختناقات التي تعوق النمو المتوسط وطويل الأجل، جاءت في حينها وتعد ضرورية لتحقيق نمو مستدام في الصين".
وقال نائب وزير الخارجية الإندونيسي السابق دينو باتي دجلال إن "ما سينتج عنها من تطوير اقتصادي سيتيح المزيد من الفرص للنمو العالمي".
ويُعتقد أن التغييرات ستكون محسوسة بشكل مباشر وعما قريب في الأسعار المستقبلية بالأسواق العالمية، ولاسيما أسعار السلع السائبة، حيث تعد الصين ثاني أكبر اقتصاد وكذا أكبر مستهلك للفحم وأكبر منتج للصلب في العالم.
فعلي سبيل المثال، أسهمت الإصلاحات في جانب العرض بالصين في العام الماضي في ارتفاع أسعار الأولومنيوم.
وفي هذا الصدد، صرح فلاديسلاف سولوفيف الرئيس التنفيذي لشركة "روسال" الروسية الرائدة عالميا والمنتجة للأولومنيوم لوكالة أنباء ((شينخوا)) خلال المنتدى الاقتصادي العالمي الذي عقد في يناير في دافوس بسويسرا "هذا (الإصلاح) يدفعنا نحن جميع العاملين في هذه الصناعة نحو وضع صحي على نحو أكبر، عندما نرى المستويات الجديدة من الأسعار ".
وعزا ارتفاع الأسعار إلى اتساع الطلب في جميع الأسواق وخاصة الصين معربا عن ثقته في تقاسم مستقبل مشرق بالإصلاحات الصينية.
وقال إن "السوق ينمو والإصلاح الاقتصادي يحدث، وثمة الكثير من الإصلاحات في البنية التحتية... ولهذا السبب يحدونا تفاؤل كبير بشأن الطلب في المستقبل، وبشأن المشروعات المشتركة مع الشركات الصينية".
-- تطوير الاقتصاد ارتكازا على الابتكار
وتكمن الأولوية لدى الصين في تحويل الاقتصاد الحقيقي وتطويره من أجل إطلاق العنان للإمكانات بغية تحقيق نمو مستدام. ويطالب تقرير عمل الحكومة بوضع الابتكار في الصدارة،هو أمر من المتوقع أن يجلب معه مفاهيم وأنماط إدارة وتكنولوجيات جديدة.
وذكر تشو قوه هوي نائب المجلس الوطني الـ12 لنواب الشعب الصيني ورئيس دائرة العلوم والتكنولوجيا بمقاطعة تشجيانغ بشرق الصين أن "المشكلات الكامنة في الاقتصاد الحقيقي لها جذورها من حيث الافتقار للابتكار".
وأعرب عن اعتقاده بأن الابتكار سلط الضوء على تطوير الصناعات فائقة وجديدة التكنولوجيا من أجل فتح المزيد من فضاءات النمو وكذا تحويل الصناعات التقليدية باستخدام تكنولوجيا المعلومات.
إن الإصلاحات تشكل تحديا لاقتصاد نامي مثل الصين وهي تتحول إلى اقتصاد رقمي رائد من الدرجة الأولى وقوة للصناعات التحويلية في العالم، هكذا قال جوى قيصر الرئيس التنفيذي لشركة ((سيمنز)) الألمانية العملاقة .
وأضاف أنه بصرف النظر عن التكنولوجيات الجديدة، فإن الابتكار الذي تشارك فيه القوة العاملة يتشكل من جديد، لافتا إلى أن الألمان يرغبون في تقاسم الخبرات لتحقيق الانتقال السلس الذي شهدوه في خمسينات وستينات القرن الماضي.
وذكر المدير التنفيذي لـ((سمينز)) "نتوق للغاية إلى نقل برمجيات التصنيع الحديثة إلى قطاع التصنيع الصيني حتى يصبح أكثر كفاءة وذي جودة عالية وحجم كبير".
ويتوقع العالم أن يرى تطور اقتصادي ناجح في الصين، لأن هذا أمر حيوي لنمو الصين وفي المقابل للنمو العالمي وسط حالة من عدم اليقين ناجمة إلى حد كبير عن بطء في انتعاش الاقتصاد العالمي وتصاعد في الحمائية والمشاعر المناهضة للعولمة بالدول الغربية.
وذكر ميخائيل دلياجين مدير المعهد الروسي لمشكلات العولمة أن "مستوى النمو المزمع سيساعد في الحفاظ على مساهمة الصين في النمو العالمي في حدود حوالي 30 في المائة، وهذا سيساعد بدوره على تفادي حدوث كساد اقتصادي في أنحاء العالم".
أما الخبير الاقتصادي الإندونيسي يودهويونو فيرمانزاه، وهو مستشار اقتصادي سابق للرئاسة، فقال إنه باعتبارها أكبر شريك تجاري لإندونيسيا ، فإن كل واحد في المائة في نمو إجمالي الناتج المحلي للصين سيترجم إلى 0.3 في المائة في نمو إجمالي الناتج المحلي لهذا البلد الواقع في جنوب شرق آسيا.
-- تطوير اقتصاد أخضر
كما يعتبر تقرير عمل الحكومة حماية البيئة عاملا رئيسيا في التطوير الاقتصادي للصين، لتلبية الطلب الملح للشعب على بيئة أفضل، ولا سيما هواء أنظف.
وعلاوة على ذلك، فإن هذا يعمل بمثابة قوة محركة، هكذا قال عضو المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني تشو.
فعلى سبيل المثال، يتطلب إحداث تغييرات في نمط الاقتصاد خفض استهلاك الفحم والعمل في الوقت ذاته على تحسين كفاءة الطاقة. وأظهرت البيانات الرسمية انخفاضا مستمرا في استخدام الفحم في السنوات الثلاث الماضية في الصين، فيما ارتفع استخدام الطاقة بواقع 1.4 في المائة فقط، مسجلا نموا نسبته 6.7 في المائة في العام الماضي.
وتعتزم الصين العمل هذا العام إغلاق ووقف عمل وتأجيل بناء منشآت الطاقة العاملة بالفحم بقدرة تصل إلى 50 مليون كيلووات على الأقل في المجمل، فيما تتخلص من فائض قدره 150 مليون طن في قدرة إنتاج الفحم.
وبمعنى أوسع، يعنى هذا أن الصين ستسهم بصورة أكبر في المكافحة العالمية لتغير المناخ.
وثمن ماتشاريا مونيوي الباحث المتخصص في العلاقات الخارجية بنيروبي أحدث خطوة اتخذتها الصين للتغلب على التحديات البيئية.
وقال لـ((شينخوا)) مؤخرا إن في إطار جهود الابتكار، تتخذ الصين إجراءات تشمل استخدام التكنولوجيات الخضراء للتخفيف من حدة تغير المناخ والحد من تلوث الهواء.
ويتحرك الاقتصاد الصين نحو "اقتصاد أخف، واقتصاد حديث، وهذا ينعكس أيضا كثيرا في محفظة الطاقة الصينية"، حسبما ذكر فاتح بيرول المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية.
"اعتقد أن بعض الإصلاحات ، بعض الخطوات التي تتخذها الصين يمكن أن تصبح بمثابة إلهام للدول الأخرى في العالم"، هكذا ذكر فاتح فيما كان يشير إلى تباطؤ في نمو الطلب على الطاقة وكذا إلى قفزات كبيرة وسريعة في تطوير الطاقات النظيفة بالصين.